للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي الرِّسَالَةِ الْقُشَيْرِيَّةِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَعْلِفُ الْبَعِيرَ وَيَقُمُّ الْبَيْتَ وَيَخْصِفُ النَّعْلَ وَيُرْقِعُ الثَّوْبَ وَيَحْلُبُ الشَّاةَ وَيَأْكُلُ مَعَ الْخَادِمِ وَيَطْحَنُ مَعَهُ إذَا عَيِيَ وَكَانَ لَا يَمْنَعُهُ الْحَيَاءُ أَنْ يَحْمِلَ بِضَاعَتَهُ مِنْ السُّوقِ إلَى أَهْلِهِ وَكَانَ يُصَافِحُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ وَيُسَلِّمُ مُبْتَدِئًا وَلَا يُحَقِّرُ مَا دُعِيَ إلَيْهِ وَلَوْ إلَى حَشَفِ التَّمْرِ، وَكَانَ هَيِّنَ الْمُؤْنَةِ لَيِّنَ الْخُلُقِ كَرِيمَ الطَّبِيعَةِ جَمِيلَ الْمُعَاشَرَةِ طَلْقَ الْوَجْهِ بَسَّامًا مِنْ غَيْرِ ضَحِكٍ مَحْزُونًا مِنْ غَيْرِ عُبُوسَةٍ مُتَوَاضِعًا مِنْ غَيْرِ مَذَلَّةٍ جَوَادًا مِنْ غَيْرِ سَرَفٍ رَقِيقَ الْقَلْبِ رَحِيمًا لِكُلِّ مُسْلِمٍ لَمْ يَتَجَشَّأْ قَطُّ مِنْ شِبَعٍ وَلَمْ يَمُدَّ يَدَهُ إلَى طَمَعٍ» .

وَقَالَ مُجَاهِدٌ لَمَّا أَغْرَقَ اللَّهُ تَعَالَى قَوْمَ نُوحٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - شَمَخَتْ الْجِبَالُ وَتَوَاضَعَ الْجُودِيُّ فَجَعَلَهُ اللَّهُ قَرَارًا لِسَفِينَةِ نُوحٍ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -، وَقَالَ الْفُضَيْلُ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَى الْجِبَالِ إنِّي مُكَلِّمٌ عَلَى وَاحِدٍ مِنْكُمْ نَبِيًّا فَتَطَاوَلَتْ الْجِبَالُ وَتَوَاضَعَ طُورُ سَيْنَاءَ فَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى عَلَيْهِ لِتَوَاضُعِهِ وَعَنْ ابْنِ شَيْبَانَ الشَّرَفُ فِي التَّوَاضُعِ وَالْعِزُّ فِي التَّقْوَى وَالْحُرِّيَّةُ فِي الْقَنَاعَةِ

وَعَنْ الثَّوْرِيِّ أَعَزُّ الْخَلْقِ خَمْسَةٌ عَالِمٌ زَاهِدٌ وَفَقِيهٌ صُوفِيٌّ وَغَنِيٌّ مُتَوَاضِعٌ وَفَقِيرٌ شَاكِرٌ وَشَرِيفٌ سُنِّيٌّ، وَقِيلَ رَكِبَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَأَخَذَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِرِكَابِهِ، فَقَالَ مَهْ يَا ابْنَ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ، فَقَالَ هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِعُلَمَائِنَا، فَقَالَ زَيْدٌ أَرِنِي يَدَك فَأَخْرَجَهَا فَقَبَّلَهَا وَقَالَ هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِأَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ عُرْوَةُ رَأَيْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَعَلَى عَاتِقِهِ قِرْبَةُ مَاءٍ، فَقُلْت يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَنْبَغِي لَك هَذَا، فَقَالَ لَمَّا أَتَانِي الْوُفُودُ سَامِعِينَ مُطِيعِينَ دَخَلَتْ نَفْسِي نَخْوَةٌ فَأَحْبَبْت أَنْ أَكْسِرَهَا وَمَضَى بِالْقِرْبَةِ إلَى حُجْرَةِ امْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَأَفْرَغَهَا فِي إنَائِهَا وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - مِنْ التَّوَاضُعِ أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ مِنْ سُؤْرِ أَخِيهِ وَبَلَغَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّ ابْنًا لَهُ اشْتَرَى خَاتَمًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ فَإِذَا أَتَاك كِتَابِي بِعْ الْخَاتَمَ وَأَشْبِعْ أَلْفَ بَطْنٍ وَاتَّخِذْ خَاتَمًا مِنْ دِرْهَمَيْنِ وَاجْعَلْ فَصَّهُ حَدِيدًا صِينِيًّا وَاكْتُبْ عَلَيْهِ رَحِمَ اللَّهُ امْرَأً عَرَفَ قَدْرَ نَفْسِهِ

وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ مَا سُرِرْت فِي إسْلَامِي إلَّا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، مَرَّةً كُنْت فِي سَفِينَةٍ وَفِيهَا رَجُلٌ مِضْحَاكٌ كَانَ يَقُولُ كُنَّا نَأْخُذُ بِشَعْرِ الْعِلْجِ فِي بِلَادِ التُّرْكِ هَكَذَا وَيَأْخُذُ شَعْرَ رَأْسِي وَيَهُزُّنِي وَأُخْرَى كُنْت عَلِيلًا فِي مَسْجِدٍ فَدَخَلَ الْمُؤَذِّنُ وَقَالَ اُخْرُجْ فَلَمْ أُطِقْ فَأَخَذَ بِرِجْلِي وَجَرَّنِي إلَى خَارِجِ الْمَسْجِدِ وَأُخْرَى كُنْت بِالشَّامِ وَعَلَيَّ فَرْوٌ فَلَمْ يُمَيَّزْ بَيْنَ شَعْرِهِ وَبَيْنَ الْقَمْلِ لِكَثْرَتِهِ فَسَرَّنِي ذَلِكَ، وَمَرَّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - بِصِبْيَانٍ مَعَهُمْ كِسَرُ خُبْزٍ فَاسْتَضَافُوهُ فَنَزَلَ وَأَكَلَ مَعَهُمْ ثُمَّ حَمَلَهُمْ إلَى مَنْزِلِهِ وَأَطْعَمَهُمْ وَكَسَاهُمْ وَقَالَ الْيَدُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا غَيْرَ مَا طَعَّمُونِي وَنَحْنُ نَجِدُ أَكْثَرَ مِنْهُ كُلُّ ذَلِكَ عُصَارَةُ مَا فِي الْقُشَيْرِيَّةِ وَعَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ وَقَدْ انْصَرَفْت مِنْ عَرَفَاتٍ لَمْ أَشُكَّ فِي الرَّحْمَةِ لَوْلَا أَنِّي كُنْت فِيهِمْ وَقِيلَ لِمُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ اُدْعُ اللَّهَ لَنَا فَبَكَى، وَقَالَ لَيْتَنِي لَمْ أَكُنْ أَنَا سَبَبُ هَلَاكِكُمْ وَمِنْ عَلَامَاتِ تَحْقِيقِ هَذَا الْخُلُقِ أَنْ لَا يَغْضَبَ إذَا عِيبَ أَوْ نُقِصَ وَلَا يَكْرَهُ أَنْ يُذَمَّ وَيُقْذَفَ بِالْكَبَائِرِ وَيُحْكَى عَنْ الْكَرْخِيِّ أُسْتَاذِ الْجُنَيْدِ أَنَّ رَجُلًا دَعَاهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ إلَى طَعَامٍ ثُمَّ يَرُدُّهُ فَيَرْجِعُ إلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ حَتَّى دَخَلَ دَارِهِ فِي الرَّابِعَةِ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ قَدْ رَضِيت عَلَى الذُّلِّ عِشْرِينَ سَنَةً حَتَّى صِرْت بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ يُطْرَدُ فَيَنْظُرُ ثُمَّ يُدْعَى فَيَعُودُ وَيُرْمَى لَهُ عَظْمٌ فَيُجِيبُ وَلَوْ رَدَدْتنِي خَمْسِينَ مَرَّةً ثُمَّ دَعَوْتنِي بَعْدَ ذَلِكَ لَأَجَبْتُك عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْحَكَمِ.

(وَقَدْ يَكُونُ سَبَبُ التَّوَاضُعِ السُّخْرِيَةَ وَالنِّفَاقَ وَالرِّيَاءَ وَالطَّمَعَ) لِمَا فِي يَدِ مَنْ تَوَاضَعَ لَهُ مِنْ الْمَالِ وَالْمَنْصِبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَالْخَوْفِ) مِمَّنْ تَوَاضَعَ لَهُ (فَيَكُونُ) أَيْ التَّوَاضُعُ (رَذِيلَةً) أَيْ ذَمِيمَةً

<<  <  ج: ص:  >  >>