للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَوْ بِغَيْرِ بُكَاءٍ وَلَا شَقِّ جَيْبٍ خِلَافًا لِعِيَاضٍ وَهِيَ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالنَّدْبِ بِتَعْدِيدِ شَمَائِلِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّ مَنْ طَعَنَ فِي نَسَبِ غَيْرِهِ فَقَدْ كَفَرَ نِعْمَةَ سَلَامَةِ نَسَبِهِ مِنْ الطَّعْنِ وَمَنْ نَاحَ فَقَدْ كَفَرَ نِعْمَةَ اللَّهِ حَيْثُ لَمْ يَرْضَ بِقَضَائِهِ وَهُوَ الْمُحْيِي وَالْمُمِيتُ وَفِيهِ أَنَّ هَاتَيْنِ كَبِيرَةٌ وَبِهِ صَرَّحَ الذَّهَبِيُّ كَابْنِ الْقَيِّمِ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي الْجَلَاءِ عَنْ جَرِيرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَالنِّيَاحَةُ حَرَامٌ وَالْمَعْدُودُ مِنْ الْحَرَامِ حَرَامٌ قَالَ فِي شَرْحِهِ عَنْ كَبِيرٍ الْحَلَبِيِّ «إنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ رَجَعَ مِنْ دَفْنِ أَنْصَارِيٍّ اسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَتِهِ فَجَاءَ وَجِيءَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَ يَدَهُ وَوَضَعَ الْقَوْمُ فَأَكَلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلُوكُ أَيْ يَمْضُغُ لُقْمَةً فِي فِيهِ» فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ وَضْعِ أَهْلِ الْمَيِّتِ الطَّعَامَ وَالدَّعْوَةِ إلَيْهِ انْتَهَى فَتَأَمَّلْ.

(وَمِنْهَا) أَيْ مِنْ النِّيَاحَةِ (اتِّخَاذُ الطَّعَامِ وَالضِّيَافَةِ لِلْمَيِّتِ) لِلنِّيَاحَةِ لَا لِأَهْلِ الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِشُغْلِهِمْ بِمَوْتِ قَرِيبِهِمْ عَنْ ذَلِكَ وَعَنْ ابْنِ الْهُمَامِ وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ الضِّيَافَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ يُشْرَعُ فِي السُّرُورِ لَا فِي الشُّرُورِ وَهِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَقْبَحَةٌ (حدمج) رُوِيَ (عَنْ) أَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ (جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نَعُدُّ الِاجْتِمَاعَ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَتَهُمْ الطَّعَامَ مِنْ النِّيَاحَةِ) وَكَذَا نُقِلَ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَيُسْتَحَبُّ لِجِيرَانِ أَهْلِ الْمَيِّتِ وَالْأَقْرِبَاءِ الْأَبَاعِدِ تَهْيِئَةُ طَعَامٍ لَهُمْ لِيُشْبِعَهُمْ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَقَدْ جَاءَهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» كَذَا نُقِلَ عَنْ الْجَلَاءِ.

وَفِي الْجَامِعِ «اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا فَإِنَّهُ قَدْ أَتَاهُمْ مَا يَشْغَلُهُمْ» أَيْ عَنْ صُنْعِ الطَّعَامِ لِأَنْفُسِهِمْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِذُهُولِهِمْ عَنْ حَالِهِمْ بِحُزْنِهِمْ عَلَى مَيِّتِهِمْ وَهَذَا قَالَهُ لِنِسَائِهِ لَمَّا قُتِلَ جَعْفَرٌ وَجَاءَ الْخَبَرُ بِمَوْتِهِ فَطَحَنَتْ سَلْمَى مَوْلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَعِيرًا ثُمَّ آدَمَتْهُ بِزَيْتٍ وَجَعَلَتْ عَلَيْهِ فُلْفُلًا ثُمَّ أَرْسَلُوهُ إلَيْهِمْ قَالَ ابْنُ الْحَاجِّ وَيَنْبَغِي لِأَهْلِ الْمَيِّتِ التَّصَدُّقُ بِالْفَاضِلِ أَوْ إهْدَاؤُهُ.

(تَنْبِيهٌ) : قَالَ الْقُرْطُبِيُّ الِاجْتِمَاعُ إلَى أَهْلِ الْمَيِّتِ وَصَنْعَتُهُمْ الطَّعَامَ وَالْمَيِّتُ عِنْدَهُمْ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ قَالَ وَنَحْوٌ مِنْهُ الطَّعَامُ الَّذِي يَصْطَنِعُهُ أَهْلُ الْمَيِّتِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ لِلتَّرَحُّمِ لِلْمَيِّتِ وَلَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ الِاقْتِدَاءُ بِأَهْلِ الْكُفْرِ وَيَنْهَى كُلُّ إنْسَانٍ أَهْلَهُ عَنْ الْحُضُورِ لِمِثْلِ هَذَا لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ قَوْمٍ لَا خَلَاقَ لَهُمْ وَقَالَ أَحْمَدُ هُوَ مِنْ فِعْلِ الْجَاهِلِيَّةِ قِيلَ لَهُ أَلَيْسَ «قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اصْنَعُوا لِآلِ جَعْفَرٍ طَعَامًا» إلَخْ قَالَ لَمْ يَكُونُوا اتَّخَذُوا إنَّمَا اتَّخَذَهُ لَهُمْ فَهَذَا كُلُّهُ وَاجِبٌ فَمَنْ أَبَاحَهُ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَأَعَانَهُمْ عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَإِنَّمَا يُسَنُّ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْمَوْتِ فَقَطْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ (وَقَدْ فَصَلْنَاهُ فِي جَلَاءِ الْقُلُوبِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>