للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَوْ بَغَضَهُ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ رِدَّةً وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّينَ اهـ.

وَفِي النُّتَفِ مَنْ سَبَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنَّهُ مُرْتَدٌّ وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُرْتَدِّ وَيُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِالْمُرْتَدِّ اهـ فَقَوْلُهُ وَيُفْعَلُ بِهِ مَا يُفْعَلُ بِالْمُرْتَدِّ ظَاهِرٌ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ كَمَا لَا يَخْفَى وَمِمَّنْ نَقَلَ أَنَّهَا رِدَّةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الشِّفَاءِ اهـ مَا فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ مُلَخَّصًا ثُمَّ اعْلَمْ أَيْضًا أَنَّ الْبَزَّازِيَّ قَالَ إنَّهُ كَالزِّنْدِيقِ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ خِلَافٌ لِأَحَدِ لِأَنَّهُ حَقٌّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ كَسَائِرِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ إلَى أَنْ قَالَ وَدَلَائِلُ الْمَسْأَلَةِ تُعْرَفُ فِي الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ عَلَى شَاتِمِ الرَّسُولِ اهـ.

وَقَدْ رَاجَعْت كِتَابَ الصَّارِمِ الْمَسْلُولِ لِعُمْدَةِ الشَّافِعِيَّةِ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ السُّبْكِيّ فَرَأَيْته ذَكَرَ مَا يَرُدُّ عَلَى الْبَزَّازِيِّ حَيْثُ ذَكَرَ السُّبْكِيّ أَوَّلًا عَنْ الشِّفَاءِ لِلْقَاضِي عِيَاضٍ الْمَالِكِيِّ أَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ مُوَافِقٌ لِلْإِمَامِ مَالِكٍ فِي رِدَّتِهِ وَعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَتِهِ وَأَنَّ بِمِثْلِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ وَأَهْلُ الْكُوفَةِ وَالْأَوْزَاعِيُّ لَكِنَّهُمْ قَالُوا هِيَ رِدَّةٌ ثُمَّ قَالَ السُّبْكِيّ بَعْدَ ذَلِكَ مُقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ الشَّافِعِيَّ لَا يَقْبَلُ تَوْبَتَهُ وَلَمْ أَرَ مِنْ أَصْحَابِهِ مَنْ صَرَّحَ عَنْهُ بِذَلِكَ إلَى أَنْ قَالَ هَذَا مَا وَجَدْته لِلشَّافِعِيَّةِ وَلِلْحَنَفِيَّةِ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ كَلَامٌ قَرِيبٌ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَلَا يُوجَدُ لِلْحَنَفِيَّةِ غَيْرُ قَبُولِ التَّوْبَةِ وَأَمَّا الْحَنَابِلَةُ فَكَلَامُهُمْ قَرِيبٌ مِنْ كَلَامِ الْمَالِكِيَّةِ هَذَا تَحْرِيرُ الْمَنْقُولِ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا الدَّلِيلُ فَمُعْتَمَدُنَا فِي قَبُولِ التَّوْبَةِ قَوْله تَعَالَى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] وقَوْله تَعَالَى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا} [الزمر: ٥٣] الْآيَةَ وقَوْله تَعَالَى {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا} [آل عمران: ٨٦] الْآيَةَ.

وَهَذِهِ الْآيَاتُ نَصٌّ فِي قَبُولِ تَوْبَةِ الْمُرْتَدِّ وَعُمُومُهَا يَدْخُلُ فِيهِ السَّابُّ وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ وَالتَّوْبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا» وَلِأَنَّا لَا نَحْفَظُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَتَلَ أَحَدًا بَعْدَ إسْلَامِهِ وَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ صَحِيحٌ لَكِنَّا عَلِمْنَا مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَأْفَتِهِ وَرَحْمَتِهِ وَشَفَقَتِهِ أَنَّهُ مَا انْتَقَمَ لِنَفْسِهِ قَطُّ فَكَيْفَ يُنْتَقَمُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ اهـ.

كَلَامُ السُّبْكِيّ مُلَخَّصًا وَتَمَامُ الْأَجْوِبَةِ مَبْسُوطٌ فِيهِ وَقَدْ أَطَالَ فِي ذَلِكَ إطَالَةً حَسَنَةً يَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهَا وَفِيمَا ذَكَرْنَاهُ كِفَايَةٌ وَلَا شَكَّ أَنَّ التَّقِيَّ السُّبْكِيّ وَالْقَاضِيَ عِيَاضًا ثِقَتَانِ ثَبْتَانِ عَدْلَانِ يَكْتَفِي بِشَهَادَتِهِمَا وَنَقْلِهِمَا عَنْ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ مَذْهَبَهُمْ قَبُولُ التَّوْبَةِ وَلَا سِيَّمَا مَعَ مَا سَمِعْته مِنْ النَّقْلِ عَنْ شَيْخِ الْمَذْهَبِ الْإِمَامِ الطَّحَاوِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ هُوَ أَعْرَفُ بِالْمَذْهَبِ مِنْ الْبَزَّازِيِّ بِيَقِينٍ وَقَالَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي النُّتَفِ وَمُعِينِ الْحُكَّامِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَحَاوِي الزَّاهِدِيِّ وَغَيْرِهَا بِأَنَّ حُكْمَهُ كَالْمُرْتَدِّ اهـ.

وَلِلْعَلَّامَةِ النَّحْرِيرُ الشَّهِيرُ بِحُسَامٍ حَلَبِيٍّ مِنْ عُظَمَاءِ عُلَمَاءِ دَوْلَةِ السُّلْطَانِ سَلِيمْ خان بْنِ بايزيد خان الْعُثْمَانِيِّ رِسَالَةٌ لَطِيفَةٌ أَلَّفَهَا فِي الرَّدِّ عَلَى الْبَزَّازِيِّ وَقَالَ فِيهَا إنَّهُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا يُقْتَلُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ خِلَافًا لِلْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي السَّيْفِ الْمَسْلُولِ وَذَكَرَ فِي الْحَاوِي مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْفُرُ وَلَا تَوْبَةَ لَهُ سِوَى تَجْدِيدِ الْإِيمَانِ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا تَوْبَةَ لَهُ أَصْلًا فَيُقْتَلُ حَدًّا لَكِنْ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بَعْدَ تَجْدِيدِ الْإِيمَانِ ثُمَّ قَالَ وَبِالْجُمْلَةِ قَدْ تَتَبَّعْنَا كُتُبَ الْحَنَفِيَّةِ فَلَمْ نَجِدْ الْقَوْلَ بِعَدَمِ قَبُولِ تَوْبَتِهِ سِوَى مَا ذَكَرَهُ الْبَزَّازِيُّ وَقَدْ عَرَفْت بُطْلَانَهُ وَمَنْشَأَ غَلَطِهِ فِي أَوَّلِ الرِّسَالَةِ اهـ.

وَقَدْ ذَكَرَ نُبْذَةً مِنْ هَذِهِ الرِّسَالَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ نُورِ الْعَيْنِ فِي إصْلَاحِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَمِنْهُ لَخَّصْت مَا نَقَلْته عَنْهَا ثُمَّ قَالَ فِيهِ يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرَهُ مِنْ تَخْطِئَةِ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الْفَتَاوَى نَقْلًا عَنْ كِتَابِ الْخَرَاجِ لِلْإِمَامِ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ مَنْ سَبَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَكْفُرُ فَإِنْ تَابَ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ وَلَا يُقْتَلُ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - ثُمَّ قَالَ فِي نُورِ الْعَيْنِ وَقَدْ أَجَابَ الْعَلَّامَةُ الْفَهَّامَةُ أَبُو السُّعُودِ الْمُفْتِي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ خِلَافِيَّةٌ فَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>