للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النَّوْعِ مِنْ الْفَتْوَى إذْ لَيْسَ فِي زَمَانِهِ مُجْتَهِدٌ اهـ وَكَلَامُ الْإِمَامِ صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ مُجْتَهِدٌ فَكَيْفَ زَمَانُنَا الْآنَ فَإِنَّ شُرُوطَ الِاجْتِهَادِ لَا تَكَادُ تُوجَدُ لِهَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ أَفْتَوْا بِتَحْرِيمِ التُّنْبَاكِ إنْ كَانَ فَتْوَاهُمْ عَنْ اجْتِهَادٍ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْنَا تَقْلِيدُهُمْ فَاجْتِهَادُهُمْ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَإِنْ كَانَ عَنْ تَقْلِيدِ غَيْرِهِمْ فَأَمَّا عَنْ مُجْتَهِدٍ آخَرَ حَتَّى سَمِعُوا مِنْ فِيهِ مُشَافَهَةٌ فَهُوَ أَيْضًا لَيْسَ بِثَابِتٍ وَأَمَّا عَنْ مُجْتَهِدٍ ثَبَتَ إفْتَاؤُهُ فِي الْكُتُبِ فَهُوَ أَيْضًا كَذَلِكَ إذْ لَمْ يَرِدْ فِي كِتَابٍ وَلَمْ يَنْقُلُوا عَنْ دَفْتَرٍ فِي إفْتَائِهِمْ مَا يَدُلُّ عَلَى حُرْمَتِهِ فَكَيْفَ سَاغَ لَهُمْ الْفَتْوَى وَكَيْفَ يَجِبُ عَلَيْنَا تَقْلِيدُهُمْ، وَالْحَقُّ فِي إفْتَاءِ التَّحْلِيلِ، وَالتَّحْرِيمِ فِي هَذَا الزَّمَانِ التَّمَسُّكُ بِالْأَصْلَيْنِ اللَّذَيْنِ ذَكَرَهُمَا الْبَيْضَاوِيُّ فِي الْأُصُولِ، وَوَصَفَهُمَا بِأَنَّهُمَا نَافِعَانِ فِي الشَّرْعِ

الْأَوَّلُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَنَافِعِ الْإِبَاحَةُ، وَالْمَأْخَذُ الشَّرْعِيُّ آيَاتٌ ثَلَاثٌ الْأُولَى قَوْله تَعَالَى {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة: ٢٩] ، وَاللَّامُ لِلنَّفْعِ فَتَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِانْتِفَاعَ بِالْمُنْتَفَعِ بِهِ مَأْذُونٌ شَرْعًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ، الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: ٣٢] ، وَالزِّينَةُ تَدُلُّ عَلَى الِانْتِفَاعِ الثَّالِثَةُ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: ٤] ، وَالْمُرَادُ بِالطَّيِّبَاتِ الْمُسْتَطَابَاتُ طَبْعًا وَذَلِكَ يَقْتَضِي حِلَّ الْمَنَافِعِ بِأَسْرِهَا

، وَالثَّانِي أَنَّ الْأَصْلَ فِي الْمَضَارِّ التَّحْرِيمُ، وَالْمَنْعُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ» وَأَيْضًا ضَبَطَ أَهْلُ الْفِقْهِ حُرْمَةَ التَّنَاوُلِ إمَّا بِالْإِسْكَارِ كَالْبَنْجِ وَإِمَّا بِالْإِضْرَارِ بِالْبَدَنِ كَالتُّرَابِ، وَالتِّرْيَاقِ أَوْ بِالِاسْتِقْذَارِ كَالْمُخَاطِ، وَالْبُزَاقِ وَهَذَا كُلُّهُ فِيمَا كَانَ طَاهِرًا وَبِالْجُمْلَةِ إنْ ثَبَتَ فِي هَذَا الدُّخَانِ إضْرَارٌ صِرْفٌ خَالٍ عَنْ الْمَنَافِعِ فَيَجُوزُ الْإِفْتَاءُ بِتَحْرِيمِهِ وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ انْتِفَاعُهُ فَالْأَصْلُ حِلُّهُ مَعَ أَنَّ فِي الْإِفْتَاءِ بِحِلِّهِ دَفْعَ الْحَرَجِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّ أَكْثَرَهُمْ مُبْتَلُونَ بِتَنَاوُلِهِ مَعَ أَنَّ تَحْلِيلَهُ أَيْسَرُ مِنْ تَحْرِيمِهِ وَمَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيْنَ أَمْرَيْنِ إلَّا اخْتَارَ أَيْسَرَهُمَا وَأَمَّا كَوْنُهُ بِدْعَةً فَلَا ضَرَرَ فَإِنَّهُ بِدْعَةٌ فِي التَّنَاوُلِ لَا فِي الدِّينِ فَإِثْبَاتُ حُرْمَتِهِ أَمْرٌ عَسِيرٌ لَا يَكَادُ يُوجَدُ لَهُ نَصِيرٌ نَعَمْ لَوْ أَضَرَّ بِبَعْضِ الطَّبَائِعِ فَهُوَ عَلَيْهِ حَرَامٌ وَلَوْ نَفَعَ بِبَعْضٍ وَقَصَدَ بِهِ التَّدَاوِي فَهُوَ مَرْغُوبٌ وَلَوْ لَمْ يَنْفَعْ وَلَمْ يَضُرَّ هَذَا مَا سَنَحَ فِي الْخَاطِرِ إظْهَارًا لِلصَّوَابِ مِنْ غَيْرِ تَعَنُّتٍ وَلَا عِنَادٍ فِي الْجَوَابِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ كَذَا أَجَابَ الشَّيْخُ مُحْيِي الدِّينِ أَحْمَدُ بْنُ مُحْيِي الدِّينِ بْنِ حَيْدَرٍ الْكُرْدِيُّ الْجَزَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

سُئِلَ الْعَلَّامَةُ ابْنُ حَجَرٍ الْمَكِّيُّ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - بِمَا نَصُّهُ أَيُّمَا أَفْضَلُ السَّمَاءُ أَوْ الْأَرْضُ فَأَجَابَ بِقَوْلِهِ الْأَصْلُ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا وَنَقَلُوهُ عَنْ الْأَكْثَرِينَ السَّمَاءُ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْصَ اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا وَمَعْصِيَةُ إبْلِيسَ لَمْ تَكُنْ فِيهَا أَوْ وَقَعَتْ نَادِرًا فَلَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهَا وَقِيلَ الْأَرْضُ وَنُقِلَ عَنْ الْأَكْثَرِينَ أَيْضًا لِأَنَّهَا مُسْتَقَرُّ الْأَنْبِيَاءِ وَمَدْفِنُهُمْ اهـ كَلَامُهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

وَفِي خُلَاصَةِ الْوَفَاءِ لِلسَّمْهُودِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - نَقَلَ عِيَاضٌ وَقَبْلَهُ أَبُو الْوَلِيدِ وَغَيْرُهُمَا الْإِجْمَاعَ عَلَى تَفْضِيلِ مَا ضَمَّ الْأَعْضَاءَ الشَّرِيفَةَ حَتَّى عَلَى الْكَعْبَةِ كَمَا قَالَهُ ابْنُ عَسَاكِرَ فِي تُحْفَتِهِ وَغَيْرِهِ بَلْ نَقَلَ التَّاجُ السُّبْكِيّ عَنْ ابْنِ عَقِيلٍ الْحَنْبَلِيِّ أَنَّهَا أَفْضَلُ مِنْ الْعَرْشِ وَصَرَّحَ التَّاجُ الْفَاكِهِيُّ بِتَفْضِيلِهَا عَلَى السَّمَوَاتِ بَلْ قَالَ الظَّاهِرُ الْمُتَعَيَّنُ تَفْضِيلُ جَمِيعِ الْأَرْضِ عَلَى السَّمَاءِ لِحُلُولِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فِيهَا وَحَكَاهُ بَعْضُهُمْ عَنْ الْأَكْثَرِينَ لِخَلْقِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْهَا وَدَفْنِهِمْ بِهَا لَكِنْ قَالَ النَّوَوِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - إنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى تَفْضِيلِ السَّمَاءِ عَلَى الْأَرْضِ مَا عَدَا مَا ضَمَّ الْأَعْضَاءَ الشَّرِيفَةَ. اهـ. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ، وَفِي الْفَتَاوَى الْحَدِيثِيَّةِ لِابْنِ حَجَرٍ سُئِلَ هَلْ اللَّيْلُ أَفْضَلُ مِنْ النَّهَارِ فَأَجَابَ قَالَ جَمَاعَةٌ: النَّهَارُ أَفْضَلُ مِنْ اللَّيْلِ لِمَا فِيهِ مِنْ فَضْلِ الِاجْتِمَاعِ عَلَى الْقُرْآنِ، وَالذِّكْرِ وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ اللَّيْلُ أَفْضَلُ إذْ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ وَلَيْسَ لَنَا يَوْمٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُمْ لَوْ قَالَ: طَالِقٌ فِي أَفْضَلِ الْأَوْقَاتِ طَلُقَتْ لَيْلَةَ الْقَدْرِ وَاخْتِصَاصُهُ بِالتَّجَلِّي الْأَكْبَرِ وَبِالْمِعْرَاجِ

وَسُئِلَ هَلْ الْعَرْشُ أَفْضَلُ مِنْ الْكُرْسِيِّ

(أَجَابَ) نَعَمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>