للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ» أَيْ أَلْبَتَّةَ وَمَا يَلْزَمُهُ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ عَدَمُ نَفْعِ الْفِرَارِ مِنْ الزِّنَا حِينَئِذٍ فَإِنَّ قَضَاءَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الْمَقْضِيِّ وَيَلْزَمُ كَوْنُ التَّكْلِيفِ بِالْفِرَارِ مِنْهُ عَبَثًا وَأَنْ لَا يُعَذَّبَ بِإِتْيَانِهِ لِكَوْنِهِ اضْطِرَارِيًّا فَقَدْ اسْتَوْفَى فِي الْكَلَامِيَّةِ حَاصِلُهُ أَنَّ الْقَضَاءَ كَالْإِرَادَةِ تَابِعٌ لِلْعِلْمِ وَالْعِلْمَ لِلْمَعْلُومِ، وَالْمَعْلُومُ إنَّمَا يَصْدُرُ بِالِاخْتِيَارِ نَعَمْ فِيهِ نَوْعُ جَبْرٍ وَلَكِنْ قَالُوا مَا مِنْ مَذْهَبٍ إلَّا فِيهِ قَدَمٌ رَاسِخٌ مِنْ الْجَبْرِ وَقَدْ نُقِلَ عَنْ السَّلَفِ لَا جَبْرَ وَلَا تَفْوِيضَ وَلَكِنْ مَرَّ بَيْنَهُمَا وَقَدْ سَبَقَ «فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا» تَفْصِيلٌ لِلزِّنَى «النَّظَرُ» لِمَا لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ ظَاهِرُهُ الْعُمُومُ لَكِنْ فِيهِ تَأَمُّلٌ «وَالْأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاسْتِمَاعُ» لِمَا يَحْرُمُ التَّكَلُّمُ بِهِ فَيَدْخُلُ التَّغَنِّي وَاللَّحْنُ وَالْكَذِبُ وَالْغِيبَةُ وَالْأَشْبَهُ اسْتِمَاعُ كَلَامِ شَابَّةٍ أَجْنَبِيَّةٍ بِلَا ضَرُورَةٍ «وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الْكَلَامُ» ظَاهِرُهُ مُطْلَقُ آفَاتِ اللِّسَانِ لَكِنَّ الْأَشْبَهَ أَيْضًا الْكَلَامُ مَعَ الشَّابَّةِ الْأَجْنَبِيَّةِ «وَالْيَدُ زِنَاهَا الْبَطْشُ» أَيْ بَطْشُ عُضْوٍ مِنْهَا أَيْ مِنْ أَعْضَائِهَا بِلَا ضَرُورَةٍ أَوْ مُطْلَقُ مَا لَا يَجُوزُ بَطْشُهُ «وَالرِّجْلُ زِنَاهَا الْخُطَى» بِضَمٍّ فَفَتْحٍ مَقْصُورًا جَمْعُ خُطْوَةٍ بِضَمٍّ وَسُكُونٍ يَعْنِي زِنَاهَا الْمَشْيُ إلَى مَا فِيهِ زِنًا أَوْ إلَى مُطْلَقِ مَا لَا يَجُوزُ مَشْيُهُ إلَيْهِ لَكِنْ عَرَفْت الْأَشْبَهَ وَالْأَقْرَبَ «وَالْقَلْبُ يَهْوَى» ذَلِكَ الْقَبِيحَ «وَيَتَمَنَّى» قِيلَ إنَّمَا غَيَّرَ الْأُسْلُوبَ إشَارَةً لِي أَنَّ مَا يَكُونُ مِنْ الْقَلْبِ مُجَرَّدُ التَّمَنِّي وَالْهَوَى لَا الزِّنَى فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُجَرَّدُ مَحَبَّةِ الْقَلْبِ بِدُونِ مَا ذُكِرَ مَكْرُوهًا تَنْزِيهًا وَلَا يَكُونُ زِنًا كَمَا يَكُونُ النَّظَرُ وَالِاسْتِمَاعُ أَقُولُ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ وَجْهُ التَّغْيِيرِ مَا ذَكَرَ الْحَنَفِيَّةُ مِنْ عَدَمِ الْمُؤَاخَذَةِ فِيمَنْ هَمَّ بِمَعْصِيَةٍ كَمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ «وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ» أَيْ مَا يَتَمَنَّاهُ الْقَلْبُ «الْفَرْجُ» بِأَنْ يَصْدُرَ مِنْهُ الزِّنَا «أَوْ يُكَذِّبُهُ» بِعَدَمِ صُدُورِهِ مِنْهُ قِيلَ هَذَا لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنَّ الْخَوَاصَّ مَعْصُومُونَ مِنْ الزِّنَا وَمُقَدَّمَاتِهِ أَقُولُ يَرُدُّ عَلَيْهِ صَدْرُ الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ

[اسْتِمَاعُ حَدِيثِ قَوْمٍ يَكْرَهُونَهُ]

(وَمِنْهَا) (اسْتِمَاعُ حَدِيثِ قَوْمٍ يَكْرَهُونَهُ) (إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي قَصْدِ إضْرَارِهِ) لِنَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَيَجُوزُ (وَقَدْ مَرَّ حَدِيثُ " خ " عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - عَنْ النَّبِيّ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «مَنْ تَحَلَّمَ بِحُلُمٍ» بِضَمَّتَيْنِ الرُّؤْيَا وَتَحَلَّمَ إذَا ادَّعَى ذَلِكَ حُلُمًا «لَمْ يَرَهُ كُلِّفَ أَنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيرَتَيْنِ وَلَمْ يَفْعَلْ» لِعَدَمِ إمْكَانِهِ فَالْأَمْرُ لِلتَّعْجِيزِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى - {فَأْتُوا بِسُورَةٍ} [البقرة: ٢٣] د - «وَمَنْ اسْتَمَعَ إلَى حَدِيثِ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ» أَيْ يَكْرَهُونَ اسْتِمَاعَهُ «صُبَّ» مَجْهُولٌ مَاضٍ ( «فِي أُذُنَيْهِ الْآنُكُ» وَهُوَ الْأُسْرُبُّ وَقِيلَ هُوَ الرَّصَاصُ الْأَبْيَضُ «يَوْمَ الْقِيَامَةِ» لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ لِلْأُذُنِ نَاسَبَ أَنْ تَكُونَ الْعُقُوبَةُ لَهَا لِأَنَّ جَزَاءَ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا ثُمَّ جُمْلَةُ صُبَّ إخْبَارٌ عَمَّا سَيَقَعُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ دُعَاءً عَلَيْهِ وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَصْلُ أَنَّ هَذَا الْوَعِيدَ فِي حَقِّ مَنْ يَسْتَمِعُ لِغَيْرِ غَرَضٍ شَرْعِيٍّ وَإِلَّا فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الِاسْتِمَاعَ لِدَفْعِ الْفَسَادِ أَوْ لِاحْتِرَازِ الشَّرِّ أَوْ لِلنَّصِيحَةِ جَائِزٌ بَلْ قَدْ يَجِبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>