للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْجُلُوسُ عَلَى بِسَاطِهِمْ إنْ كَانَ غَالِبُ أَمْوَالِهِمْ حَرَامًا فَلَيْسَ بِجَائِزٍ، وَأَمَّا السُّكُوتُ فَإِنْ رَأَى مِنْ فُرُشِهِمْ، وَأَوَانِيهِمْ وَمَلْبُوسَاتِهِمْ الْحَرَامَ أَوْ سَمِعَ الْفُحْشَ وَالْكَذِبَ فَالسُّكُوتُ فِي كُلِّهِ حَرَامٌ إلَّا أَنْ يَكْرَهَ، وَأَمَّا الْقَوْلُ فَإِنْ دَعَا لَهُ أَوْ أَثْنَى عَلَيْهِ أَوْ صَدَّقَهُ فِي بَاطِلِهِ بِتَصْرِيحٍ أَوْ بِتَحْرِيكِ رَأْسٍ أَوْ بِاسْتِبْشَارٍ أَوْ بِإِظْهَارِ حُبٍّ وَاشْتِيَاقٍ وَحِرْصٍ عَلَى طُولِ عُمُرِهِ فَكُلُّهُ حَرَامٌ وَرَدَتْ فِيهِ الْأَخْبَارُ فَلَا يَجُوزُ الدُّخُولُ عَلَيْهِمْ إلَّا لِدَفْعِ الظُّلْمِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْكَذِبِ وَالثَّنَاءِ، وَلَا يَدَعُ النَّصِيحَةَ إنْ تَوَقَّعَ قَبُولَهَا.

وَالثَّانِيَةُ: دُخُولُ السُّلْطَانِ الظَّالِمِ عَلَيْك زَائِرًا فَإِنْ فِي جَمْعٍ يَقُومُ عِنْدَ دُخُولِهِ رِعَايَةً لِحِشْمَتِهِ، وَإِنْ فِي خَلْوَةٍ جَازَ الْقِيَامُ لَكِنْ الْأَوْلَى عَدَمُهُ إظْهَارًا لِعِزِّ الدِّينِ وَرَغْمًا لِلظُّلْمِ وَيُظْهِرُ غَضَبَهُ لِلدِّينِ عَلَى حَسَبِ حَالِهِ مَعَ السُّلْطَانِ ثُمَّ يُخَوِّفُهُ مِمَّا ارْتَكَبَهُ لَكِنْ بِاللِّينِ وَالرِّفْقِ بَلْ بِالْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ وَالنُّصْحِ بِالْمَصْلَحَةِ وَالْإِرْشَادِ عَمَّا غَفَلَ مِنْ تَدْبِيرِ الْمَمَالِكِ وَنِظَامِ الرَّعَايَا.

وَالثَّالِثَةُ: الِاعْتِزَالُ عَنْهُمْ بِحَيْثُ لَا يَرَاهُمْ، وَلَا يَرَوْنَهُ، وَهُوَ الْأَسْلَمُ فَلَا يَسْتَخْبِرُ عَنْهُمْ، وَلَا يُصَاحِبُ مُصَاحِبَهُمْ، وَأَمَّا حَالُ دُخُولِ السَّلَفِ عَلَيْهِمْ فَكَالْمُحَالِ فِي حَقِّنَا؛ لِأَنَّهُمْ يُعَاتِبُونَ وَيَعِظُونَ، وَلَا يَخَافُونَ فِي الْحَقِّ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَأَمَّا نَحْنُ فَنَجْتَهِدُ فِي التَّقَرُّبِ إلَيْهِمْ بِالدَّلَالَةِ عَلَى الرُّخَصِ فِيمَا يُوَافِقُ أَغْرَاضَهُمْ، وَلَنَا فِي ذَلِكَ غُرُورُ أَنَّ إظْهَارَ إصْلَاحِهِمْ، وَإِرَادَةَ الشُّهْرَةِ وَالتَّقَرُّبِ إلَيْهِمْ، وَإِظْهَارَ الشَّفَاعَةِ فِي دَفْعِ ظِلَامَةٍ لِمُسْلِمٍ، وَإِرَادَةَ نَحْوِ الْأُلْفَةِ مَعَهُمْ كُلُّ ذَلِكَ تَلْخِيصُ مِفْتَاحِ السَّعَادَةِ.

(ت عَنْ بُرَيْدَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لَا تَقُولُوا لِلْمُنَافِقِ سَيِّدٌ» مِنْ سَادَ يَسُودُ سِيَادَةً وَالِاسْمُ السُّؤْدَدُ، وَهُوَ الْمَجْدُ وَالشَّرَفُ فَهُوَ سَيِّدٌ وَالْأُنْثَى سَيِّدَةٌ كَمَا نُقِلَ عَنْ الْمِصْبَاحِ يَعْنِي لَا تَصِفُوا الْمُنَافِقَ بِالسِّيَادَةِ «فَإِنَّهُ إنْ يَكُ» أَيْ إنْ يَكُنْ «سَيِّدًا» بِزَعْمِكُمْ بِجَاهِهِ وَنَسَبِهِ وَمَالِهِ «فَقَدْ أَسْخَطْتُمْ اللَّهَ» بِتَعْظِيمِ مَنْ أَهَانَهُ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج: ١٨] قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ تَبْجِيلُ الْكَافِرِ كُفْرٌ فَلَوْ سَلَّمَ عَلَى الذِّمِّيِّ تَبْجِيلًا كَفَرَ، وَلَوْ قَالَ لِمَجُوسِيٍّ يَا أُسْتَاذُ تَبْجِيلًا كَفَرَ (وَضِدُّهُ) أَيْ ضِدُّ حُبِّ الْفَسَقَةِ (الْبُغْضُ فِي اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ لِأَجْلِ دِينِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي قَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «عُذِّبَتْ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ» (لِكُلِّ عَاصٍ) قِيلَ، وَلَوْ بِصَغِيرَةٍ أَوْ بِمَكْرُوهٍ (لِعِصْيَانِهِ) لَا لِغَرَضٍ دُنْيَوِيٍّ.

وَعَنْ الْحَسَنِ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَى مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ هَلْ عَمِلْت لِي عَمَلًا قَطُّ قَالَ إلَهِي صَلَّيْت لَك وَصُمْت لَك وَتَصَدَّقْت لَك وَذَكَرْت لَك فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ الصَّلَاةَ لَك بُرْهَانٌ وَالصَّوْمَ لَك جُنَّةٌ وَالصَّدَقَةَ لَك ظِلٌّ وَالذِّكْرَ لَك نُورٌ فَأَيُّ عَمَلٍ عَمِلْت لِي فَقَالَ مُوسَى إلَهِي دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ هُوَ لَك فَقَالَ يَا مُوسَى هَلْ وَالَيْت لِي وَلِيًّا قَطُّ، وَهَلْ عَادَيْت لِي عَدُوًّا قَطُّ فَعَلِمَ مُوسَى أَنَّ أَحَبَّ الْأَعْمَالِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ قَالَ الْمُحَشِّي هَذَا إذَا كَانَ مُتَيَقَّنًا أَوْ مَظْنُونًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ عِصْيَانُهُ مَوْهُومًا أَوْ مَشْكُوكًا فَلَا يَجُوزُ الْبُغْضُ لَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ سُوءِ الظَّنِّ بِهِمْ بَلْ يَحْمِلُهُمْ عَلَى الصَّلَاحِ لَا عَلَى الْفَسَادِ (لَا سِيَّمَا الْمُبْتَدِعِينَ) اعْتِقَادًا، وَعَمَلًا (وَالظَّلَمَةَ لِكَوْنِ مَعْصِيَتِهِمْ) أَيْ مَعْصِيَةِ الْمُبْتَدِعَةِ وَالظَّلَمَةِ فَافْهَمْ (مُتَعَدِّيَةً) دِينًا وَدُنْيَا (فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ الْبُغْضِ لَهُمْ) لِيَرْتَدِعُوا مِنْ ذَلِكَ؛ وَلِئَلَّا يَشْتَرِكَ فِي وِزْرِهِ كَمَا رُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «مَا مِنْ قَوْمٍ يَكُونُ فِيهِمْ رَجُلٌ يَعْمَلُ الْمَعَاصِيَ وَيَقْدِرُونَ أَنْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ فَلَا يُغَيِّرُونَ إلَّا عَمَّهُمْ اللَّهُ بِالْعَذَابِ قَبْلَ أَنْ يَمُوتُوا» .

وَفِي تَنْبِيهِ الْغَافِلِينَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إنَّ اللَّهَ لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ، وَلَكِنْ إذَا ظَهَرَتْ الْمَعَاصِي فَلَمْ يُنْكِرُوهَا فَقَدْ اسْتَحَلَّ الْقَوْمُ جَمِيعًا الْعُقُوبَةَ وَذَكَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إلَى يُوشَعَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إنِّي مُهْلِكٌ مِنْ قَوْمِك أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ خِيَارِهِمْ وَسِتِّينَ أَلْفًا مِنْ شِرَارِهِمْ فَقَالَ يَا رَبِّ هَؤُلَاءِ الْأَشْرَارُ فَمَا بَالُ الْأَخْيَارِ فَقَالَ إنَّهُمْ لَمْ يَغْضَبُوا لِغَضَبِي وَآكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ كَذَا أَيْضًا فِي النِّصَابِ وَنَقَلَ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّهُ رَأَى ابْنَ الْمُبَارَكِ فِي الْمَنَامِ فَقِيلَ لَهُ مَا فَعَلَ رَبُّك بِك فَقَالَ عَاتَبَنِي، وَأَوْقَفَنِي رَبِّي ثَلَاثِينَ سَنَةً بِسَبَبِ أَنِّي نَظَرْت بِاللُّطْفِ يَوْمًا إلَى مُبْتَدِعٍ فَقَالَ إنَّك لَمْ تُعَادِ عَدُوِّي فِي الدِّينِ فَكَيْفَ حَالُ الْقَاعِدِ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ

<<  <  ج: ص:  >  >>