للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ (وَلَا أَمَارَةَ ظَاهِرَةٌ عَلَى الْحُرْمَةِ وَالنَّجَاسَةِ) وَلَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ تِلْكَ الْأَمَارَةِ لَا أَقَلَّ مِنْ الشُّبْهَةِ وَالْحَرَامُ يَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ لِأَنَّ مَنْ وَقَعَ فِي الشُّبْهَةِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ فَاللَّازِمُ هُوَ الِامْتِنَاعُ لَا السُّؤَالُ لَعَلَّ وَجْهَ السُّؤَالِ هُوَ كَوْنُ الْأَصْلِ فِي الْأَشْيَاءِ الْحِلَّ وَالطَّهَارَةَ وَالْأَصْلُ هُوَ حُسْنُ الظَّنِّ أَيْضًا نَعَمْ الْعَمَلُ بِغَالِبِ الرَّأْيِ جَائِزٌ فِي الدِّيَانَاتِ وَالْمُعَامَلَاتِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة فَافْهَمْ.

(كَمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا فَيَسْأَلَ مَالِكَهُ) أَهَذَا الشَّيْءُ مِلْكٌ لَك أَوْ غَصَبْت أَوْ سَرَقْت (وَهُوَ مَسْتُورٌ أَوْ يُهْدِيهِ رَجُلٌ مَسْتُورٌ) لَا يُعْرَفُ حَالُهُ مِنْ الْعَدَالَةِ وَالْفِسْقِ وَحِلِّ مَا فِي يَدِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ وَأَمَّا مَنْ هُوَ مُتَّهَمٌ بِالْخِيَانَةِ فَلَا بَأْسَ حِينَئِذٍ (أَوْ يَدْعُوهُ إلَى ضِيَافَةٍ فَيَسْأَلُ عَنْ حِلِّ الْهَدِيَّةِ وَالطَّعَامِ أَوْ يَأْتِي لَهُ بِمَاءٍ فِي كُوزٍ لِيَشْرَبَ أَوْ يَتَوَضَّأَ أَوْ يَفْرِشُ لَهُ ثَوْبًا أَوْ سَجَّادَةً لِيُصَلِّيَ وَلَيْسَ فِيهِ عَلَامَةُ نَجَاسَةٍ فَيَسْأَلُ عَنْ طَهَارَتِهِ فَهَذَا أَذًى لَهُ وَسُوءُ ظَنٍّ أَوْ رِيَاءٌ أَوْ عُجْبٌ أَوْ جَهْلٌ وَتَجَسُّسٌ) حَرَامٌ (وَبِدْعَةٌ) قَبِيحَةٌ لَا يَلِيقُ ارْتِكَابُهُ لِلْمُسْلِمِ (فَعَلَيْك) أَيُّهَا السَّالِكُ (الِاعْتِمَادَ عَلَى الظَّاهِرِ) وَلَا تَتَعَمَّقْ (كَمَا اعْتَمَدَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -) لَكِنْ يَشْكُلُ أَنَّ الْأَحْكَامَ قَدْ تَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ الزَّمَانِ كَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ فَإِنَّ زَمَانَهُمْ زَمَانُ الصَّلَاحِ وَالِاسْتِقَامَةِ وَزَمَانَنَا هُوَ زَمَانُ الْفِسْقِ وَالِاعْوِجَاجِ وَلِذَا قَالُوا إنَّ إغْلَاقَ بَابِ الْمَسْجِدِ لَا يَجُوزُ فِي زَمَانِهِمْ وَيَجِبُ فِي زَمَانِنَا (فَإِنَّ الْيَدَ دَلِيلُ الْمِلْكِ) وَالْعُدْوَانَ خِلَافُ الْأَصْلِ (وَإِنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَشْيَاءِ الْحِلُّ وَالطَّهَارَةُ) فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَإِلَّا فَوَسْوَاسٌ لَا وَرَعٌ (وَالْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ) لَكِنَّ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ لَيْسَتْ بِكُلِّيَّةٍ لِتَخَلُّفِهَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ كَمَا فَصَّلَ فِي الْأَشْبَاهِ وَفِيهِ أَيْضًا الشَّكُّ تَسَاوِي الطَّرَفَيْنِ وَالظَّنُّ الطَّرَفُ الرَّاجِحُ وَهُوَ تَرْجِيحُ جَانِبِ الصَّوَابِ وَالْوَهْمُ رُجْحَانُ جِهَةِ الْخَطَأِ.

وَأَمَّا أَكْبَرُ الرَّأْيِ وَغَالِبُ الظَّنِّ فَهُوَ الطَّرَفُ الرَّاجِحُ إذَا أَخَذَ بِهِ الْقَلْبُ وَالظَّنُّ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ مِنْ قَبِيلِ الشَّكِّ لِأَنَّهُمْ يُرِيدُونَ بِهِ التَّرَدُّدَ بَيْنَ وُجُودِ الشَّيْءِ وَعَدَمِهِ سَوَاءً اسْتَوَيَا أَوْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا وَغَالِبُ الظَّنِّ مُلْحَقٌ بِالْيَقِينِ وَالْغَالِبُ كَالْمُتَحَقِّقِ عِنْدَهُمْ (وَسَيَجِيءُ لِهَذَا زِيَادَةُ تَفْصِيلٍ فِي الْبَابِ الثَّالِثِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى) .

<<  <  ج: ص:  >  >>