للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَحْجُورٌ عَلَيْهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ حَتَّى فِي مَنَافِعِ نَفْسِهِ إلَّا بِإِذْنِ الْوَلِيِّ (وَأَقْبَحُ السُّؤَالِ مَا كَانَ بِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى)

اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي إعْطَاءِ مَنْ يَسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ فَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ رِعَايَةً لِجَانِبِ وَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ وَمَنْ تَابَعَهُ لَا يُعْطَى لَهُ زَجْرًا لَهُ كَمَا فِي الْحَاشِيَةِ أَقُولُ وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ الْأَصْلُ التَّفْصِيلُ إنَّ السُّؤَالَ مِنْ قَبِيلِ الْجَوَازِ سِيَّمَا الْوَاجِبُ فَيُعْطَى لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ لِوَجْهِ اللَّهِ وَإِلَّا فَلَا لِعَدَمِ الصَّلَاحِيَّةِ لَهُ اعْلَمْ أَنَّ مِقْدَارَ الْغِنَى الْمُحَرِّمِ لِلسُّؤَالِ يَتَوَقَّفُ عَلَى تَفْصِيلٍ وَهُوَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لَا حَقَّ لِابْنِ آدَمَ إلَّا فِي ثَلَاثٍ طَعَامٌ يُقِيمُ بِهِ صُلْبَهُ وَثَوْبٌ يُوَارِي بِهِ عَوْرَتَهُ وَبَيْتٌ يَسْكُنُهُ فَمَا زَادَ فَهُوَ حِسَابٌ؛ هَذِهِ أَجْنَاسُهَا. وَأَمَّا أَقْدَارُهَا فَالثَّوْبُ مَثَلًا يُرَاعَى فِيهِ مَا يَلِيقُ بِذَوِي الدَّيْنِ وَهُوَ ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَقَمِيصٌ وَمِنْدِيلٌ وَسَرَاوِيلُ وَمَدَاسٌ»

وَكَذَا أَثَاثُ الْبَيْتِ لَا يُطْلَبُ كَوْنُ الْأَوَانِي مِنْ النُّحَاسِ وَالصُّفْرِ فِيمَا يَكْفِي فِيهِ الْخَزَفُ فَيَقْتَصِرُ مِنْ الْعَدَدِ عَلَى وَاحِدٍ وَمِنْ النَّوْعِ عَلَى أَخَسِّ أَجْنَاسِهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنْ الْعَادَةِ

وَأَمَّا الطَّعَامُ فَقَدْرُهُ فِي الْيَوْمِ مُدٌّ وَهُوَ مَا قَدَّرَهُ الشَّرْعُ وَنَوْعُهُ مَا يُقْتَاتُ وَلَوْ الشَّعِيرَ وَالْأُدْمَ عَلَى الدَّوَامِ فَضْلٌ وَقَطْعُهُ بِالْكُلِّيَّةِ إضْرَارٌ وَفِي طَلَبِهِ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ رُخْصَةٌ وَأَمَّا الْمَسْكَنُ فَأَقَلُّهُ مَا يَجْزِي مِنْ حَيْثُ الْمِقْدَارُ وَذَلِكَ مِنْ غَيْرِ زِينَةٍ ثُمَّ هَذِهِ الْأُمُورُ مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ حَقِيقَةً ثُمَّ الْحَاجَةُ إلَيْهَا إمَّا فِي الْحَالِ مِنْ طَعَامِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ أَوْ ثَوْبٍ يَلْبَسُهُ أَوْ مَأْوًى يَسْكُنُهُ فَلَا شَكَّ فِي حِلِّ السُّؤَالِ وَأَمَّا فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَثَلَاثُ دَرَجَاتٍ أَمَّا مَا يُحْتَاجُ فِي غَدٍ وَبَعْدَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ خَمْسِينَ أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ فَالسَّائِلُ الَّذِي لَهُ وَلِعِيَالِهِ قُوتُ سَنَةٍ فَسُؤَالُهُ حَرَامٌ لِأَنَّ ذَلِكَ غَايَةُ الْغِنَى وَأَمَّا مَا دُونَ السَّنَةِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ إنْ كَانَ غَنِيًّا فِي الْحَالِ إلَّا أَنْ يَخَافَ فَوْتَ الْفُرْصَةِ فِي الِاسْتِقْبَالِ بِأَنْ لَا يَجِدَ مَنْ لَا يُعْطِيهِ إذَا أَخَّرَ لِأَنَّ الْبَقَاءَ سَنَةً مُمْكِنٌ عَادَةً وَيَدْخُلُ فِيهِ خُرُوجُ طَلَبَةِ الْعُلُومِ فِي الْمَوَاسِمِ لِإِدْخَارِ قُوتِ سَنَةٍ لِأَنَّهُمْ يَتَفَرَّغُونَ لِلْعِلْمِ وَلَا يَعْتَدُّونَ لِلْكَسْبِ وَلَيْسَ لَهُمْ أَمْوَالٌ صَالِحَةٌ لِمَصَارِفِهِمْ الضَّرُورِيَّةِ وَإِنْ كَانَ لِعِلَّةِ خَوْفِ الْعَجْزِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ضَعِيفًا وَكَانَ مَا لِأَجْلِهِ السُّؤَالُ مِنْ ضَعْفِ الْيَقِينِ وَالْإِصْغَاءِ إلَى تَخْوِيفِ الشَّيْطَانِ وَحَالُ مَنْ يَسْأَلُ لِحَاجَةٍ وَرَاءَ يَوْمِهِ وَحَالُ مَنْ مَلَكَ مَالًا مَوْرُوثًا وَادَّخَرَهُ لِحَاجَةٍ وَرَاءَ السَّنَةِ سِيَّانِ فِي كَوْنِهِمَا مِنْ حُبِّ الدُّنْيَا وَطُولِ الْأَمَلِ وَعَدَمِ الثِّقَةِ بِفَضْلِ اللَّهِ وَإِنْ كَانَا مُبَاحَيْنِ فِي الْفَتْوَى الظَّاهِرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (طب عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَلْعُونٌ مَنْ سَأَلَ بِوَجْهِ اللَّهِ» تَتِمَّةُ الْحَدِيثِ - «وَمَلْعُونٌ مَنْ يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ ثُمَّ مَنَعَ سَائِلَهُ مَا لَمْ يَسْأَلْ هُجْرًا» - أَيْ قَبِيحًا لَا يَلِيقُ بِالسُّؤَالِ

قَالَ الْعِرَاقِيُّ لَعْنَةُ فَاعِلِ ذَلِكَ لَا يُنَاقِضُهَا اسْتِعَاذَةُ النَّبِيِّ بِوَجْهِ اللَّهِ لِأَنَّ مَا هُنَا جَانَبَ طَلَبَ تَحْصِيلِ الشَّيْءِ مِنْ الْمَخْلُوقِ وَذَاكَ فِي سُؤَالِ الْخَالِقِ أَوْ الْمَنْعُ فِي الْأَمْرِ الدُّنْيَوِيِّ وَالْجَوَازُ فِي الْأُخْرَوِيِّ قِيلَ عَنْ الْهَيْتَمِيِّ فِي رِجَالِ هَذَا الْحَدِيثِ مَنْ لَمْ أَعْرِفْهُ (د عَنْ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ إلَّا الْجَنَّةُ» اُسْتُفِيدَ مِنْهُ أَنَّ سُؤَالَ اللَّهِ بِوَجْهِهِ مِنْ حُطَامِ الدُّنْيَا مَنْهِيٌّ فَإِنَّهُ تَعَالَى أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ مَتَاعِ الدُّنْيَا بَلْ يُسْأَلُ بِهِ الْجَنَّةُ نَحْوُ نَسْأَلُك الْجَنَّةَ بِوَجْهِك الْكَرِيمِ وَنَسْأَلُك بِوَجْهِك الْكَرِيمِ أَنْ تُدْخِلَنَا الْجَنَّةَ رُوِيَ نَفْيًا وَنَهْيًا وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا تَسْأَلُوا مِنْ النَّاسِ شَيْئًا بِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى نَحْوَ أَعْطِنِي شَيْئًا بِوَجْهِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْحُطَامِ وَذِكْرُ الْجَنَّةِ إنَّمَا هُوَ لِلتَّنْبِيهِ بِهِ عَلَى الْأُمُورِ الْعِظَامِ لَا لِلتَّخْصِيصِ فَلَا يُسْأَلُ اللَّهُ بِوَجْهِهِ فِي الْأُمُورِ الدَّنِيَّةِ بِخِلَافِ الْأُمُورِ الْعِظَامِ تَحْصِيلًا أَوْ دَفْعًا (وَمِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>