للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِكَوْنِهِ دَلِيلَ الرِّضَا سِيَّمَا عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الصَّمْتُ خَيْرٌ إلَّا فِي الْخَيْرِ وَيُقَالُ قُلْ الْحَقَّ وَإِلَّا فَاسْكُتْ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أَنَّهُ قَالَ قِيلَ أَوْ قُلْت «يَا رَسُولَ اللَّهِ تُخْسَفُ الْأَرْضُ وَفِيهَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ بِإِدْهَانِهِمْ وَسُكُوتِهِمْ عَنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي» وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «أَنَّ نَاسًا مِنْ أُمَّتِي يُحْشَرُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ عَلَى صُورَةِ الْقِرَدَةِ وَالْخَنَازِيرِ بِمَا دَاهَنُوا وَآكَلُوهُمْ وَشَارَبُوهُمْ وَجَالَسُوهُمْ» وَعَنْ حُسْنِ التَّنْبِيهِ لِلنَّجْمِ الْغَزِّيِّ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - «مَا آتَى اللَّهُ تَعَالَى عَالِمًا عِلْمًا إلَّا أَخَذَ عَلَيْهِ مِنْ الْمِيثَاقِ مَا أَخَذَ مِنْ النَّبِيِّينَ مَنْ عَلِمَ عِلْمًا فَكَتَمَهُ أُلْجِمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ»

وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} [البقرة: ١٥٩] وَلِهَذَا كَانَ الثَّوْرِيُّ إذَا رَأَى الْمُنْكَرَ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغَيِّرَهُ بَالَ دَمًا وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُ الْعَامَّةَ بِعَمَلِ الْخَاصَّةِ وَلَكِنْ إذَا ظَهَرَتْ الْمَعَاصِي فَلَمْ يُنْكِرُوا فَقَدْ اسْتَحَقَّ الْقَوْمُ جَمِيعًا الْعُقُوبَةَ وَقَدْ تَقَدَّمَ وَحْيُهُ تَعَالَى إلَى يُوشَعَ بْنِ نُونٍ مِنْ إهْلَاكِ قَوْمِهِ خِيَارُهُمْ كَذَا وَشِرَارُهُمْ كَذَا وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى - {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} [الأنفال: ٢٥] (وَضِدُّهُ الصَّلَابَةُ فِي أَمْرِ الدِّينِ قَالَ تَعَالَى {يُجَاهِدُونَ} [المائدة: ٥٤] أَيْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المائدة: ٥٤] ابْتِغَاءَ رِضَا اللَّهِ {وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ} [المائدة: ٥٤] عَلَى ذَلِكَ مِنْ النَّاسِ «وَقَالَ) - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِأَبِي ذَرٍّ (قُلْ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا» عَلَى الْمَأْمُورِ وَعَلَى الْآمِرِ لِلْأَوْهَامِ الْهَائِلَةِ مِنْ قَوْلِهِ

رأضيم در بَاطِن ارحكم بركرجة ... رويم ترتش شدكه الْحَقّ مَرَّ

وَفِي النِّصَابِ أَنَّ زَاهِدًا كَسَرَ مَلَاهِيَ مَرْوَانَ الْخَلِيفَةِ فَأَمَرَ بِأَنْ يُلْقَى بَيْنَ يَدَيْ الْأُسُودِ فَافْتَتَحَ الصَّلَاةَ فَاجْتَمَعَتْ الْأُسُودُ وَقَدْ لَحِسَتْهُ بِأَلْسِنَتِهَا وَهُوَ يُصَلِّي وَلَا يُبَالِي فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ اُنْظُرُوا فَنَظَرُوا فَإِذَا الْأُسُودُ قَدْ اسْتَأْنَسُوا بِهِ فَحَمَلُوهُ إلَى الْخَلِيفَةِ قَالَ أَمَا كُنْت تَخَافُ مِنْهُمْ قَالَ الزَّاهِدُ لَا كُنْت مَشْغُولًا مُتَفَكِّرًا طُولَ اللَّيْلِ لَمْ أَتَفَرَّغْ إلَى خَوْفِهِمْ فَقَالَ فِيمَ تَتَفَكَّرُ قَالَ هَذِهِ الْأُسُودُ لَحِسُونِي أَلُعَابُهُمْ طَاهِرٌ أَمْ نَجِسٌ؟ فَهَذَا التَّفَكُّرُ مَنَعَنِي مِنْ الْخَوْفِ فَتَعَجَّبَ وَخَلَّى سَبِيلَهُ انْتَهَى مُلَخَّصًا.

(فَإِنْ كَانَ سُكُوتُهُ) عَنْ أَمْرٍ بِالْبِرِّ وَالنَّهْيِ عَنْ الْوِزْرِ (لِدَفْعِ ضَرَرٍ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَنْ غَيْرِهِ فَهُوَ) أَيْ السُّكُوتُ (مُدَارَةً جَائِزَةٌ) مَعْنَى الْمُدَارَاةِ أَنْ يَبْتَسِمَ وَيَضْحَكَ وَإِنْ كَانَ قَلْبُهُ يُنْكِرُ كَمَا فِي حَدِيثِ الْجَامِعِ «مُدَارَةُ النَّاسِ صَدَقَةٌ» قَالَ فِي شَرْحِهِ الْمُدَارَاةُ اللِّينُ وَالتَّعَطُّفُ يَعْنِي مَنْ اُبْتُلِيَ بِمُخَالَطَةِ النَّاسِ مُعَامَلَةً وَمُعَاشَرَةً وَتَلَطَّفَ وَلَمْ يُنَفِّرْهُمْ كُتِبَ لَهُ صَدَقَةٌ وَالْمُدَارَةُ مَحْثُوثٌ عَلَيْهَا مَأْمُورٌ بِهَا وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ

اتَّسَعَتْ دَارُ مَنْ يُدَارِي ... وَضَاقَتْ أَسْبَابُ مَنْ يُمَارِي

وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ الْمُدَارَاةُ الرِّفْقُ بِالْجَاهِلِ فِي التَّعْلِيمِ وَبِالْفَاسِقِ فِي النَّهْيِ عَنْ فِعْلِهِ وَتَرْكِ الْأَغْلَاطِ عَلَيْهِ وَالْمُدَاهَنَةُ مُعَاشَرَةُ الْفَاسِقِ وَإِظْهَارُ الرِّضَا بِمَا هُوَ فِيهِ الْأُولَى مَنْدُوبَةٌ وَالثَّانِيَةُ مُحَرَّمَةٌ.

وَعَنْ حُجَّةِ الْإِسْلَامِ النَّاسُ ثَلَاثَةٌ:

أَحَدُهُمْ: مِثْلُ الْغِذَاءِ لَا يُسْتَغْنَى عَنْهُ وَالْآخَرُ مِثْلُ الدَّوَاءِ يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ وَالثَّالِثُ مِثْلُ الدَّاءِ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لَكِنْ الْعَبْدُ قَدْ يُبْتَلَى بِهِ وَهُوَ الَّذِي لَا أُنْسَ فِيهِ وَلَا نَفْعَ فَتَجِبُ مُدَارَاتُهُ إلَى الْخَلَاصِ مِنْهُ وَفِي الْحَدِيثِ أَيْضًا «أُمِرْت بِمُدَارَاةِ النَّاسِ كَمَا أُمِرْت بِالْفَرَائِضِ» كَمَا فِي شِرْعَةِ الْإِسْلَامِ (بَلْ مُسْتَحَبَّةٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>