للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا» ؛ لِأَنَّك الْمَخْصُوصُ بِالنِّعْمَةِ الْمُنْعَمِ عَلَيْك بِهَا وَكَوْنُهُ صَدَقَةً؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْوُجُوبِ إنْ مِنْ حَلَالٍ «فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِك» فَهُوَ زَوْجُك قَدَّمَ الزَّوْجَةَ؛ لِأَنَّ نَفَقَتَهَا مُعَاوَضَةٌ وَمَا بَعْدَهَا مُوَاسَاةٌ «فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِك» شَيْءٌ «فَلِذِي قَرَابَتِك» ؛ لِأَنَّهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ مِنْك فَصِلَةُ أَرْحَامٍ «فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِك شَيْءٌ فَهَكَذَا، وَهَكَذَا» أَيْ بَيْنَ يَدَيْك، وَعَنْ يَمِينِك وَشِمَالِك كَنَّى بِهِ عَنْ تَكْثِيرِ الصَّدَقَةِ وَتَنْوِيعِ جِهَاتِهَا قَالَ الْمُحَقِّقُ أَبُو زُرْعَةَ: مَحَلُّ تَقْدِيمِ النَّفْسِ فِيمَنْ لَا يَصْبِرُ، وَإِلَّا فَالْإِيثَارُ مَحْبُوبٌ وَمَحْمُودٌ جَاءَ بِمَدْحِهِ الْقُرْآنُ.

وَفِيهِ أَنَّ الْحُقُوقَ وَالْفَضَائِلَ إذَا تَزَاحَمَتْ قُدِّمَ الْآكَدُ، وَأَنَّ الْأَفْضَلَ فِي صَدَقَةِ النَّفْلِ تَنْوِيعُهَا فِي وُجُوهِ الْبِرِّ بِالْمَصْلَحَةِ، وَلَا يَحْصُرُهَا فِي النَّفَقَةِ وَمِثْلُهُ التَّصَدُّقُ بِثَمَنِ الْعَبْدِ إلَى الْفُقَرَاءِ الْمُتَكَثِّرَةِ أَفْضَلُ مِنْ إعْتَاقِ عَيْنِ الْعَبْدِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَالْعَمَلُ بِالْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّهَا قَائِمَةٌ مَقَامَ النُّطْقِ إذَا فُهِمَ الْمُرَادُ بِهَا إلَّا أَنَّ الشَّافِعِيَّةَ لَمْ يَكْتَفُوا بِإِشَارَةِ النَّاطِقِ إلَّا فِي الْأُمُورِ الْخَفِيَّةِ كَذَا فِي الْفَيْضِ ثُمَّ إنَّهُ لَوْ أَنْفَقَ عَلَى الْفُقَرَاءِ مَعَ احْتِيَاجِهِ بِدُونِ الصَّبْرِ مِنْهُ أَوْ مِنْ أَهْلِهِ أَوْ قَرَابَتِهِ يَكُونُ مُسْرِفًا كَمَا نُقِلَ عَنْ الْحَاشِيَةِ.

(وَقَالَ خ وَمَنْ تَصَدَّقَ، وَ) الْحَالُ (هُوَ مُحْتَاجٌ أَوْ أَهْلُهُ مُحْتَاجٌ أَوْ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالدَّيْنُ أَحَقُّ) ، وَأَوْلَى أَوْ أَوْجَبُ (أَنْ يُقْضَى مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ، وَهُوَ) أَيْ الصَّدَقَةُ (رَدٌّ عَلَيْهِ) مَرْدُودٌ عَلَيْهِ، وَقِيلَ أَيْ غَيْرُ نَافِذٍ تَصَرُّفُهُ؛ لِأَنَّهُ سَفِيهٌ مُسْرِفٌ وَتَصَرُّفُهُ مَرْدُودٌ مُطْلَقًا عِنْدَ الْبَعْضِ مِنْهُمْ الْبُخَارِيُّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ نَافِذٌ قَبْلَ حَجْرِ الْقَاضِي مَرْدُودٌ بَعْدَهُ وَالْحَجْرُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ نَافِذٌ إلَّا أَنْ يَحْجُرَ الْقَاضِي عَلَى قَوْلِهِمَا، وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي حَجْرُهُ عِنْدَهُ كَذَا قِيلَ (وَقَالَ) أَيْ الْبُخَارِيُّ (فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَيِّعَ أَمْوَالَ النَّاسِ) أَيْ الْأَهْلِ وَصَاحِبِ الدَّيْنِ (بِعِلَّةِ الصَّدَقَةِ) بَلْ يَجِبُ تَرْكُ الصَّدَقَةِ لِيُوصِلَ حَقَّ كُلِّ ذِي حَقٍّ إلَيْهِ فَاسْتِخْرَاجُ الْبُخَارِيِّ الْحُكْمَ مِنْ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي كَوْنَهُ مُجْتَهِدًا كَمَا قِيلَ، وَقِيلَ لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ فَيَكُونُ الِاسْتِخْرَاجُ لَا بِطَرِيقِ الِاجْتِهَادِ بَلْ مِنْ قَبِيلِ مَا يَعْرِفُهُ الْعَالِمُ الْعَامِّيُّ مِنْ النَّصِّ لِوُضُوحِ دَلَالَتِهِ فَحِينَئِذٍ لَا حُسْنَ فِي تَخْصِيصِ التَّفْرِيعِ إلَى الْبُخَارِيِّ فَتَأَمَّلْ.

(وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَمَ) ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ مُجْتَهِدِي الْمَشَايِخِ آثَرَ كَوْنَ الْعَمَلِ أَفْضَلَ مِنْ الْعِلْمِ فَتَقَاعَدَ عَنْ التَّصْنِيفِ وَالتَّدْرِيسِ فَتَفَرَّغَ لِلزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ (أَنَّهُ قَالَ لَا يَنْبَغِي لِرَجُلٍ إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ أَنْ يَصْطَبِغَ) خُبْزَهُ (بِالزَّيْتِ أَوْ بِالْخَلِّ مَا لَمْ يَقْضِ دَيْنَهُ) ؛ لِأَنَّ هَذَا تَرَفُّهٌ، وَقَضَاءُ الْحَقِّ الْوَاجِبِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ هَذَا إمَّا مَذْهَبٌ مُخْتَصٌّ بِهَذَا الْوَلِيِّ أَوْ أَنَّ مَالَهُ لَا يَفِي دَيْنَهُ لِتَسَاوِي الدَّيْنِ أَوْ لِغَلَبَتِهِ عَلَى الْمَالِ (وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ) الْعَسْقَلَانِيُّ (قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ) الْمَالِكِيُّ أَحَدُ شُرَّاحِ الْبُخَارِيِّ (أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمِدْيَانَ) أَيْ مَنْ كَثُرَ دَيْنُهُ (لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِهِ وَيَتْرُكَ قَضَاءَ الدَّيْنِ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>