للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ الْحَاسِدِ) بِقَوْلِهِ - {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} [الفلق: ٥]- أَيْ أَظْهَرَ حَسَدَهُ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ (كَمَا أُمِرْنَا بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْ شَرِّ الشَّيْطَانِ) بِنَحْوِ قَوْله تَعَالَى - {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [الأعراف: ٢٠٠]- (وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَعِينُوا عَلَى قَضَاءِ الْحَوَائِجِ» دِينِيَّةً وَدُنْيَوِيَّةً جَلْبَ نَفْعٍ أَوْ دَفْعَ ضُرٍّ «بِالْكِتْمَانِ فَإِنَّ كُلَّ ذِي نِعْمَةٍ» دِينِيَّةٍ أَوْ دُنْيَوِيَّةٍ «مَحْسُودٌ» يَعْنِي إنْ أَظْهَرْتُمْ حَوَائِجَكُمْ حَسَدُوكُمْ فَعَارَضُوا فِي مَرَامِكُمْ، وَمَوْضِعُ التَّحَدُّثِ مَا بَعْدَ وُقُوعِهَا.

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ مَنْ كَتَمَ سِرَّهُ كَانَ الْخِيَارُ لَهُ وَمَنْ أَفْشَاهُ كَانَ الْخِيَارُ عَلَيْهِ وَكَمْ مَنْ أَظْهَرَ سِرًّا أَرَاقَ دَمَ صَاحِبِهِ وَمَنَعَ مِنْ بُلُوغِ مَآرِبِهِ وَلَوْ كَتَمَهُ كَانَ مِنْ سَطْوَتِهِ آمِنًا وَمِنْ عَوَاقِبِهِ سَالِمًا وَبِنَجَاحِ حَوَائِجِهِ عَالِمًا.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ سِرُّك مِنْ دَمِك فَإِذَا تَكَلَّمَتْ أَرَقْته. وَقَالَ أَنُو شُرْوَانَ مَنْ حَصَّنَ سِرَّهُ فَلَهُ بِتَحْصِينِهِ خَصْلَتَانِ الظُّفْرُ بِحَاجَتِهِ وَالسَّلَامَةُ مِنْ السَّطَوَاتِ وَفِي مَنْشُورِ الْحِكَمِ انْفَرِدْ بِسِرِّك وَلَا تُودِعْهُ خَازِنًا فَيَزُولَ وَلَا جَاهِلًا فَيَحُولَ لَكِنْ مِنْ الْأَسْرَارِ مَا لَا يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ مُطَالَعَةِ صَدِيقٍ وَمَشُورَةِ نَاصِحٍ فَيَتَحَرَّى لَهُ مَنْ يَأْتَمِنُهُ عَلَيْهِ وَيَسْتَوْدِعُهُ إيَّاهُ فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ كَانَ أَمِينًا عَلَى الْأَمْوَالِ أَمِينًا عَلَى الْأَسْرَارِ وَالْعِفَّةِ عَنْ الْأَمْوَالِ أَيْسَرُ مِنْ الْعِفَّةِ عَنْ إذَاعَةِ الْأَسْرَارِ.

قَالَ الرَّاغِبُ إذَاعَةُ السِّرِّ مِنْ قِلَّةِ الصَّبْرِ وَضِيقِ الصَّدْرِ وَيُوصَفُ بِهِ ضَعَفَةُ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ، وَالسَّبَبُ فِي صُعُوبَةِ كِتْمَانِ السِّرِّ أَنَّ لِلْإِنْسَانِ قُوَّتَيْنِ آخِذَةً وَمُعْطِيَةً وَكِلْتَاهُمَا تَتَشَوَّقُ إلَى الْفِعْلِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ وَلَوْلَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَكَّلَ الْمُعْطِيَةَ بِإِظْهَارِ مَا عِنْدَهَا لَمَا أَتَاكَ بِالْأَخْبَارِ مَنْ لَمْ تُزَوِّدْهُ فَصَارَتْ هَذِهِ الْقُوَّةُ تَتَشَوَّقُ إلَى فِعْلِهَا الْخَاصِّ بِهَا فَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يُمْسِكَهَا وَلَا يُطْلِقَهَا إلَّا حَيْثُ يَجِبُ إطْلَاقُهَا كَذَا فِي الْفَيْضِ. وَقِيلَ اُكْتُمْ ذَهَبَك وَذَهَابَك وَمَذْهَبَك. وَقِيلَ صُدُورُ الْأَحْرَارِ قُبُورُ الْأَسْرَارِ (خَرَّجَهُ) أَيْ هَذَا الْحَدِيثَ (طط) الطَّبَرَانِيُّ فِي الْأَوْسَطِ (دُنْيَا) ابْنِ أَبِي الدُّنْيَا (عَنْ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا) قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَوْرَدَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمَوْضُوعَاتِ وَفِي سَنَدِهِ سَعِيدٌ وَهُوَ كَذَّابٌ.

(وَالسَّادِسُ التَّعَبُ وَالْهَمُّ) لِلْحَاسِدِ (مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ) إذْ لَا يُغَيِّرُ حَسَدَهُ تَقْدِيرَ اللَّهِ تَعَالَى (بَلْ مَعَ وِزْرٍ وَمَعْصِيَةٍ) إنْ ظَهَرَ أَثَرُهُ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا.

(قَالَ ابْنُ السَّمَّاكِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -) مِنْ التَّابِعِينَ (لَمْ أَرَ ظَالِمًا أَشْبَهَ بِالْمَظْلُومِ) فِي كَثْرَةِ تَعَبِهِ وَهَمِّهِ وَحُزْنِهِ (مِنْ الْحَاسِدِ نَفْسٌ ذَائِمٌ) أَيْ ذَامٌّ وَمُحَقَّرٌ أَوْ مَعِيبٌ أَيْ لَهُ نَفْسٌ ذَائِمٌ اسْتِئْنَافُ عِلَّةِ الشَّبَهِ كَذَا قِيلَ (وَعَقْلٌ هَائِمٌ) أَيْ حَيْرَانُ وَمُتَحَيِّرٌ (وَغَمٌّ لَازِمٌ) لَا يُفَارِقُهُ يَعْنِي نَفْسَهُ نَفْسٌ ذَائِمٌ وَعَقْلُهُ عَقْلٌ هَائِمٌ وَغَمُّهُ غَمٌّ لَازِمٌ.

وَفِي الْإِحْيَاءِ الْحَاسِدُ لَا يَخْلُو أَبَدًا مِنْ الْغَمِّ وَالْهَمِّ. وَعَنْ مُعَاوِيَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - يَا بُنَيَّ إيَّاكَ وَالْحَسَدَ. فَإِنَّهُ يَتَبَيَّنُ فِيك قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ فِي عَدُوِّك قَالَ أَبُو اللَّيْثِ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الشَّرِّ أَضَرَّ مِنْ الْحَسَدِ يَصِلُ إلَى الْحَاسِدِ بِهِ خَمْسُ عُقُوبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إلَى الْمَحْسُودِ مَكْرُوهٌ: الْأُولَى غَمٌّ لَا يَنْقَطِعُ.

الثَّانِيَةُ مُصِيبَةٌ لَا يُؤْجَرُ عَلَيْهَا.

الثَّالِثَةُ مَذَمَّةٌ لَا يُحْمَدُ بِهَا.

الرَّابِعَةُ يَسْخَطُ عَلَيْهِ الرَّبُّ.

الْخَامِسَةُ يُغْلَقُ عَلَيْهِ بَابُ التَّوْفِيقِ.

وَعَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّ لِنِعَمِ اللَّهِ أَعْدَاءً قِيلَ وَمَنْ أُولَئِكَ قَالَ الَّذِينَ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ» وَعَنْ زَكَرِيَّا - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَاسِدُ عَدُوٌّ لِنِعْمَتِي سَاخِطٌ لِقَضَائِي غَيْرُ رَاضٍ بِقِسْمَتِي بَيْنَ عِبَادِي.

قَالَ فِي الْقُشَيْرِيَّةِ أَثَرُ الْحَسَدِ يَتَبَيَّنُ فِيك قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ فِي عَدُوِّك. وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْحَاسِدُ عَدُوُّ نِعْمَتِي

<<  <  ج: ص:  >  >>