للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي أَكْثَرِ النُّسَخِ هَلْ تَنْظُرُونَ إلَى أَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَهِيَ الْمَانِعَةُ مِنْ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَلَا تُسَوِّفُوا وَبَادِرُوا بِهَا قَبْلَ وُقُوعِ أَحَدِ هَذِهِ الْأُمُورِ يَعْنِي لَا يَجِيءُ عَلَيْكُمْ شَيْءٌ إلَّا أَحَدُ هَذِهِ الْأُمُورِ، وَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْ الْعِبَادَةِ فَلَا يَجُوزُ التَّسْوِيفُ «إلَّا غِنًى مُطْغِيًا» يَكُونُ سَبَبًا لِلطُّغْيَانِ إمَّا لِعَدَمِ إعْطَاءِ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ فَرْضًا أَوْ وَاجِبًا بَلْ نَدْبًا وَاسْتِحْبَابًا لِأَنَّ الطُّغْيَانَ كُلِّيٌّ مُشَكِّكٌ يَتَفَاوَتُ بِالْقُوَّةِ وَالضَّعْفِ، وَقَدْ قِيلَ حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ أَوْ لِعَدَمِ جَهْدِ الطَّاعَاتِ وَدَوَامِهَا لَا سِيَّمَا حُضُورُ الْقَلْبِ وَالْخَشْيَةُ فِيهَا لِشَغْلِ الْجَوَارِحِ وَالْقَلْبِ بِالْأَمْوَالِ «أَوْ فَقْرًا مُنْسِيًا» ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّ الْفَقِيرَ يَنْسَى طُرُقَ الْعِبَادَاتِ لِمُضَايَقَةِ الْمَعَاشِ «أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا» ؛ لِأَنَّهُ يُضْعِفُ وَيُفْسِدُ الْقُوَى الَّتِي هِيَ مَنْبَتُ الطَّاعَاتِ وَمَعْدِنُ الْحَسَنَاتِ بَلْ فَاعِلُ الْخَيْرَاتِ «أَوْ هَرَمًا» ضَعْفًا مِنْ الْكِبَرِ كَالشَّيْخِ الْفَانِي وَمَنْ بَلَغَ أَرْذَلَ الْعُمُرِ وَمَنْ قَالَ هُوَ دَاءٌ طَبِيعِيٌّ لَا دَوَاءَ لَهُ أَبَدًا فَقَدْ بَعُدَ عَنْ مَرَامِ الْمَقَامِ مَعَ عَدَمِ ظُهُورِ صِحَّتِهِ فِي نَفْسِهِ «مُفَنِّدًا» مِنْ الْفَنَدِ، وَهُوَ ضَعْفُ الرَّأْيِ مِنْ هَرَمٍ كَالْعَتَهِ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الطَّاعَةِ أَوْ لَا يُحْسِنُ «أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا» يُوجِبُ التَّجْهِيزَ كَالْكَفَنِ وَسَائِرِ دَوَاعِي الدَّفْنِ يُقَالُ جَهَزَ عَلَيْهِ إذَا أَعْجَلَ قَتْلَهُ «أَوْ الدَّجَّالَ» الْمَعْهُودَ الْمَعْرُوفَ بِكَوْنِهِ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ، وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يُرَادَ مُطْلَقُ الْفِتَنِ وَالْمَصَائِبِ الْمَانِعَةِ عَنْ الطَّاعَاتِ كَمَا قِيلَ إنَّ الْعَجَلَةَ فِي الصَّلَاةِ، وَعَدَمَ التَّعْدِيلِ إنَّمَا ظَهَرَ وَأُبْدِعَ عِنْدَ فِتَنِ هُلَاكُو أَوْ تَيْمُورْ كُورْ كَانُوا يُعَجِّلُونَ الصَّلَاةَ خَوْفًا مِنْ إدْرَاكِهِمْ وَاطِّلَاعِهِمْ ثُمَّ صَارَ سُنَّةً سَيِّئَةً لِمَنْ بَعْدَهُمْ وَسَرَى عَلَى مَنْ رَآهُمْ، وَغَيَّرَ الْأُسْلُوبَ إمَّا اعْتِمَادًا عَلَى تَعْرِيفِهِ الْمُؤْذِنِ بِكَيْفِيَّةِ مَانِعِيَّتِهِ لِلطَّاعَةِ أَوْ لِقَوْلِهِ «وَالدَّجَّالُ شَرٌّ غَائِبٌ يُنْتَظَرُ» لَعَلَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ قِيلَ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَظِرُ إلَى خُرُوجِهِ الْيَهُودُ كَمَا يَنْتَظِرُ النَّصَارَى إلَى نُزُولِ عِيسَى لَعَلَّ أَنَّ الْكُلَّ يَنْتَظِرُ لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ سَيَخْرُجُ «أَوْ السَّاعَةَ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى» أَشَدُّ دَاهِيَةً هِيَ بَلِيَّةٌ عَظِيمَةٌ لَا يُرْجَى زَوَالُهَا «، وَأَمَرُّ» أَيْ أَشَدُّ مَرَارَةً مِمَّا فِي الدُّنْيَا وَأَصْعَبُ.

وَأَشْكَلُ بِقَوْلِ النُّحَاةِ إنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يُصَاغُ مِنْ الْأَلْوَانِ وَالْعُيُوبِ وَدُفِعَ بِأَنَّ ذَلِكَ فِيمَا عَدَا الْوَارِدَ وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِي حَدِيثِ الْحَوْضِ «مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ» أَقُولُ فِي كَوْنِ ذَلِكَ مِمَّا ذُكِرَ نَظَرٌ لَا يَخْفَى ثُمَّ أَقُولُ حَاصِلُ الْحَدِيثِ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ التَّسْوِيفَ لَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَالُ الْمُكَلَّفِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَيْسَ بِخَالٍ عَنْ مَوَانِعِ الْعِبَادَةِ فَالتَّسْوِيفُ لَيْسَ يَنْبَغِي لَهُ؛ لِأَنَّ حَالَ الْمُكَلَّفِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ إمَّا غِنًى أَوْ فَقْرٌ أَوْ مَرَضٌ أَوْ هَرَمٌ أَوْ مَوْتٌ أَوْ مُقَارَنَةُ الدَّجَّالِ أَوْ السَّاعَةِ وَالْغِنَى مُطْغٍ وَالْفَقْرُ مُنْسٍ إلَخْ وَالْكُلُّ مُنَافٍ لِلْعِبَادَةِ وَمَا يُنَافِي الْعِبَادَةَ فَلَيْسَ يَنْبَغِي لِلْمُكَلَّفِ فَالتَّسْوِيفُ لَا يَنْبَغِي لَهُ.

(دُنْيَا) ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا (حك) الْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ (عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِرَجُلٍ، وَهُوَ يَعِظُهُ اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ حَيَاتَك قَبْلَ مَوْتِك» أَيْ: اغْتَنِمْ مَا تَلْقَى نَفْعَهُ بَعْدَ مَوْتِك فَإِنَّ مَنْ مَاتَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ، وَفَاتَهُ أَمَلُهُ وَحَقَّ نَدَمُهُ وَتَوَالَى هَمُّهُ «وَصِحَّتَك قَبْلَ سَقَمِك» فَإِنَّ الْمَرَضَ يَمْنَعُ الْعِبَادَةَ فَتَقْدُمَ الْمَعَادَ بِغَيْرِ زَادٍ «، وَفَرَاغَك» فِي هَذِهِ الدَّارِ «قَبْلَ شُغْلِك» بِأَهْوَالِ الْقِيَامَةِ الَّتِي أَوَّلُ مَنَازِلِهَا الْقَبْرُ فَاغْتَنِمْ فُرْصَةَ الْإِمْكَانِ لَعَلَّك تَسْلَمُ مِنْ الْعَذَابِ وَالْهَوَانِ «وَشَبَابَك قَبْلَ هَرَمِك» اغْتَنِمْ الطَّاعَةَ حَالَ قُدْرَتِك قَبْلَ هُجُومِ الْكِبَرِ فَتَنْدَمَ عَلَى مَا فَرَّطْت فِي جَنْبِ اللَّهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>