للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(طكط عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - يَرْفَعُهُ «مَا مِنْ رَجُلٍ وَلِيَ عَشَرَةً إلَّا أُتِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَغْلُولَةً يَدُهُ إلَى عُنُقِهِ حَتَّى يَقْضِيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ» أَيْ بَيْنَ مَنْ ظَلَمَهُمْ مِنْ الْعِبَادِ وَعَنْ التِّرْمِذِيِّ وَأَبِي دَاوُد أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ مَنْ وَلَّاهُ اللَّهُ شَيْئًا مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ احْتَجَبَ اللَّهُ عَنْهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَفَقْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» .

وَفِي قَمْعِ النُّفُوسِ قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - لِأَبِي ذَرٍّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - حَدِّثْنِي بِحَدِيثٍ سَمِعْته مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ سَمِعْته يَقُولُ «يُجَاءُ بِالْوَالِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنْبَذُ بِهِ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ فَيَرْتَجُّ بِهِ الْجِسْرُ ارْتِجَاجَةً لَا يَبْقَى مِنْهُ مِفْصَلٌ إلَّا زَالَ عَنْ مَكَانِهِ فَإِنْ كَانَ مُطِيعًا فِي عِلْمِهِ مَضَى وَإِنْ كَانَ عَاصِيًا انْحَرَفَ بِهِ الْجِسْرُ فَهَوَى بِهِ إلَى نَارِ جَهَنَّمَ مِقْدَارَ خَمْسِينَ عَامًا» فَقَالَ عُمَرُ مَنْ يَطْلُبُ الْعَمَلَ بَعْدَ هَذَا يَا أَبَا ذَرٍّ فَقَالَ مَنْ سَلَتْ نَفْسَهُ وَأَلْصَقَ خَدَّهُ بِالتُّرَابِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ انْتَهَى.

وَفِي قَمْعِ النُّفُوسِ أَيْضًا قَالَ الْمَنْصُورُ لِشُعَيْبٍ عِظْنِي فَقَرَأَ عَلَيْهِ {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} [الفجر: ١٤] فَاتَّقِ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُ لَا يُعْمَلُ فِي بَابِكَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ وَأَنْتَ مَسْئُولٌ عَمَّا اجْتَرَحُوا فَلَا تُصْلِحْ دُنْيَاك بِفَسَادِ آخِرَتِك فَبَكَى فَقَالَ لَهُ عَالِمٌ أَعْمَيْت الْأَمِيرَ فَقَالَ وَيْلُك مَا كَفَاك أَنْ كَتَمْت عَنْهُ النَّصِيحَةَ حَتَّى أَرَدْت أَنْ تَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ يَنْصَحُهُ اتَّقِ اللَّهَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنْ هَؤُلَاءِ اتَّخَذُوك سُلَّمًا إلَى شَهَوَاتِهِمْ وَلَنْ يُغْنُوا عَنْك مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَفِي حَدِيثِ الْجَامِعِ عَجَّ حَجَرٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى أَيْ رَفَعَ صَوْتَهُ مُتَضَرِّعًا فَقَالَ إلَهِي وَسَيِّدِي عَبَّدْتُك كَذَا وَكَذَا سَنَةً ثُمَّ جَعَلَتْنِي فِي أُسِّ كَنِيفٍ فَقَالَ أَوْ مَا تَرْضَى أَنْ عَدَلْت بِك عَنْ مَجَالِسِ الْقُضَاةِ أَيْ الْقُضَاةِ السُّوءِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ حَقِيقِيٌّ لِقُدْرَتِهِ تَعَالَى عَلَيْهِ وَالنُّصُوصُ مَحْمُولَةٌ عَلَى ظَوَاهِرِهَا وَقِيلَ مَجَازٌ عَلَى سَبِيلِ الْكِنَايَةِ وَضَرْبِ الْأَمْثَالِ وَمَثَلُ الْعَالِمِ مَثَلُ الْقَاضِي بَلْ أَشَدُّ وَفِي خَبَرِ الدَّيْلَمِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا «اشْتَكَتْ النَّوَاوِيسُ إلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ يَا رَبِّ إنَّهُ لَا يَلْقَى فِينَا إلَّا مُشْرِكٌ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهَا أَنْ اصْبِرِي كَمَا صَبَرَتْ دَكَاكِينُ الْقُضَاةِ عَلَى الزُّورِ» .

وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ شَكَتْ النَّوَاوِيسُ نَتْنَ مَا تَجِدُ مِنْ رِيحِ الْكُفَّارِ فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهَا: بُطُونُ عُلَمَاءِ السُّوءِ أَنْتَنُ مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ كَذَا فِي الْفَيْضِ ثُمَّ قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَكَوْنُ تَرْكِهِمَا) أَيْ الْإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ (عَزِيمَةٌ إذَا وَجَدَ مَنْ يَصْلُحُ لَهُمَا غَيْرُهُ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِلَا حَاجَةٍ إلَيْهِ (وَإِلَّا فَعَلَيْهِ الْقَبُولُ) حَتْمًا (لِأَنَّهُمَا فَرْضَا كِفَايَةٍ) تَعَيَّنَ هُوَ لَهُمَا قِيلَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ إنْ تَعَيَّنَ وَفَرْضُ كِفَايَةٍ لِلْمُتَأَهِّلِ عِنْدَ وُجُودِ غَيْرِهِ لَكِنَّهُ رُخْصَةٌ وَمَكْرُوهٌ عِنْدَ خَوْفِ الْعَجْزِ وَالْجَوْرِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ حَرَامًا عِنْدَ غَلَبَةِ ظَنِّهِ أَنَّهُ يَجُورُ وَمُبَاحٌ كَمَا قَدَّمْنَا فَفِيهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ انْتَهَى قِيلَ أَقُولُ فِي كَوْنِهِ فَرْضَ عَيْنٍ نَظَرٌ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَشْتَرِطُوا الْعِلْمَ فِي الْقَاضِي فَضْلًا عَنْ الِاجْتِهَادِ وَقَالُوا لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ الْقَضَاءِ بِفَتْوَى غَيْرِهِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فِي أَيِّ صُورَةٍ يَكُونُ مُتَعَيِّنًا فَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ أَنَّ الْعَالِيَ الْمَحْضَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْقَضَاءِ.

وَهَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُفْهَمَ مِنْ كَلَامِ الْأَئِمَّةِ الْمُجْتَهِدِينَ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّأَهُّلِ بِالْعِلْمِ وَالْفَهْمِ وَأَقَلُّهُ أَنْ يُحْسِنَ الْحَوَادِثَ وَالْمَسَائِلَ الدَّقِيقَةَ وَأَنْ يَعْرِفَ طُرُقَ تَحْصِيلِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَصُدُورِ الْمَشَايِخِ وَكَيْفِيَّةَ الْإِيرَادِ وَالْإِصْدَارِ فِي الْوَقَائِعِ وَالدَّعَاوَى وَالْحُجَجِ وَتَوَابِعِ ذَلِكَ وَلَوَازِمِهِ وَأَنْ يَكُونَ لَهُ فِي نَفْسِهِ تَحْشِيمٌ وَمَوْقِعٌ مَا فِي النُّفُوسِ وَإِلَّا فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ إلَى مُجْتَهِدٍ فَضْلًا عَنْ إمَامِ الْأَئِمَّةِ وَتَجْوِيزُ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ الَّتِي هِيَ أَشْرَفُ مَنَاصِبِ الْإِسْلَامِ بَعْدَ مَنْصِبِ الْإِمَامَةِ إلَى بَعْضِ السُّوقَةِ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ صِغَارَ الْأُمُورِ الْمَعَاشِيَّةِ فَضْلًا عَنْ كِبَارِهَا قَالَ فِي الْمُخْتَارِ الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مُجْتَهِدًا فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَيَجِبْ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ مَوْثُوقًا بِهِ فِي دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ وَعَقْلِهِ وَفَهْمِهِ عَالِمًا بِالْفِقْهِ وَالسُّنَّةِ وَكَذَلِكَ الْمُفْتِي فَجَزَى اللَّهُ تَعَالَى عَنَّا أَئِمَّتَنَا خَيْرًا انْتَهَى.

[السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ سُؤَالُ تَوْلِيَةِ الْأَوْقَافِ]

(السَّادِسُ وَالْأَرْبَعُونَ سُؤَالُ تَوْلِيَةِ الْأَوْقَافِ) وَكَذَا الشَّفَاعَةُ الِاسْتِشْفَاعُ لَهَا فَإِنَّ لِلْوَسَائِلِ أَحْكَامَ الْمَقَاصِدِ (فَهُوَ كَسُؤَالِ الْقَضَاءِ) فِي الرُّخْصَةِ وَالْعَزِيمَةِ وَالْحُرْمَةِ (قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ) صَاحِبُ فَتْحِ الْقَدِيرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>