للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْأَوَّلُ يُنَاسِبُ الْمُعَانِدَ وَالثَّانِي يُلَائِمُ الْجَاهِلَ {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ} [آل عمران: ٧] الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ {إِلا اللَّهُ} [آل عمران: ٧] {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} [آل عمران: ٧] الَّذِينَ ثَبَتُوا وَتَمَكَّنُوا فِيهِ وَاخْتُلِفَ فِي الْوَقْفِ عَلَى الْجَلَالَةِ فَمَنْ وَقَفَ مَنَعَ التَّأْوِيلَ وَمِنْ وَصَلَ أَجَازَهُ كَمَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَا مِنْ الرَّاسِخِينَ الَّذِينَ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَهُ وَالتَّفْصِيلُ فِي الْأُصُولِ وَقَدْ سَبَقَ يَقُولُونَ آمَنَّا خَبَرُ الرَّاسِخُونَ عَلَى الثَّانِي وَحَالٌ وَاسْتِئْنَافٌ عَلَى الْأَوَّلِ وَهَذَا مُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ (الْآيَةَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ إنَّمَا نَزَلَ حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ التَّفْسِيرُ) فِي غَيْرِ الْمَسْمُوعِ (لَا يَكُونُ حُجَّةً بَالِغَةً) إلَى دَرَجَةِ الْكَمَالِ فِي الْحُجِّيَّةِ لِأَنَّ مَا فَسَّرَهُ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَلُّ قَلِيلٍ

(فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ لِمَنْ يَعْرِفُ لُغَاتِ الْعَرَبِ) كَمَعَانِي الْمُفْرَدَاتِ وَالْمُرَكَّبَاتِ كَمَا بِمَتْنِ اللُّغَةِ وَسَائِرِ عُلُومِ الْعَرَبِيَّةِ (وَعَرَفَ شَأْنَ النُّزُولِ) أَيْ قَالَ فِي الْإِتْقَانِ زَعَمَ أَنَّهُ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ لِجَرَيَانِهِ مَجْرَى التَّارِيخِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ فَوَائِدَ كَمَعْرِفَةِ وُجُوهِ الْحِكْمَةِ الْبَاعِثَةِ عَلَى تَشْرِيعِ الْأَحْكَامِ وَتَخْصِيصِ الْحُكْمِ بِهِ عِنْدَ مَنْ يَرَى كَوْنَ الْعِبْرَةِ بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَالْوُقُوفِ عَلَى الْمَعْنَى وَإِزَالَةِ الْإِشْكَالِ وَعَنْ الْوَاحِدِيِّ لَا يُمْكِنُ مَعْرِفَةُ تَفْسِيرِ الْآيَةِ دُونَ الْوُقُوفِ عَلَى قِصَّتِهَا وَبَيَانِ نُزُولِهَا وَقَدْ عَرَفْت تَفْصِيلَهُ (أَنْ يُفَسِّرَهُ) لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَهُ جَوَازُ التَّفْسِيرِ لِكُلِّ مَنْ يَعْرِفُ اللُّغَةَ وَسَبَبَ النُّزُولِ لِأَيِّ آيَةٍ سِوَى الْمُتَشَابِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ ذَلِكَ لِمَا تَكُونُ دَلَالَتُهُ وَاضِحَةً كَأَقْسَامِ اللَّفْظِ مِنْ حَيْثُ الظُّهُورُ وَأَمَّا مَا تَكُونُ دَلَالَتُهُ خَفِيَّةً كَأَقْسَامِهِ مِنْ حَيْثُ الْخَفَاءُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْعُلُومِ الْمَذْكُورَةِ وَيَخْتَصُّ بِالْمُجْتَهِدِ (وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ وَلَمْ يَعْرِفْ وُجُوهَ اللُّغَةِ) فَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ مَعْرِفَتِهَا بِالْوَجْهِ الْوَاحِدِ (لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفَسِّرَهُ إلَّا مِقْدَارَ مَا سَمِعَ) بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ (فَيَكُونُ ذَلِكَ) الْمَذْكُورُ مِنْهُ (عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ) مِمَّنْ يَعْرِفُ لَعَلَّ مِنْهُ مَا وَقَعَ فِي كُتُبِ التَّفَاسِيرِ (لَا عَلَى سَبِيلِ التَّفْسِيرِ انْتَهَى أَقُولُ وَمِنْ جُمْلَةِ مَحْمَلِ النَّهْيِ) الْوَارِدِ فِي حَقِّ مَنْ يُفَسِّرُ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ (مَنْ لَمْ يَعْرِفْ النَّاسِخَ وَالْمَنْسُوخَ وَمَوَاضِعَ الْإِجْمَاعِ) لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُجْتَهِدِ وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ كَالْعَالِمِ الْعَامِّيِّ فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ رَأْيِ مَنْ قَلَّدَهُ (وَعَقَائِدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ فَيُفَسِّرُهُ عَلَى مُقْتَضَى الْعَرَبِيَّةِ فَلَا يَأْمَنُ مِنْ الْخَطَأِ) لِجَهْلِهِ بِمَا ذُكِرَ (فَلَا يُفِيدُ مُجَرَّدُ مَعْرِفَةِ وُجُوهِ اللُّغَةِ بَلْ لَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ مَعْرِفَةِ مَا ذَكَرْنَا) مِنْ مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ إلَخْ

وَأَنَا أَقُولُ لَا يَكْفِي مَا ذَكَرَهُ أَيْضًا بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْعُلُومِ الْمَذْكُورَةِ الْبَالِغَةِ إلَى خَمْسَةَ عَشَرَ قَالَ فِي الْمِفْتَاحِ اعْلَمْ أَنَّ عُلُومَ الْقُرْآنِ ثَلَاثَةٌ:

الْأَوَّلُ: مَا اسْتَأْثَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ كُنْهِ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ وَعِلْمِ الْغُيُوبِ.

وَالثَّانِي: مَا أَطْلَعَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ نَبِيَّهُ مِنْ أَسْرَارِ الْكِتَابِ وَاخْتَصَّهُ بِهِ وَالْأَوَّلُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ وَالثَّانِي لَا يَجُوزُ لِغَيْرِ النَّبِيِّ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ وَأَوَائِلُ السُّوَرِ قِيلَ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ وَقِيلَ مِنْ الْأَوَّلِ.

وَالثَّالِثُ: عَلَّمَهُ نَبِيَّهُ وَأَمَرَهُ بِتَعْلِيمِهِ وَهَذَا قِسْمَانِ مَا لَا يَجُوزُ بِدُونِ السَّمْعِ كَأَسْبَابِ النُّزُولِ وَالْقِرَاءَاتِ وَأَحْوَالِ حَشْرِ الْمَعَادِ وَمِنْهُ مَا يُؤْخَذُ بِالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَالِاسْتِنْبَاطِ مِنْ الْأَلْفَاظِ وَهُوَ قِسْمَانِ: قِسْمٌ اخْتَلَفُوا فِي جَوَازِهِ وَهُوَ تَأْوِيلُ الْمُتَشَابِهَاتِ فِي الصِّفَاتِ وَقِسْمٌ اتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَهُوَ اسْتِنْبَاطُ الْأَحْكَامِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْفَرْعِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ وَكَذَا فُنُونُ الْبَلَاغَةِ وَضُرُوبُ الْمَوَاعِظِ وَالْحِكَمُ وَالْإِشَارَاتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>