للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ حَوَّلَ مَسْجِدَ الْجَامِعِ مِنْ التَّمَّارِينَ أَيْ: بِالْكُوفَةِ - (أَوْلَى مِنْ بَيْعِهِ) ] لِبَقَاءِ الِانْتِفَاعِ مِنْ غَيْرِ خَلَلٍ فِيهِ، وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ إلَى مِثْلِهِ، أَنَّهُ لَا يُعَمَّرُ بِآلَةِ الْمَسْجِدِ مَدْرَسَةٌ وَلَا رِبَاطٌ وَلَا بِئْرٌ وَلَا حَوْضٌ وَلَا قَنْطَرَةٌ، وَكَذَا آلَاتُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَمْكِنَةِ، لَا يُعَمَّرُ بِهَا مَا عَدَاهُ؛ لِأَنَّ جَعْلَهَا فِي مِثْلِ الْعَيْنِ مُمْكِنٌ، فَتَعَيَّنَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ. قَالَهُ الْحَارِثِيُّ، وَيَصِيرُ حُكْمُ الْمَسْجِدِ بَعْدَ بَيْعِهِ لِلثَّانِي الَّذِي اُشْتُرِيَ بَدَلَهُ.

وَأَمَّا إذَا نُقِلَتْ آلَتُهُ مِنْ غَيْرِ بَيْعٍ؛ فَالْبُقْعَةُ بَاقِيَةٌ عَلَى أَنَّهَا مَسْجِدٌ.

قَالَ حَرْبٌ: قُلْت لِأَحْمَدَ: رَجُلٌ بَنَى مَسْجِدًا فَأَذَّنَ فِيهِ، ثُمَّ قَلَعُوا هَذَا الْمَسْجِدَ، وَبَنَوْا مَسْجِدًا آخَرَ فِي مَكَانٍ آخَرَ، وَنَقَلُوا خَشَبَ هَذَا الْمَسْجِدِ الْعَتِيقِ إلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ. قَالَ: يَرُمُّوا هَذَا الْمَسْجِدَ الْآخَرَ الْعَتِيقَ، وَلَا يُعَطِّلُوهُ.

قَالَ الْحَارِثِيُّ، فَلَمْ يَمْنَعْ النَّقْلُ مَنْعَ الْبَيْعِ وَإِخْرَاجَ الْبُقْعَةِ عَنْ كَوْنِهَا مَسْجِدًا كَمَا يَجُوزُ (تَجْدِيدُ بِنَائِهِ) أَيْ: الْمَسْجِدِ (لِمَصْلَحَتِهِ نَصًّا) لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهَا: لَوْلَا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ لَأَمَرْتُ بِالْبَيْتِ فَهُدِمَ، فَأَدْخَلْتُ فِيهِ مَا أُخْرِجَ مِنْهُ، وَأَلْزَقْتُهُ بِالْأَرْضِ، وَجَعَلْتُ لَهُ بَابَيْنِ بَابًا شَرْقِيًّا وَبَابًا غَرْبِيًّا، فَبَلَغْتُ بِهِ أَسَاسَ إبْرَاهِيمَ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

وَلَا يَجُوزُ قَسْمُ الْمَسْجِدِ مَسْجِدَيْنِ بِبَابَيْنِ إلَى دَرْبَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ؛ لِأَنَّهُ تَغْيِيرٌ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ لَهُ.

(وَيَصِحُّ بَيْعُ بَعْضِهِ) أَيْ: الْوَقْفِ إذَا لَمْ تُمْكِنْ إجَارَتُهُ (لِإِصْلَاحِ بَاقِيهِ) لِأَنَّهُ إذَا جَازَ بَيْعُ الْكُلِّ عِنْدَ الْحَاجَةِ؛ فَبَيْعُ الْبَعْضِ مَعَ بَقَاءِ الْبَعْضِ أَوْلَى (إنْ اتَّحَدَ الْوَاقِفُ وَالْجِهَةُ) الْمَوْقُوفُ عَلَيْهَا، فَإِنْ اخْتَلَفَا أَوْ أَحَدُهُمَا؛ لَمْ يَجُزْ (إنْ كَانَ) الْمَوْقُوفُ (عَيْنَيْنِ) عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ وَاقِفٍ وَاحِدٍ، كَدَارَيْنِ خَرِبَتَا، فَتُبَاعُ إحْدَاهُمَا لِإِصْلَاحِ الْأُخْرَى (أَوْ) كَانَ الْمَوْقُوفُ (عَيْنًا) وَاحِدَةً؛ فَيَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِهَا لِإِصْلَاحِ بَاقِيهَا.

وَمَحَلُّ ذَلِكَ إنْ لَمْ تَنْقُصْ الْقِيمَةُ، أَيْ: قِيمَةُ الْعَيْنِ الْمَبِيعِ بَعْضُهَا بِالتَّشْقِيصِ؛ لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ بِبَيْعِ الْبَعْضِ إذَنْ، وَإِلَّا بِأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ عَيْنًا وَاحِدَةً، وَنَقَصَتْ الْقِيمَةُ بِالتَّشْقِيصِ (بِيعَ الْكُلُّ) كَبَيْعِ وَصِيٍّ لِدَيْنٍ أَوْ حَاجَةٍ، بَلْ هَذَا أَسْهَلُ؛ لِجَوَازِ تَغْيِيرِ صِفَاتِهِ لِمَصْلَحَةٍ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>