للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا» .

قَالَ الْمُنَاوِيُّ فَأَعْظَمُ الْهُدَى هُدَى مَنْ دَعَا إلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَأَدْنَاهُ هُدًى مَنْ دَعَا إلَى إمَاطَةِ الْأَذَى وَلِذَا عَظُمَ شَأْنُ الْفَقِيهِ الدَّاعِي الْمُنْذِرِ حَتَّى فُضِّلَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى أَلْفِ عَابِدٍ وَلِأَنَّ نَفْعَهُ يَعُمُّ الْأَشْخَاصَ وَالْأَعْصَارَ إلَى يَوْمِ الدِّينِ ثُمَّ قَالَ:

(تَنْبِيهٌ) أَخَذَ الْمَقْرِيزِيُّ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ أَنَّ كُلَّ أَجْرٍ حَصَلَ لِلشَّهِيدِ حَصَلَ لِلنَّبِيِّ بِسَبَبِهِ مِثْلُهُ وَالْحَيَاةُ أَجْرٌ فَيَحْصُلُ لِلنَّبِيِّ مِثْلُهَا زِيَادَةً عَلَى مَا لَهُ مِنْ الْأَجْرِ الْخَاصِّ مِنْ نَفْسِهِ عَلَى هِدَايَةِ الْمُهْتَدِي وَعَلَى مَا لَهُ مِنْ الْأُجُورِ عَلَى حَسَنَاتِهِ الْخَاصَّةِ مِنْ الْأَعْمَالِ وَالْمَعَارِفِ وَالْأَحْوَالِ الَّتِي لَا تَصِلُ جَمِيعَ الْأُمَّةِ وَلَا يَبْلُغُونَ مِعْشَارَ مِعْشَارِهَا فَجَمِيعُ حَسَنَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَأَعْمَالِهِمْ الصَّالِحَةِ فِي صَحَائِفِ نَبِيِّنَا زِيَادَةً عَلَى مَا لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مَعَ مُضَاعَفَةٍ لَا يُحْصِيهَا إلَّا اللَّهُ لِأَنَّ كُلَّ مُهْتَدٍ وَعَامِلٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ يَحْصُلُ لَهُ أَجْرٌ وَيَتَجَدَّدُ لِشَيْخِهِ فِي الْهِدَايَةِ مِثْلَا ذَلِكَ الْأَجْرِ وَلِشَيْخِ شَيْخِهِ مِثْلَاهُ وَلِلشَّيْخِ الثَّالِثِ أَرْبَعَةٌ وَلِلرَّابِعِ ثَمَانِيَةٌ وَهَكَذَا تُضَاعَفُ كُلُّ مَرْتَبَةٍ بِعَدَدِ الْأُجُورِ الْحَاصِلَةِ بَعْدَهُ لِلنَّبِيِّ وَبِذَلِكَ يُعْرَفُ تَفْضِيلُ السَّلَفِ عَلَى الْخَلْفِ فَإِذَا فَرَضْت الْمَرَاتِبَ عَشْرًا بَعْدَ النَّبِيِّ كَانَ لِلنَّبِيِّ مِنْ الْأَجْرِ أَلْفٌ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فَإِذَا اهْتَدَى بِالْعَاشِرِ حَادِي عَشَرَ صَارَ أَجْرُ النَّبِيِّ أَلْفَيْنِ وَثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ وَهَكَذَا كُلَّمَا ازْدَادُوا وَاحِدًا يَتَضَاعَفُ مَا كَانَ قَبْلَهُ أَبَدًا انْتَهَى أَقُولُ وَمِثْلُهُ لِلْعُلَمَاءِ وَالْمَشَايِخِ بَلْ كُلُّ مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ وَهُدًى ثُمَّ قَالَ الْمُنَاوِيُّ أَيْضًا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ.

(تَنْبِيهٌ) عُلِمَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَحَدِيثِ «مَنْ دَعَا إلَى هُدًى» أَنَّ كُلَّ أَجْرٍ حَصَلَ لِلدَّالِّ وَالدَّاعِي حَصَلَ لِلْمُصْطَفَى مِثْلُهُ زِيَادَةً عَلَى مَا لَهُ مِنْ الْأَجْرِ الْخَاصِّ مِنْ نَفْسِهِ عَلَى دَلَالَتِهِ وَهِدَايَتِهِ لِلْمُهْتَدِي وَعَلَى مَا لَهُ مِنْ الْأُجُورِ عَلَى حَسَنَاتِهِ الْخَاصَّةِ مِنْ الْأَعْمَالِ وَالْمَعَارِفِ وَالْأُجُورِ الَّتِي لَا تَصِلُ جَمِيعُ الْأُمَّةِ إلَى عَرْفِ نَشْرِهَا وَلَا يَبْلُغُونَ عُشْرَ عُشْرِهَا وَهَكَذَا نَقُولُ إنَّ حَسَنَاتِنَا وَأَعْمَالَنَا الصَّالِحَةَ وَعِبَادَاتِ كُلِّ مُسْلِمٍ مُسَطَّرَةٌ فِي صُحُفِ نَبِيِّنَا زِيَادَةً عَلَى مَا لَهُ مِنْ الْأَجْرِ وَيَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْأُجُورِ بِعَدَدِ أُمَّتِهِ أَضْعَافٌ مُضَاعَفَةٌ لَا تُحْصَى وَيَقْصُرُ الْعَقْلُ عَنْ إدْرَاكِهَا لِأَنَّ كُلَّ مُهْتَدٍ وَدَالٍّ وَعَالِمٍ يَحْصُلُ لَهُ أَجْرٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَيَتَجَدَّدُ لِشَيْخِهِ فِي الْهِدَايَةِ مِثْلُ ذَلِكَ الْأَجْرِ.

وَلِشَيْخِ شَيْخِهِ مِثْلَاهُ وَلِلشَّيْخِ الثَّالِثِ أَرْبَعَةٌ وَالرَّابِعِ ثَمَانِيَةٌ وَهَكَذَا يُضَاعَفُ فِي كُلِّ مَرْتَبَةٍ بِعَدَدِ الْأُجُورِ الْحَاصِلَةِ قَبْلَهُ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى الْمُصْطَفَى إذَا فُرِضَتْ الْمَرَاتِبُ عَشْرًا بَعْدَ النَّبِيِّ كَانَ لِلنَّبِيِّ مِنْ الْأَجْرِ أَلْفٌ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ فَإِذَا اهْتَدَى بِالْعَاشِرَةِ حَادِيَ عَشَرَ صَارَ أَجْرُ النَّبِيِّ أَلْفَيْنِ وَثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ وَهَكَذَا كُلَّمَا زَادَ وَاحِدٌ يَتَضَاعَفُ مَا كَانَ قَبْلَهُ أَبَدًا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَحْصُرُهُ إلَّا اللَّهُ فَكَيْفَ إذَا أُخِذَ مَعَ كَثْرَةِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ عَصْرٍ وَاحِدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ بِعَدَدِ الْأُجُورِ الَّتِي تَرَتَّبَتْ عَلَى فِعْلِهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَكُلُّ مَا يَحْصُلُ لِجَمِيعِ الصَّحَابَةِ حَاصِلٌ بِجُمْلَتِهِ لِلنَّبِيِّ وَبِهِ يَظْهَرُ رُجْحَانُ السَّلَفِ عَلَى الْخَلَفِ وَأَنَّهُ كُلَّمَا ازْدَادَ الْخَلَفُ ازْدَادَ أَجْرُ السَّلَفِ وَتَضَاعَفَ وَمَنْ تَأَمَّلَ هَذَا الْمَعْنَى وَرُزِقَ التَّوْفِيقَ انْبَعَثَتْ هِمَّتُهُ إلَى التَّعْلِيمِ وَرَغِبَ فِي نَشْرِ الْعِلْمِ لِيُضَاعَفَ أَجْرُهُ فِي الْحَيَاةِ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ عَلَى الدَّوَامِ وَيَكُفُّ عَنْ إحْدَاثِ الْبِدَعِ وَالْمَظَالِمِ فَإِنَّهَا تُضَاعَفُ عَلَيْهِ السَّيِّئَاتُ بِالطَّرِيقِ الْمَذْكُورِ مَا دَامَ يَعْمَلُ بِهَا عَامِلٌ فَلْيَتَأَمَّلْ الْمُسْلِمُ هَذَا الْمَعْنَى وَسَعَادَةَ الدَّالِّ عَلَى الْخَيْرِ وَشَقَاوَةَ الدَّالِّ عَلَى الشَّرِّ.

وَقَدْ مَرَّ بَعْضُ هَذَا فِي حَدِيثِ مَنْ دَعَا انْتَهَى أَقُولُ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِي حَدِيثِ «مَنْ سَنَّ سُنَّةً» وَلَا يَخْفَى أَنَّ الشَّفَاعَةَ الْحَسَنَةَ وَالسَّيِّئَةَ مُلْحَقَتَانِ بِهَا.

(خ م عَنْ أَبِي مُوسَى - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» هَكَذَا فِي النُّسَخِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ «جَالِسًا فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْأَلُ» شَيْئًا مِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ «فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ» الشَّرِيفِ الْمُبَارَكِ قَبْلَ الْجَوَابِ لِلسَّائِلِ.

«وَقَالَ اشْفَعُوا» لِأَرْبَابِ الْحَوَائِجِ الْمُبَاحَةِ كَدَفْعِ ظُلْمٍ وَتَخْلِيصِ عَطَاءٍ وَنَحْوِهِمَا وَكَذَا فِي الْعَفْوِ عَنْ ذَنْبٍ لَيْسَ فِيهِ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمُذْنِبُ مُصِرًّا وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ لِيَرْتَدِعَ عَنْ الذَّنْبِ وَالْإِصْرَارِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ اشْفَعُوا فِي قَضَاءِ حَوَائِجِ أَخِيكُمْ «تُؤْجَرُوا» بِمُجَرَّدِ الشَّفَاعَةِ قُبِلَتْ أَوْ لَا بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى الْقَبُولِ «وَيَقْضِي اللَّهُ» يَحْكُمُ «عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ»

<<  <  ج: ص:  >  >>