للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أَكْمَامِهَا» جَمْعُ كُمٍّ وِعَاءُ الطَّلْعِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ هِيَ شَجَرَةٌ فِي جَنَّةِ عَدْنٍ وَفِي كُلِّ دَارٍ وَغَرْفَةٍ لَمْ يَخْلُقْ اللَّهُ تَعَالَى لَوْنًا وَلَا زَهْرَةً إلَّا وَفِيهَا مِنْهَا إلَّا السَّوَادَ وَلَا يَخْلُقُ اللَّهُ فَاكِهَةً وَلَا ثَمَرَةً إلَّا وَفِيهَا مِنْهَا يَنْبُعُ مِنْ أَصْلِهَا عَيْنَانِ الْكَافُورُ وَالسَّلْسَبِيلُ كُلُّ وَرَقَةٍ مِنْهَا تُظِلُّ أُمَّةً عَلَيْهَا مَلَكٌ يُسَبِّحُ اللَّهَ وَنَحْوُ «طُوبَى شَجَرَةٌ غَرَسَهَا اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ تُنْبِتُ بِالْحُلِيِّ وَالْحُلَلِ وَأَنَّ أَغْصَانَهَا لَتُرَى مِنْ وَرَاءِ سُورِ الْجَنَّةِ لِطُولِهَا» .

قَالَ الْمُفَسِّرُونَ وَشَجَرَةُ طُوبَى هَذِهِ هِيَ الْمُرَادَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد: ٢٩] وَحَكَى الْأَصَمُّ أَنَّ هَذِهِ الشَّجَرَةَ فِي دَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِي دَارِ كُلِّ مُؤْمِنٍ مِنْهَا غُصْنٌ وَزَادَ فِي رِوَايَةٍ " مُتَهَدِّلَةٌ " أَيْ مُتَدَلِّيَةٌ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَفِي تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ عَنْ قُرَّةَ يَرْفَعُهُ: «طُوبَى شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهَا تَفَتَّقِي لِعَبْدِي فَتُفَتَّقُ لَهُ عَنْ الْخَيْلِ بِسُرُوجِهَا وَلُجُمِهَا وَعَنْ الْإِبِلِ بِأَزِمَّتِهَا وَعَمَّا شَاءَ مِنْ الْكِسْوَةِ وَمَا مِنْ الْجَنَّةِ أَهْلٌ إلَّا وَغُصْنٌ مِنْ تِلْكَ الشَّجَرَةِ مُتَدَلٍّ عَلَيْهِمْ فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا تَدَلَّتْ فَأَكَلُوا مِنْهَا مَا شَاءُوا» وَنَحْوُ: «طُوبَى شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا يَعْلَمُ طُولَهَا إلَّا اللَّهُ فَيَسِيرُ الرَّاكِبُ تَحْتَ غُصْنٍ مِنْ أَغْصَانِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا وَرَقُهَا الْحُلَلُ يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّيْرُ كَأَمْثَالِ الْبَخْتِ» زَادَ فِي رِوَايَةٍ «فَإِذَا أَرَادُوا أَنْ يَأْكُلُوا مِنْهَا يَجِيءُ الطَّيْرُ فَيَأْكُلُونَ مِنْهُ قَدِيدًا وَشِوَاءً ثُمَّ يَطِيرُ» . كُلُّ الشَّرْحِ مِنْ الْفَيْضِ مُلَخَّصًا.

ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّفَاسِيرَ لِلَفْظِ طُوبَى الْمُخَالَفَةَ لِمَا ذُكِرَ فِي نَحْوِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مِنْ الرَّأْيِ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ بَلْ النُّصُوصِ إلَّا إذَا وَقَعَ مَقَامَ لَا يُمْكِنُ إرَادَةُ نَحْوِ هَذِهِ الْمَعَانِي فِيهِ إلَّا أَنْ يَدَّعِي كَوْنَهُ مِنْ تَأْوِيلِ مَعْنَى الْحَدِيثِ «لِمَنْ أَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ كَلَامِهِ» بِأَنْ تَرَكَ الْكَلَامَ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ فَإِنَّهُ بِذَلِكَ يَسْلَمُ مِنْ آفَاتِ اللِّسَانِ الَّتِي هِيَ عَيْنُ الْخُسْرَانِ.

وَمِنْ ثَمَّةَ قِيلَ

يَا كَثِيرَ الْفُضُولِ قَصِّرْ قَلِيلًا ... قَدْ فَرَشْت الْفُضُولَ طُولًا طَوِيلًا

كَمْ مِنْ الْقُبْحِ قَدْ أَخَذْت بِحَظٍّ ... فَاسْكُتْ الْآنَ إنْ أَرَدْت جَمِيلًا

وَفِي الْجَامِعِ «طُوبَى لِمَنْ شَغَلَهُ عَيْبُهُ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ» «وَأَنْفَقَ الْفَضْلَ مِنْ مَالِهِ» وَأَمْسَكَ الْفَضْلَ مِنْ قَوْلِهِ وَوَسِعَتْهُ السُّنَّةُ وَلَمْ يَعْدِلْ عَنْهَا إلَى الْبِدْعَةِ وَفِيهِ أَيْضًا «طُوبَى لِمَنْ مَلَكَ لِسَانَهُ» لِأَنَّ فِي حِفْظِ اللِّسَانِ السَّلَامَةَ مِنْ آفَاتِ الدُّنْيَا وَمُفْسِدَاتِ الْأَعْمَالِ، وَالنُّطْقُ بِلَا حَاجَةٍ إمَّا مَحْظُورٌ فَهُوَ ظَاهِرٌ وَإِمَّا مُبَاحٌ فَإِشْغَالُ الْكِرَامِ بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ «وَوَسِعَهُ بَيْتُهُ» بِاعْتِزَالِ النَّاسِ «وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ» (دُنْيَا عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) قِيلَ هُوَ مُرْسَلٌ (أَنَّهُ قَالَ «تَكَلَّمَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَكْثَرَ الْكَلَامَ فَقَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -» إنْكَارًا لَهُ «كَمْ دُونَ» قُدَّامَ «لِسَانِك مِنْ حِجَابٍ قَالَ شَفَتَايَ وَأَسْنَانِي فَقَالَ أَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ» الْحِجَابِ اسْتِفْهَامٌ لِلتَّوْبِيخِ «مَا يَرُدُّ كَلَامَك» أَيْ يَمْنَعُ مِنْ إكْثَارِهِ كَأَنَّهُ مَنَعَ الْحُكْمَ أَيْ كَثْرَةَ الْكَلَامِ بِحُجَّةٍ فَيَقْتَرِبُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ الْمَذْهَبِ الْكَلَامِيِّ لِزِيَادَةِ الِاعْتِنَاءِ لَكِنْ يَشْكُلُ إنْ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ الْكَثِيرُ خَيْرًا فَمَنْعُهُ كَيْفَ يُتَصَوَّرُ وَإِلَّا فَلَا فَائِدَةَ فِي التَّقْيِيدِ بِالْكَثِيرِ لِأَنَّ مَا لَا يَكُونُ خَيْرًا مَمْنُوعٌ مُطْلَقًا وَلَوْ قَلِيلًا نَعَمْ الْمَنْعُ فِي الْكَثْرَةِ آكَدُ وَيَجُوزُ أَنَّ الْكَلَامَ وَإِنْ خَيْرًا لَيْسَ بِأَدَبٍ عِنْدَ حُضُورِ الْكَلَامِ بِلَا ضَرُورَةٍ وَلِذَا كَانَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُطِيلُ الصَّمْتَ وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَقَفَ سَاعَةً يَتَفَكَّرُ فِيهِ وَفِي الشِّرْعَةِ مَنْ حَفِظَ لِسَانَهُ فَقَدْ سَتَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَوْرَتَهُ وَفِي الْحَدِيثِ «الصَّمْتُ حِكْمَةٌ» نَافِعٌ يَمْنَعُ مِنْ الْجَهْلِ وَالسَّفَهِ أَوْ مِنْ رَدِيءِ الْكَلَامِ وَمَا لَا يُعْنِي يُثْمِرُ حِكْمَةً فِي قَلْبِ الصَّامِتِ يَنْطِقُ عَنْهَا وَيَنْتَفِعُ بِهَا " وَقَلِيلٌ فَاعِلُهُ " قَلَّ مَنْ يَصْمُتُ عَمَّا لَا يُعْنِيهِ وَيَمْنَعُ نَفْسَهُ مِمَّا يَشِينُهُ وَيُؤْذِيهِ فِي دِينِهِ وَدُنْيَاهُ.

وَأَيْضًا الصَّمْتُ أَرْفَعُ الْعِبَادَاتِ فَإِنَّ أَكْثَرَ الْخَطَايَا مِنْ اللِّسَانِ.

قَالَ وَهْبٌ أَجْمَعَ الْحُكَمَاءُ عَلَى أَنَّ رَأْسَ الْحِكْمَةِ الصَّمْتُ وَقَالَ الْفُضَيْلُ لَا حَجَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>