للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّهُ لِنَبِيٍّ طُعْمَةً إلَّا جَعَلَهَا طُعْمَةً لِمَنْ بَعْدَهُ» . وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ عُثْمَانَ حَمَى وَاشْتُهِرَ، وَلَمْ يُنْكَرْ، فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ. وَحَدِيثُ: «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد أُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّهُ مَخْصُوصٌ بِمَا يَحْمِيه الْإِمَامُ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ يُفَارِقُ حِمَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ صَلَاحَهُ يَعُودُ إلَى صَلَاحِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَالَهُ كَانَ يَرُدُّهُ فِي الْمُسْلِمِينَ، فَفَارَقَ الْأَئِمَّةُ فِي ذَلِكَ، وَسَاوُوهُ فِيمَا كَانَ صَلَاحًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَلِهَذَا اُشْتُرِطَ فِي جَوَازِ الْحِمَى أَنْ لَا يَكُونَ فِي قَدْرٍ يُضَيِّقُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا جَازَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، وَلَيْسَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ إكْثَارُ الضَّرَرِ عَلَى أَكْثَرِ الْمُسْلِمِينَ فِي التَّضْيِيقِ عَلَيْهِمْ

(وَلَهُ) - أَيْ: الْإِمَامِ - إذَا حَمَى مَحِلًّا (نَقْضُ مَا حَمَاهُ) بِاجْتِهَادِهِ، (أَوْ) ؛ أَيْ: وَلَهُ نَقْضُ مَا حَمَاهُ (غَيْرُهُ مِنْ الْأَئِمَّةِ) ؛ لِأَنَّ حِمَى الْأَئِمَّةِ اجْتِهَادٌ فَيَجُوزُ نَقْضُهُ بِاجْتِهَادِ آخَرَ، وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَوْ أَحْيَاهُ إنْسَانٌ مَلَكَهُ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْأَرْضِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَالنَّصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاجْتِهَادِ.

قَالَ الْبُهُوتِيُّ: وَلَيْسَ هَذَا مِنْ نَقْضِ الِاجْتِهَادِ بِالِاجْتِهَادِ، بَلْ عَمَلٌ بِكُلٍّ مِنْ الِاجْتِهَادَيْنِ فِي مَحِلِّهِ كَالْحَادِثَةِ إذَا حَكَمَ فِيهَا قَاضٍ بِحُكْمٍ، ثُمَّ وَقَعَتْ مَرَّةً أُخْرَى، وَتَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ كَقَضَاءِ عُمَرَ فِي الْمُشْرِكَةِ.

وَ (لَا) يَنْقُضُ أَحَدٌ (مَا حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ نَقْضُهُ وَلَا تَغْيِيرُهُ، (وَلَا يُمْلَكُ) مَا حَمَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (بِإِحْيَاءٍ) وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي بَابِ صَيْدِ الْحَرَمَيْنِ وَنَبَاتِهِمَا مِنْ قَوْلِهِ وَجَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَوْلَ الْمَدِينَةِ اثْنَيْ عَشَرَ مِيلًا حِمًى - (وَلَوْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِ) - عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ " وَغَيْرِهِ.

(وَكَانَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ) دُونَ غَيْرِهِ (أَنْ يَحْمِيَ لِنَفْسِهِ) ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ» (وَلَمْ يَفْعَلْ) ؛ أَيْ: لَمْ يَحْمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا حَمَى لِلْمُسْلِمِينَ.

فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ: «حَمَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>