للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فِي مَرَضِهِ فَصُولِحَتْ امْرَأَتُهُ مِنْ رُبْعِ ثُمُنِهَا عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَلَى ثَمَانِينَ أَلْفِ دِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ الْأَصَحُّ فَضْلَ الْفَقْرِ عَلَى الْغِنَى (وَ) لَا (لِقِوَامِ الْبَدَنِ) لِبَقَاءِ الْبِنْيَةِ، وَأَدَاءِ الْعِبَادَاتِ كَمَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «نَفْسُك مَطِيَّتُك فَارْفُقْ بِهَا» (وَإِقَامَةِ الْوَاجِبِ) مِنْ دَيْنٍ وَكَذَا النَّفَقَةُ فَحُبُّ الْمَالِ لِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ سَبَبًا لَيْسَ لِلْبُخْلِ (وَهُوَ) أَيْ حُبُّ الْمَالِ لَا لِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ. .

[الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ حُبُّ الْمَالِ لِلْحَرَامِ]

(الثَّامِنُ وَالْعِشْرُونَ، وَهُوَ) حُبُّ الْمَالِ (لِلْحَرَامِ) أَيْ لِلتَّوَسُّلِ إلَى مَا يَحْرُمُ (حَرَامٌ؛ وَلِلْحَلَالِ لَا) لَيْسَ بِحَرَامٍ (وَلَكِنَّهُ مَذْمُومٌ) مَكْرُوهٌ فِيهِ خَفَاءٌ وَتَفْصِيلٌ فَافْهَمْ (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ} [التغابن: ١٥] مِحْنَةٌ وَبَلَاءٌ لَكُمْ فَالْعَاقِلُ لَا يَلْتَفِتُ بَلْ يُعْرِضُ عَنْ مِثْلِهِ رَاغِبًا إلَى مَا عِنْدَهُ تَعَالَى كَمَا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ {وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [التغابن: ١٥] لِمَنْ صَبَرَ عَلَى الْفَقْرِ وَالْمِحَنِ أَوْ لِمَنْ آثَرَ مَحَبَّةَ اللَّهِ وَطَاعَتَهُ عَلَى مَحَبَّةِ الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَالسَّعْيِ لَهُمْ - {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ} [النحل: ٩٦]- لَا يَخْفَى أَنَّ دَلَالَتَهَا عَلَى الْمَطْلُوبِ إنَّمَا يَتِمُّ إنْ عَلِمَ إرَادَةَ عُمُومِ الْأَمْوَالِ، وَعُمُومِ الْأَمْلَاكِ، وَعُمُومِ الْأَحْوَالِ، وَهُوَ حَفِيٌّ بِمُلَاحَظَةِ النُّصُوصِ الْوَارِدَةِ فِي مَدْحِ الْأَمْوَالِ.

(طب عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ الشَّيْطَانُ لَنْ يَسْلَمَ مِنِّي صَاحِبُ الْمَالِ مِنْ إحْدَى ثَلَاثِ» حِيَلٍ «أَغْدُو» صَبَاحًا «عَلَيْهِ بِهِنَّ، وَأَرُوحُ» مَسَاءً أَيْ أَسْعَى لِوَسْوَسَتِهِ، وَإِضْلَالِهِ وَقْتَ الْغَدَاةِ وَالرَّوَاحِ بِهَذِهِ الْحِيَلِ كِنَايَةً عَنْ اسْتِمْرَارِ الْوَسْوَسَةِ إحْدَاهَا «أَخْذُهُ» أَيْ الْمَالِ «مِنْ غَيْرِ حِلِّهِ، وَإِنْفَاقُهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ» مِنْ الْمَعَاصِي وَالْفِسْقِ وَمِنْهُ الْإِهْدَاءُ وَالْإِطْعَامُ إلَى الظَّلَمَةِ وَالْوُلَاةِ وَالْحُكَّامِ لِلتَّوَسُّلِ إلَى جَاهِ الدُّنْيَا «وَأُحَبِّبُهُ إلَيْهِ» الْفَاعِلُ الْمُتَكَلِّمُ، وَهُوَ الشَّيْطَانُ اُخْتِيرَتْ الِاسْتِقْبَالِيَّة لِلدَّلَالَةِ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ التَّجَدُّدِيِّ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ أَهَمُّ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ «فَيَمْنَعُهُ» أَيْ حُبُّهُ «مِنْ حَقِّهِ» الْوَاجِبِ عَلَيْهِ كَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَالْأُضْحِيَّةِ وَالنَّفَقَةِ اللَّازِمَةِ عَلَيْهِ وَالنُّذُورِ وَالْكَفَّارَاتِ، وَأَدَاءِ الدُّيُونِ، وَأَدَاءِ الْجِنَايَاتِ وَالضَّمَانَاتِ وَالْأَعْشَارِ وَخَرَاجِ الْأَرْضِ. (ت عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لُعِنَ عَبْدُ الدِّينَارِ لُعِنَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ» أَيْ طُرِدَ وَأُبْعِدَ الْحَرِيصُ عَلَى جَمْعِ الدِّينَارِ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ «إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وَإِنْ مُنِعَ سَخِطَ» قَالَ الطِّيبِيُّ الْحُرِّيَّةُ ضَرْبَانِ مَنْ لَمْ يَجْرِ عَلَيْهِ حُكْمُ السَّبْيِ وَمَنْ أَخَذَتْ الدُّنْيَا الذَّمِيمَةُ بِمَجَامِعِ قَلْبِهِ وَتَمَلَّكَتْهُ فَصَارَ عَبْدًا، وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا، وَهُوَ أَقْوَى الرِّقَّيْنِ قَالَ وَرِقُّ ذَوِي الْأَطْمَاعِ رِقٌّ مُقَلَّدٌ، وَقِيلَ عَبْدُ الشَّهْوَةِ أَوْلَى مِنْ عَبْدِ الرِّقِّ فَمَنْ أَلْهَاهُ الدِّرْهَمُ وَالدِّينَارُ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ فَهُوَ مِنْ الْخَاسِرِينَ، وَإِذَا أُلْهِيَ الْقَلْبُ عَنْ الذِّكْرِ سَكَنَهُ الشَّيْطَانُ وَصَرَفَهُ حَيْثُ أَرَادَ وَمِنْ فِقْهِ الشَّيْطَانِ فِي الشَّرِّ أَنَّهُ يُرْضِيهِ بِبَعْضِ أَعْمَالِ الْخَيْرِ لِيُرِيَهُ أَنَّهُ يَفْعَلُ فِيهَا الْخَيْرَ، وَقَدْ تَعَبَّدَ لَهَا قَلْبُهُ فَأَيْنَ يَقَعُ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ الْبِرِّ مَعَ تَعَبُّدِهِ لَهَا لَا يَخْفَى أَنَّ دَلَالَةَ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كَوْنِ حُبِّ الْمَالِ سَبَبًا لِلْبُخْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>