للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(م عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مَرْفُوعًا «إنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ» أَشَدِّهِمْ شَرًّا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَشَرُّ بِالْأَلِفِ عَنْ الْجَوْهَرِيِّ شَرٌّ فِيهِ مَعْنَى التَّفْضِيلِ لَا يُثَنَّى وَلَا يُجْمَعُ وَلَا يُؤَنَّثُ وَلَا يُقَالُ أَشَرُّ إلَّا فِي لُغَةٍ رَدِيئَةٍ وَقَالَ الْقَاضِي الرِّوَايَةُ وَقَعَتْ بِالْأَلِفِ وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ رَدَاءَتِهِ أَقُولُ يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ قَبِيلِ النَّقْلِ بِالْمَعْنَى فَلَا تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الرَّدَاءَةِ عَلَى أَنَّهُ قَالَ السُّيُوطِيّ إنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَتَكَلَّمُ مَعَ الْفَصِيحِ وَالْمُوَلَّدِ وَغَيْرِهِمَا فَيَتَكَلَّمُ مَعَ كُلٍّ قُدْرَةَ فَهْمِهِ فَلَا يُحْتَجَّ بِالْحَدِيثِ عَلَى جِهَةِ الْعَرَبِيَّةِ نَعَمْ قَالَ فِي الْفَيْضِ فِي رِوَايَةٍ أَشَرُّ بِالْأَلِفِ قَالَ عِيَاضٌ تَقُولُ النُّحَاةُ لَا يَجُوزُ أَشَرُّ وَأَخْيَرُ بَلْ خَيْرٌ وَشَرٌّ وَقَدْ جَاءَتْ اللُّغَتَانِ فِي صَحِيحِ الْأَخْبَارِ وَهُوَ حُجَّةٌ لِلْجَوَازِ فَافْهَمْهُ «عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلُ يُفْضِي إلَى امْرَأَتِهِ» سِرًّا «وَتُفْضِي إلَيْهِ» بِالْمُبَاشَرَةِ وَالْجِمَاعِ «ثُمَّ يَنْشُرُ أَحَدُهُمَا سِرَّ صَاحِبِهِ» أَيْ يَتَكَلَّمُ كُلٌّ بِمَا جَرَى بَيْنَهُمَا قَوْلًا أَوْ فِعْلًا بَيْنَ النَّاسِ قَالَ النَّوَوِيُّ تَحْرِيمُ إفْشَاءِ هَذَا السِّرِّ إذَا لَمْ يَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ فَائِدَةٌ وَأَمَّا إذَا تَرَتَّبَ بِأَنْ تَدَّعِيَ الْعَجْزَ عَنْ الْجِمَاعِ أَوْ إعْرَاضَهُ عَنْهَا وَنَحْوَ ذَلِكَ فَلَا كَرَاهَةَ فِي ذِكْرِهِ قَالَ الْأَحْنَفُ جَنِّبُوا مَجَالِسَكُمْ ذِكْرَ النِّسَاءِ وَالطَّعَامِ فَكَفَى بِالرَّجُلِ ذَمًّا أَنْ يَكُونَ وَاصِفًا لِفَرْجِهِ وَبَطْنِهِ فَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي حُرْمَةِ إفْشَاءِ سِرِّ زَوْجِهَا كَأَنْ تَقُولَ هُوَ سَرِيعُ الْإِنْزَالِ أَوْ كَبِيرُ الْآلَةِ ثُمَّ قِيلَ الْحَدِيثُ ضَعِيفٌ وَقِيلَ مُنْكَرٌ وَقِيلَ حَسَنٌ لَا صَحِيحٌ (اعْلَمْ أَنَّ) (مَا وَقَعَ أَوْ قِيلَ) مِنْ الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَالِ (فِي مَجْلِسٍ مِمَّا يُكْرَهُ إفْشَاؤُهُ إنْ لَمْ يُخَالِفْ الشَّرْعَ) (يَلْزَمُ كِتْمَانُهُ) إذَا كَانَ فِيهِ إضْرَارُ الْغَيْرِ وَيُنْدَبُ مُؤَكَّدًا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إضْرَارٌ (وَإِنْ خَالَفَ فَإِنْ كَانَ) أَيْ مَا وَقَعَ أَوْ قِيلَ (حَقَّ اللَّهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ) كَالْغِيبَةِ وَالْكَذِبِ وَالْبُهْتَانِ عَلَى مَا قِيلَ (كَالْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرِ) قَيْدٌ لِلنَّفْيِ لَا لِلْمَنْفِيِّ يَعْنِي الْحُكْمَ الشَّرْعِيَّ كَالْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ يَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ ضَابِطَ التَّعْزِيرِ هُوَ كُلُّ مَعْصِيَةٍ لَمْ يَتَقَدَّرْ فِيهَا حَدٌّ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ كُلَّ مَا خَالَفَ الشَّرْعَ مَعْصِيَةٌ وَكُلَّ مَعْصِيَةٍ فَفِيهَا إمَّا تَعْزِيرٌ أَوْ حَدٌّ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ مَا خَالَفَ الشَّرْعَ وَبَيْنَ عَدَمِ وَاحِدٍ مِنْ الْحَدِّ وَالتَّعْزِيرِ (فَكَذَلِكَ) يَلْزَمُ الْكِتْمَانُ لِعَدَمِ حَقِّ الْعَبْدِ فِيهِ وَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ حَتَّى يَنْزَجِرَ بِإِجْرَائِهِ لَعَلَّ ذَلِكَ عِنْدَ عَدَمِ تَعَلُّقِ مَصْلَحَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَالنَّصِيحَةِ لِلْغَيْرِ لِيَتَجَنَّبَ عَنْ صُحْبَةِ مِثْلِ هَذَا الرَّجُلِ وَقَدْ وَقَعَ اُذْكُرُوا الْفَاجِرَ بِمَا فِيهِ لِيَتَحَرَّزَ النَّاسُ مِنْهُ (وَإِنْ تَعَلَّقَ بِهِ) حُكْمٌ شَرْعِيٌّ (فَلَكَ الْخِيَارُ) بَيْنَ الْكِتْمَانِ وَالْإِعْلَامِ (وَالسَّتْرُ أَفْضَلُ) إنْ لَمْ يُفِضْ إلَى الِاعْتِيَادِ وَزِيَادَةِ الْفَضَاحَاتِ وَلَعَلَّ السَّتْرَ وَاجِبٌ عِنْدَ خَوْفِ الْفِتْنَةِ أَوْ زِيَادَةِ الْفَسَادِ (كَالزِّنَا) عِنْدَ تَحَقُّقِ أَرْبَعَةٍ مِنْ الرِّجَالِ وَإِلَّا لَزِمَ حَدُّ الْقَذْفِ وَالتَّفْصِيلُ فِي الْفِقْهِ لَا يَخْفَى أَنَّ الزِّنَا لَيْسَ مِنْ حَقِّ اللَّهِ فَقَطْ مُطْلَقًا فَافْهَمْ (وَشُرْبِ الْخَمْرِ) عِنْدَ اثْنَيْنِ مِنْ الرِّجَالِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ» كَمَا قِيلَ فِي دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَطْلُوبِ نَوْعُ خَفَاءٍ وَالْأَوْلَى أَنْ يُحْتَجَّ بِنَحْوِ حَدِيثِ الْجَامِعِ «مَنْ سَتَرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ فِي الدُّنْيَا فِي قَبِيحِ فِعْلِهِ وَقَوْلِهِ فَلَمْ يَفْضَحْهُ بِأَنْ اطَّلَعَ مِنْهُ عَلَى مَا يَشِينُهُ فِي دِينِهِ أَوْ عِرْضِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ فَلَمْ يَهْتِكْهُ بِالتَّحَدُّثِ وَلَمْ يَرْفَعْهُ لِحَاكِمٍ سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» أَيْ لَمْ يَفْضَحْهُ بِإِظْهَارِ عُيُوبِهِ وَذُنُوبِهِ بَلْ يُسَهِّلُ حِسَابَهُ وَيَتْرُكُ عِقَابَهُ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَيٌّ كَرِيمٌ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ مِنْ الْحَيَاءِ وَالْكَرَمِ تَخَلُّقٌ بِخُلُقِ اللَّهِ تَعَالَى وَاَللَّهُ يُحِبُّ التَّخَلُّقَ بِأَخْلَاقِهِ وَدُعِيَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - إلَى قَوْمٍ عَلَى رِيبَةٍ فَانْطَلَقَ لِيَأْخُذَهُمْ فَتَفَرَّقُوا فَلَمْ يُدْرِكْهُمْ فَأَعْتَقَ رَقَبَةً شُكْرًا لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ لَا يَكُونَ جَرَى عَلَى يَدَيْهِ خِزْيُ مُسْلِمٍ وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ أَيْضًا «مَنْ سَتَرَ عَلَى مُؤْمِنٍ عَوْرَةً بَدَنًا أَوْ عِرْضًا أَوْ مَالًا حِسِّيَّةً أَوْ مَعْنَوِيَّةً فَكَأَنَّمَا أَحْيَا مَيِّتًا» هَذَا وَمِثْلُهُ إنْ لَمْ يُعْرَفْ بِأَذًى وَلَمْ يَتَجَاهَرْ بِالْفَسَادِ وَإِلَّا نُدِبَ رَفْعُهُ لِلْحَاكِمِ مَا لَمْ يَخَفْ فِتْنَةً لِأَنَّ السَّتْرَ حِينَئِذٍ يُقَوِّيهِ عَلَى فِعْلِهِ.

(تَنْبِيهٌ) إظْهَارُ السِّرِّ كَإِظْهَارِ الْعَوْرَةِ فَكَمَا يَحْرُمُ كَشْفُهَا يَحْرُمُ إفْشَاؤُهُ وَكِتْمَانُ الْأَسْرَارِ وَقَدْ تَطَابَقَ

<<  <  ج: ص:  >  >>