للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسَهُ» بِاتِّبَاعِ الْهَوَى وَتَرْكِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ «فَمُوبِقُهَا» مُهْلِكُهَا (وَقَلَّمَا يَخْلُو عَنْ هَذَا) الصُّنْعِ (مَنْ يَدْخُلُ عَلَى الْأُمَرَاءِ وَالْكُبَرَاءِ) فِي الِاعْتِقَادِ لَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ (نَعَمْ) اسْتِدْرَاكٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ (تَجُوزُ الْمُدَارَاةُ وَهِيَ مَا كَانَتْ لِدَرْءِ الضَّرَرِ وَالشَّرِّ مِمَّنْ يُخَافُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ شَرِّهِ كَأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ ارْتِكَابِ الضَّرَرِ الْقَلِيلِ لِلتَّخَلُّصِ مِنْ الضَّرَرِ الْجَلِيلِ (وَضِدُّهُ الْمُدَاهَنَةُ وَهِيَ مَا كَانَ لِلتَّوَانِي) لِلتَّسَاهُلِ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَالتَّكَاسُلِ فِيهِ (وَعَدَمِ الْمُبَالَاةِ لِأَمْرِ الدِّينِ) لِضَعْفِ دِينِهِ وَأَحْسَنَ مَنْ فَرَّقَ بِأَنَّ الْمُدَارَاةَ إصْلَاحُ الدُّنْيَا أَوْ الدِّينِ بِالدُّنْيَا وَالْمُدَاهَنَةَ إصْلَاحُ الدُّنْيَا بِإِفْسَادِ الدِّينِ

(وَقَدْ مَرَّتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ) النِّفَاقُ الْقَوْلِيُّ وَالْمُدَارَاةُ وَالْمُدَاهَنَةُ فِي التَّاسِعِ وَالْأَرْبَعِينَ مِنْ الْآفَاتِ الْقَلْبِيَّةِ (خ م عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا -) وَعَنْ أَبَوَيْهَا «أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ» فِي الدُّخُولِ «عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» وَلِتَضَمُّنِ اسْتَأْذَنَ مَعْنَى الدُّخُولِ تَعَلَّقَ لَفْظُ عَلَى بِهِ وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَوَّابٌ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ «فَلَمَّا رَآهُ» مِنْ بَعِيدٍ «قَالَ» - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «بِئْسَ» مِنْ أَفْعَالِ الذَّمِّ «أَخُو الْعَشِيرَةِ» أَيْ الْقَبِيلَةِ وَلَا وَاحِدَ لَهَا مِنْ لَفْظِهَا وَالْجَمْعُ عَشِيرَاتٌ وَعَشَائِرُ «أَوْ بِئْسَ ابْنُ الْعَشِيرَةِ» أَيْ قَبِيحٌ فِي قَبِيلَتِهِ إمَّا بِفِرَاسَتِهِ أَوْ بِوَحْيِ رَبِّهِ إنَّمَا أَخْبَرَ بِهِ لِيُتَوَقَّى مِنْ شَرِّهِ لَا لِحَظِّ نَفْسِهِ وَفِيهِ جَوَازُ ذِكْرِ مَسَاوِئ الْخَبِيثِ وَالْأَشْرَارِ لِيُتَحَرَّزَ عَنْهُ «فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ فِي وَجْهِهِ» أَظْهَرَ طَلَاقَ الْوَجْهِ وَبَشَاشَتَهُ بِالْبِشْرِ «وَانْبَسَطَ إلَيْهِ» بِالْكَلَامِ وَالتَّوَجُّهِ وَالِالْتِفَاتِ خِلَافُ الِانْقِبَاضِ وَالْكَفِّ عَنْ الْحَدِيثِ وَعَبُوسَةِ الْوَجْهِ وَمِنْ دَأْبِ الْكَرِيمِ أَنْ يَكُونَ بَشَّاشًا طَلْقَ الْوَجْهِ مُنْبَسِطًا إلَى كُلِّ مَنْ يُقْبِلُ عَلَيْهِ وَيَتَوَجَّهُ إلَيْهِ وَإِنْ كَانَ خَبِيثًا مُخْبِثًا أَوْ عَدُوًّا مُكَاشِرًا وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ تَمَامُ الْحَدِيثِ «فَلَمَّا انْطَلَقَ» أَيْ ذَهَبَ ذَلِكَ الرَّجُلُ «قُلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ رَأَيْت الرَّجُلَ قُلْت» أَنْتَ «لَهُ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ تَطَلَّقْت فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْت إلَيْهِ» لِمُجَرَّدِ مَعْرِفَةِ الْحِكْمَةِ لَا لِلْمُنَاقَشَةِ وَالْمُدَافَعَةِ

«فَقَالَ يَا عَائِشَةُ مَتَى» اسْتِفْهَامُ إنْكَارٍ «عَهِدْتنِي» أَيْ أَدْرَكْتنِي «فَحَّاشًا» مُبَالَغَةُ الْفُحْشِ أَيْ قَائِلًا لِلْفُحْشِ وَهُوَ الْقَوْلُ السَّيِّئُ لَا يَخْفَى أَنَّ صِيغَةَ الْمُبَالَغَةِ إمَّا بِمَعْنَى أَصْلِ الْفِعْلِ أَوْ النَّفْيُ الْمُسْتَفَادُ مِنْ الِاسْتِفْهَامِ رَاجِعٌ إلَى مَجْمُوعِ الْقَيْدِ وَالْمُقَيَّدِ لَا إلَى الْقَيْدِ فَقَطْ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {وَمَا رَبُّكَ بِظَلامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: ٤٦]- إذْ لَا يَصْدُرُ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْلُ الْفُحْشِ فَضْلًا عَنْ كَثْرَتِهِ وَمُبَالَغَتِهِ يَعْنِي لَا تَجِدِينِي فَحَّاشًا فِي قَوْلِي ذَلِكَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ وَعَلَّلَهُ بِالِاسْتِئْنَافِ الْبَيَانِيِّ بِقَوْلِهِ «إنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ» يَعْنِي إنَّهُ رَجُلٌ شِرِّيرٌ وَإِنَّمَا تَطَلَّقَ لَهُ وَجْهِي لِئَلَّا يُصِيبَ شَرُّهُ الْمُسْلِمِينَ ظَاهِرُهُ إنِّي تَرَكْت النُّصْحَ وَمَا يَقْتَضِي إسَاءَتَهُ مِنْ الْإِعْرَاضِ وَالْعَبُوسَةِ اتِّقَاءَ شَرِّهِ مِنْ إضْلَالِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ الْحَادِثِينَ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنَّمَا ذَمِّي

<<  <  ج: ص:  >  >>