للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كُنَّا نَدَعُ سَبْعِينَ بَابًا مِنْ الْحَلَالِ مَخَافَةَ أَنْ نَقَعَ فِي الْحَرَامِ وَعَنْ الشِّبْلِيِّ الْوَرَعُ أَنْ تَتَوَرَّعَ عَنْ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ يَحْيَى بْنِ مُعَاذٍ الْوَرَعُ وَرَعٌ فِي الظَّاهِرِ وَهُوَ لَا يَتَحَرَّكُ إلَّا بِاَللَّهِ وَوَرَعٌ فِي الْبَاطِنِ وَهُوَ لَا يَدْخُلُ قَلْبَك سِوَاهُ وَعَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ الْوَرَعُ الْخُرُوجُ عَنْ كُلِّ شُبْهَةِ وَمُحَاسَبَةُ النَّفْسِ مَعَ كُلِّ طَرْفَةٍ، وَعَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ مَكَثَ بِالْبَصْرَةِ أَرْبَعِينَ سَنَةً فَلَمْ يَصِحَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ تَمْرِ الْبَصْرَةِ وَلَا مِنْ رُطَبِهَا حَتَّى مَاتَ وَلَمْ يُذَقْهُ فَكَانَ إذَا انْقَضَى وَقْتُ الرُّطَبِ قَالَ يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ هَذَا بَطْنِي مَا نَقَصَ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَا زَادَ فِيكُمْ شَيْءٌ وَالتَّفْصِيلُ فِيهِ وَلَعَلَّك سَمِعْته سَابِقًا (وَمُجَانَبَتُهَا الْمُفْسِدَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ) بِعَدَمِ مُرَاعَاةِ بَعْضِ شَرَائِطِهِمَا أَوْ بِعَدَمِ إتْيَانِ بَعْضِ مَوَادِّهِمَا لَكِنَّ الشُّبْهَةَ الْبَعِيدَةَ لَيْسَتْ مِمَّا يَلْزَمُ اجْتِنَابُهَا فِيهِمَا كَتَرْكِ التَّزْوِيجِ مِنْ نِسَاءِ بَلَدٍ كَبِيرٍ خَوْفَ الْمَحْرَمِيَّةِ لَهُ وَتَرْكِ مَاءٍ فِي فَلَاةٍ لِجَوَازِ عُرُوضِ النَّجَاسَةِ أَوْ غَسْلِ ثَوْبٍ مَخَافَةَ لُحُوقِ نَجَاسَةٍ عَلَيْهِ عَنْ الْقُرْطُبِيِّ الْوَرَعُ فِي مِثْلِهَا وَسْوَسَةٌ شَيْطَانِيَّةٌ وَسَيُفَصِّلُ الْمُصَنِّفُ (وَمُقَارَنَتُهُمَا النِّيَّةَ الصَّادِقَةَ) وَقْتَهُ وَقَدْ سَبَقَ (وَالْإِخْلَاصُ) وَهُوَ إفْرَادُ الْحَقِّ فِي الطَّاعَةِ بِالْقَصْدِ وَهُوَ أَنْ يُرِيدَ بِطَاعَتِهِ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى دُونَ شَيْءٍ آخَرَ مِنْ تَصَنُّعِ الْمَخْلُوقِ أَوْ اكْتِسَابِ مَحْمَدَةٍ عِنْدَ النَّاسِ أَوْ مَدْحٍ مِنْ الْخَلْقِ أَوْ مَعْنًى مِنْ الْمَعَانِي سِوَى التَّقَرُّبِ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَفِي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ «الْإِخْلَاصُ سِرٌّ مِنْ سِرِّي اسْتَوْدَعْته قَلْبَ مَنْ أَحْبَبْت مِنْ عِبَادِي» ، وَقِيلَ التَّوَقِّي عَنْ مُلَاحَظَةِ الْخَلْقِ وَالصِّدْقُ وَالتَّنَقِّي مِنْ مُطَالَعَةِ النَّفْسِ (وَالتَّقْوَى) وَقَدْ سَبَقَ مَاهِيَّتُهَا وَتَحْقِيقُهَا وَتَفْصِيلُهَا مَتْنًا وَشَرْحًا (وَصَوْنُهُمَا عَنْ الْمُحْبِطَاتِ) مِنْ الْحَبْطِ (وَالْمُبْطِلَاتِ) كَالْعَطْفِ التَّفْسِيرِيِّ، الظَّاهِرُ أَنَّ ذَلِكَ مُخْتَصٌّ بِالْكُفْرِيَّاتِ أَقْوَالًا وَأَفْعَالًا وَإِلَّا فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا حُبُوطَ لِطَاعَةِ الْمُؤْمِنِ بِمَعْصِيَتِهِ وَلَا لِمَعْصِيَتِهِ بِطَاعَتِهِ، وَمَنْ قَالَ يَحْبَطُ الْأَقَلُّ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمَا مَعَ سُقُوطِ مِثْلِهِ فِي الْأَكْثَرِ كَأَبِي هَاشِمٍ أَوْ بِدُونِهِ كَأَبِي عَلِيٍّ فَقَدْ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ عَلَى مَا فِي أُنْمُوذَجِ الْعُلُومِ لِأُسْتَاذِ الشَّيْخِ الْوَالِدِ مُحَمَّدٍ الطَّرْطُوسِيِّ عَامَلَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى بِلُطْفِهِ الْقُدُّوسِيِّ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَا فِي شَرْحِ الْمَوَاقِفِ فَيَضْمَحِلُّ مَا يُتَوَهَّمُ هُنَا مِنْ حَبْطِ مُطْلَقِ الْمَعْصِيَةِ، وَأَمَّا زَوَالُ الْعَمَلِ بِنَحْوِ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ فَلَيْسَ مِنْ الْبَابِ وَقَدْ حُقِّقَ فِي مَحَلِّهِ (إلَى الْمَوْتِ وَحُصُولُ هَذِهِ) الْأُمُورِ (بِأَسْرِهَا مِنْ أَمْثَالِنَا مُتَعَسِّرَةٌ بَلْ مُتَعَذِّرَةٌ) لِأَنَّ النَّفْسَ مَجْبُولَةٌ عَلَى حُبِّ الْهَوَى وَأَنَّ الْمَنَاهِيَ مَطْبُوعَةٌ وَقَدْ كَانَ الشَّيْطَانُ فِي مَعِيَّتِهَا فَفِي كُلِّ عِبَادَةٍ قَلَّمَا يُمْكِنُ التَّخَلُّصُ مِنْ سُيُوفِهِمَا وَسِهَامِهِمَا، وَلَيْسَ الْمُرَادُ هُوَ الِامْتِنَاعُ الْمُطْلَقُ حَتَّى يُتَوَهَّمَ عَدَمُ لُزُومِ التَّكْلِيفِ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ مَا لَا يُطَاقُ، بَلْ الْكَلَامُ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ تَوْضِيحًا لِمَرَامٍ الْمَقَامِ (لَا سِيَّمَا) قِيلَ الْأَوْلَى وَلَا سِيَّمَا مُسْتَنِدًا إلَى مُغْنِي اللَّبِيبِ (الْإِخْلَاصُ) الْمُضَادُّ لِلرِّيَاءِ (وَالتَّقْوَى) بَعْدَمَا تَيَقَّنْتهمَا فِيمَا قَبْلُ تَعْرِفُ وَجْهَ التَّرَقِّي الْمُشَارِ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ لَا سِيَّمَا فِيهِمَا (فَلِذَا) أَيْ لِتَعَذُّرِ هَذِهِ الْأُمُورِ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} [النجم: ٣٢] لَا تَمْدَحُوهَا بِأَنَّهَا أَزْكَى مِنْ غَيْرِهَا {هُوَ} [النجم: ٣٢] أَيْ اللَّهُ {أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم: ٣٢] فِي نَفْسِ الْأَمْرِ لَا أَنْتُمْ فَتَزْكِيَتُكُمْ رُبَّمَا تَكُونُ عَلَى خِلَافِ مَنْ اتَّقَى حَالَ كَوْنِهِ (مُشِيرًا بِأَنَّ تَزْكِيَةَ النَّفْسِ إنَّمَا تَكُونُ بِالتَّقْوَى) كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: ١٣] بِنَاءً عَلَى أَنَّ تَزْكِيَةَ النَّفْسِ إنَّمَا تَكُونُ بِالتَّقْوَى وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ صُدُورَ التَّقْوَى مِنْكُمْ لِغَايَةِ خَفَائِهِ وَصُعُوبَةِ حُصُولِهِ (وَأَنَّهَا) أَيْ التَّقْوَى (لَا يَعْلَمُ كُنْهَهَا وَحَقِيقَتَهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى) فَلَا يَعْرِفُ حُصُولَهَا إلَّا مَنْ يَعْرِفُ مَاهِيَّتَهَا وَإِذَا لَمْ يَعْرِفْ الْعَبْدُ مَاهِيَّتَهَا فَلَا يَعْرِفُ حُصُولَهَا مِنْهُ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُزَكِّيَ نَفْسَهُ بِمَا لَا يَعْرِفُ حُصُولَهُ مِنْهَا لَكِنْ لَا يَخْفَى مَا فِي هَذَا الْحَصْرِ إذْ مَاهِيَّتُهَا مَعْلُومَةٌ مِنْ الشَّرْعِ كَمَا مَرَّ فَالْأَوْلَى لَا يَعْلَمُ صُدُورَهَا مِنْ الْعَبْدِ عَلَى وَجْهِ الْقَبُولِ بِأَنْ يُرَاعِيَ شَرَائِطَهَا وَأَرْكَانَهَا وَيَرْفَعَ مَوَانِعَهَا إلَّا اللَّهُ تَعَالَى لَعَلَّ مُرَادَهُ هَذَا وَإِنْ كَانَتْ عِبَارَتُهُ ذَلِكَ.

(وَالْمَعْرِفَةُ الثَّانِيَةُ) الْمُتَوَقِّفُ عَلَيْهَا الْعِلَاجُ

<<  <  ج: ص:  >  >>