للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَنَّ الْمَادِحَ وَإِنْ جَزَمَ بِوُجُودِ مَا مَدَحَهُ فِي الْمَمْدُوحِ لَا يَقُولُ فِي مَدْحِهِ عَلَى وَجْهِ الْيَقِينِ لِئَلَّا يَغْتَرَّ الْمَمْدُوحُ وَإِنْ لَمْ يَجْزِمْ لَا يَمْدَحُ.

(م عَنْ) (الْمِقْدَادِ) بْنِ الْأَسْوَدِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ «إذَا رَأَيْتُمْ الْمَدَّاحِينَ» الَّذِينَ صِنَاعَتُهُمْ الثَّنَاءُ عَلَى النَّاسِ وَالْمَدْحُ «فَاحْثُوا» فَارْمُوا «فِي وُجُوهِهِمْ التُّرَابَ» وَالْمُرَادُ زَجْرُ الْمَادِحِ وَالْحَثُّ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ الْمَدْحِ لِإِيرَاثِهِ الْغُرُورَ وَالتَّكَبُّرَ أَوْ مَعْنَاهُ أَعْطُوهُمْ قَلِيلًا يُشْبِهُ التُّرَابَ لِقِلَّتِهِ وَخِسَّتِهِ أَوْ اقْطَعُوا أَلْسِنَتَهُمْ بِالْمَالِ فَإِنَّهُ شَيْءٌ حَقِيرٌ كَالتُّرَابِ وَهَذَا يُؤْذِنُ بِذَمِّ الِاحْتِرَافِ بِالشِّعْرِ فَلَا تُوَاخِ شَاعِرًا فَإِنَّهُ يَمْدَحُك بِثَمَنٍ وَيَهْجُوك مَجَّانًا قَالَ بَعْضُهُمْ

الْكَلْبُ وَالشَّاعِرُ فِي مَنْزِلٍ ... فَلَيْتَ أَنِّي لَمْ أَكُنْ شَاعِرًا

هَلْ هُوَ إلَّا بَاسِطٌ كَفَّهُ ... يَسْتَطْعِمُ الْوَارِدَ وَالصَّادِرَا

(برك) ابْنُ الْمُبَارَكِ.

(عَنْ يَحْيَى بْنِ جَابِرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا مَدَحْت أَخَاك فِي وَجْهِهِ فَكَأَنَّمَا أَمْرَرْت عَلَى حَلْقِهِ مُوسًى» هُوَ آلَةُ الْحَلْقِ «رَمِيضًا» حَادًّا يَعْنِي: سِكِّينًا حَادًّا لِأَنَّهُ يُحْدِثُ فِي الْمَمْدُوحِ كِبْرًا أَوْ عُجْبًا وَغُرُورًا غَالِبًا فَكَأَنَّهُ يُمِيتُهُ وَيُهْلِكُهُ وَعَلَى هَذَا الرَّابِعِ حُمِلَ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَعْلَمُوا مَا لِلْعَبْدِ عِنْدَ رَبِّهِ فَانْظُرُوا مَا يَتْبَعُهُ مِنْ الثَّنَاءِ» لِأَنَّهُ قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي شَرْحِهِ فَإِذَا ذَكَرَهُ أَهْلُ الصَّلَاحِ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ بِشَيْءٍ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ أَجْرَى عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مَا لَهُ عِنْدَهُ فَإِنَّهُمْ يَنْطِقُونَ بِإِلْهَامِهِ تَعَالَى كَمَا يُفِيدُ أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَتَكَلَّمَ عَلَى أَلْسِنَةِ بَنِي آدَمَ بِمَا فِي الْعَبْدِ مِنْ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَإِنْ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَلَا يَعْجَبُ بَلْ يَكُونُ خَائِفًا مِنْ مَكْرِهِ الْخَفِيِّ وَإِنْ كَانَ شَرًّا فَلْيُبَادِرْ بِالتَّوْبَةِ وَيَقْرَبُ إلَيْهِ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «إذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا قَذَفَ حُبَّهُ فِي قُلُوبِ الْمَلَائِكَةِ وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا قَذَفَ بُغْضَهُ فِي قُلُوبِ الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ يَقْذِفُهُ أَيْ الْحُبَّ وَالْبُغْضَ فِي قُلُوبِ الْآدَمِيِّينَ» .

(وَالْخَامِسُ أَنْ لَا يَكُونَ الْمَدْحُ لِغَرَضٍ حَرَامٍ أَوْ مُفْضِيًا إلَى فَسَادٍ مِثْلَ مَدْحِ حُسْنِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الْمُرْدِ وَالنِّسَاءِ بَيْنَ الْأَجَانِبِ لِتَحْرِيكِ الشَّهْوَةِ فِيهِمْ وَحَثِّهِمْ إلَى اللِّوَاطَةِ وَالزِّنَا) وَالْأَوَّلُ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِلثَّانِي أَوْ تَلَذُّذِ النَّفْسِ وَتَطْيِيبِ الْمَجْلِسِ بِهِ وَإِضْحَاكِهِمْ وَمِثْلُ مَدْحِ امْرَأَةٍ لِزَوْجِهَا أَجْنَبِيَّةً.

وَقَدْ مَرَّ فِي (حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ) مَرْفُوعًا «لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ تَنْعَتُهَا لِزَوْجِهَا» (وَمِثْلُ مَدْحِ الْأُمَرَاءِ وَالْقُضَاةِ لِيَتَوَسَّلَ بِهِ) بِمَدْحِ الْمَمْدُوحِ (إلَى الْمَالِ الْحَرَامِ) الْمُجَازَى بِهِ مِنْهُمْ (أَوْ التَّسَلُّطِ عَلَى النَّاسِ) بِالْقُرْبِ مِنْ الظَّلَمَةِ (وَظُلْمِهِمْ) أَيْ النَّاسِ (وَنَحْوِ ذَلِكَ) مِنْ الْأَعْرَاضِ وَالْأَغْرَاضِ الْمَمْنُوعَةِ شَرْعًا

<<  <  ج: ص:  >  >>