للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا فِيهِمَا فَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ (وَيَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ فِي التَّغَنِّي الْحَرَامِ (تَغَنِّي صُوفِيَّةِ زَمَانِنَا فِي الْمَسَاجِدِ) فِي (الدَّعَوَاتِ) أَيْ الضِّيَافَاتِ أَوْ مِنْ الدُّعَاءِ (بِالْأَشْعَارِ وَالْأَذْكَارِ مَعَ اخْتِلَاطِ أَهْلِ الْهَوَى) الْفَسَقَةِ وَالْمُبْتَدِعَةِ (وَالْمُرْدِ) جَمْعُ الْأَمْرَدِ قِيلَ عَلَيْهِ أَنَّ هَذَا سُوءُ ظَنٍّ وَتَجَسُّسُ عَيْبٍ وَإِظْهَارُ فُحْشِ مُؤْمِنٍ وَالِاطِّلَاعُ عَلَى مَا فِي الضَّمِيرِ أَمْرٌ تَفَرَّدَ بِهِ تَعَالَى لَا يَخْفَى أَنَّ الشَّرْعَ كَثِيرًا مَا يَدُورُ الْحُكْمُ فِيهِ عَلَى قَرِينَتِهِ وَأَمَارَاتِهِ وَالظَّنُّ كَافٍ فِي غَيْرِ الْبُرْهَانِيَّةِ الْيَقِينِيَّةِ وَقَدْ قِيلَ قَدْ تَكُونُ الْقَرِينَةُ قَطْعِيَّةً وَأَيْضًا قَدْ يُصَرِّحُ أَكْثَرُهُمْ بِعَدَمِ خُلُوصِهِمْ بَلْ بِغَرَضٍ فَاسِدٍ وَلَوْ فُتِحَ هَذَا الْبَابُ لَانْسَدَّ أَكْثَرُ أَبْوَابِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ (بَلْ هَذَا أَشَدُّ مِنْ كُلِّ تَغَنٍّ لِأَنَّهُ) أَيْ هَذَا التَّغَنِّي (مَعَ اعْتِقَادِ الْعِبَادَةِ) قِيلَ هُنَا فَتَأَمَّلْ لَعَلَّ وَجْهَ لُزُومِ الْكُفْرِ حِينَئِذٍ أُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَمَا يَجِبُ السُّكُوتُ بِلِسَانِك عَنْ مَسَاوِئِ أَخِيك يَجِبُ السُّكُوتُ بِقَلْبِك بِتَرْكِ سُوءِ الظَّنِّ وَفِي الْأَمَالِي احْذَرْ أَنْ تَحْمِلَ فِعْلَ أَخِيكَ عَلَى وَجْهٍ فَاسِدٍ مَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى وَجْهٍ حَسَنٍ وَأَمَّا عِنْدَ التَّيَقُّنِ فَعَلَيْكَ أَنْ تَحْمِلَهُ عَلَى سَهْوٍ وَنِسْيَانٍ مَا أَمْكَنَ كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ» انْتَهَى وَأَنْتَ عَرَفْت جَوَابَهُ آنِفًا وَأَنَّ مَحِلَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ (وَأَمَّا التَّغَنِّي وَحْدَهُ) لَا لِلنَّاسِ (بِالْأَشْعَارِ لِدَفْعِ الْوَحْشَةِ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إذَا كَانَ التَّغَنِّي لِاسْتِفَادَةِ نَظْمِ الْقَوَافِي وَصَيْرُورَةِ فَصَاحَةِ اللِّسَانِ لَا بَأْسَ وَإِذَا كَانَ وَحْدَهُ يَتَغَنَّى لِدَفْعِ الْوَحْشَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَبِهِ أَخَذَ السَّرَخْسِيُّ وَإِنَّمَا الْمَكْرُوهُ مَا يَكُونُ لَهْوًا وَاسْتَدَلَّ هَذَا الْقَائِلُ بِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ كَانَ مِنْ زُهَّادِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ كَانَ يَتَغَنَّى فِي مَرَضِهِ وَاسْتَبْعَدَ ذَلِكَ أَنَسٌ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ تَلَهِّيًا وَلَكِنْ لِدَفْعِ الْوَسْوَاسِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَطْمَعُ لِلشَّهَادَةِ وَخَشِيَ أَنْ يَمُوتَ فِي مَرَضِهِ فَاسْتَوْحَشَ مِنْ ذَلِكَ وَجَعَلَ يَتَغَنَّى لِدَفْعِ الْوَحْشَةِ وَالْوَحْدَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَعَرَفْت أَنَّ هَذَا الْقَدْرَ لَا بَأْسَ بِهِ وَعَنْ الْأَكْمَلِ لَوْ كَانَ غِنَاؤُهُ فِي نَفْسِهِ لِإِزَالَةِ وَحْشَةٍ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ (أَوْ فِي الْأَعْيَادِ وَالْعُرْسِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>