للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِتَخْلِيَتِهِ عَنْ جَمِيعِ الرَّذَائِلِ وَتَحْلِيَتِهِ بِحُسْنِ الشَّمَائِلِ، وَاللِّسَانُ بِحِفْظِهِ عَنْ الْهَفَوَاتِ وَالْآفَاتِ الْمَرْوِيَّةِ وَتَعَوُّدِهِ بِمَا يُوجِبُ مَرْضَاةَ رَبِّ الْبَرِّيَّةِ قِيلَ أَوَّلُ مَنْ قَالَ هَذَا مُعَيْدِيٌّ مَنْسُوبٌ إلَى مُعَيْدٍ تَصْغِيرُ مَعْدٍ عَلَى طَرِيقِ التَّرْخِيمِ وَأَصْلُهُ أَنَّ الْمُنْذِرَ سَمِعَ بِالْمُعَيْدِيِّ وَأَعْجَبَهُ مَا يَبْلُغُهُ عَنْهُ فَلَمَّا رَآهُ اسْتَحْقَرَهُ وَقَالَ " تَسْمَعُ بِالْمُعَيْدِيِّ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَرَاهُ " فَقَالَ إنَّ الرِّجَالَ لَيْسُوا بِجُزُرٍ إنَّمَا الْمَرْءُ بِأَصْغَرَيْهِ لِسَانِهِ وَقَلْبِهِ إنْ قَالَ قَالَ بِلِسَانِهِ وَإِنْ قَاتَلَ قَاتَلَ بِجَنَانِهِ فَأَعْجَبَ الْمُنْذِرَ كَلَامُهُ قِيلَ هَكَذَا ذَكَرَهُ سَيِّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَقَدْ جَاءَ أَنَّ لُقْمَانَ سَأَلَهُ أُسْتَاذُهُ عَنْ أَطْيَبِ مَا فِي الْحَيَوَانِ فَجَاءَ بِلِسَانِ شَاةٍ وَقَلْبِهَا ثُمَّ سَأَلَهُ عَنْ أَخْبَثِهِ فَجَاءَ بِهِمَا فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ هُمَا أَطْيَبُ مَا فِيهِ إذَا طَابَ وَأَخْبَثُ مَا فِيهِ إذَا خَبُثَ (وَهُمَا) أَيْ الْقَلْبُ وَاللِّسَانُ (أَكْثَرُ مَجَارِي التَّقْوَى فَلِذَا كَثُرَ اهْتِمَامُ السَّلَفِ) مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ (بِهِمَا مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ وَقَدْ فَصَّلْنَاهُمَا بَعْضَ التَّفْصِيلِ) يَعْنِي لَا تَظُنَّ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْكِتَابِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا تَفْصِيلٌ مُمِلٌّ بَلْ مَا ذَكَرْنَا بِالنِّسْبَةِ إلَى اقْتِضَاءِ الْحَالِ أَقَلُّ قَلِيلٍ كَمَا يُنْبِئُ عَنْهُ قَوْلُهُ (وَإِنْ كَانَ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُقْتَضَى الْحَاجَةِ غَايَةَ الْإِيجَازِ) وَنِهَايَةَ الِاخْتِصَارِ، يَرِدُ أَنَّ مَا يَكُونُ غَايَةَ الْإِيجَازِ يَكُونُ مُخِلًّا لِلْمَقْصُودِ فَيَلْزَمُ عَدَمُ الِانْتِفَاعِ مِنْهُ وَأَيْضًا يُنَافِي قَوْلَهُ بَعْضَ التَّفْصِيلِ إذْ مَا يَكُونُ غَايَةَ إيجَازٍ لَا يَكُونُ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ التَّفْصِيلِ لَعَلَّ الْمُرَادَ أَنَّهُ غَايَةُ إيجَازٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَاجَةِ الْكَامِلَةِ كَإِحْيَاءِ الْعُلُومِ وَبَعْضُ تَفْصِيلٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْحَاجَةِ فِي الْجُمْلَةِ وَأَنَّ الْمَقَامَ خَطَابِيٌّ بَلْ شِعْرِيٌّ لَا بُرْهَانِيٌّ فَلَا يُعْبَأُ بِمِثْلِ مَا ذَكَرْنَا (فَعَلَيْك أَيُّهَا السَّالِكُ بِصِيَانَةِ اللِّسَانِ عَنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْآفَاتِ) حَتَّى لَا يَصْدُرَ عَنْك شَيْءٌ مِنْهَا (إذْ لَا تَقْوَى بِدُونِهَا) أَيْ بِدُونِ صِيَانَةِ اللِّسَانِ وَإِنْ كَانَ وُجُودُهَا يَتَوَقَّفُ عَلَى غَيْرِهَا (وَخُصُوصًا) كَلِمَةَ (الْكُفْرِ وَقَرِينَيْهِ) وَهُمَا خَوْفُ الْكُفْرِ وَالْخَطَأِ (وَالْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ أَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ فَحَالُهَا ظَاهِرٌ) أَيْ الْكُفْرِ وَقَرِينَيْهِ أَيْ خَوْفِهِ وَالْخَطَأِ (وَأَمَّا الْكَذِبُ وَالْغِيبَةُ فَهُمَا فِي آفَاتِ اللِّسَانِ كَالرِّيَاءِ وَالْكِبْرِ فِي آفَاتِ الْقَلْبِ) فِي أَنَّهَا أُمَّهَاتُ الْخَبَائِثِ وَمَنْبَعُ الرَّذَائِلِ (فَكَمَا أَنَّ مَنْ نَجَا مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْكِبْرِ وَالرِّيَاءِ (بَعْدَ النَّجَاةِ مِنْ الْكُفْرِ وَالْبِدْعَةِ يُرْجَى أَنْ يَنْجُوَ مِنْ سَائِرِ آفَاتِ الْقَلْبِ كَمَا ذَكَرْنَا سَابِقًا فَكَذَلِكَ يُرْجَى هَاهُنَا) أَيْضًا أَنَّ مَنْ نَجَا مِنْ الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ بِالْكُلِّيَّةِ بَعْدَ النَّجَاةِ مِنْ تَلَفُّظِ الْكُفْرِ وَقَرِينَيْهِ (أَنْ يَنْجُوَ مِنْ سَائِرِ آفَاتِ اللِّسَانِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ) وَإِنَّمَا قَالَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ النَّجَاةَ مِنْ سَائِرِ الْآفَاتِ أَصْعَبُ وَأَنَّ النَّجَاةَ مِنْهُمَا تَحْتَاجُ إلَى تَيْسِيرٍ وَتَوْفِيقٍ إلَهِيٍّ (فَلِذَا) أَيْ فَلِكَوْنِ النَّجَاةِ مِنْهُمَا مَظِنَّةَ النَّجَاةِ مِنْ غَيْرِهِمَا (وَرَدَ فِيهِمَا) فِي الْكَذِبِ وَالْغِيبَةِ (مِنْ الْأَخْبَارِ) النَّبَوِيَّةِ (وَالْآثَارِ) السَّلَفِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الصِّنْفِ الثَّالِثِ لَعَلَّك قَدْ سَمِعْت أَنَّ مَذْهَبَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ قَدْ يُحْتَجُّ بِهِمَا لَا سِيَّمَا فِي الْفَضَائِلِ وَفِي تَأْيِيدِ النَّصِّ وَأَنَّ الشُّبُهَاتِ كَافِيَةٌ فِي ثُبُوتِ الْحَظَارَاتِ (وَالِاهْتِمَامِ مِنْ السَّلَفِ مَا لَمْ يَرِدْ فِي غَيْرِهِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ) وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأُمَرَاءِ لَكِنَّهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>