للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَمَلِ السَّفِينَةِ إلَّا بِاسْتِعْمَالِهِ فَخَرَجَ بَعْضُهُمْ إلَى الْبَرِّ وَاشْتَرَى مِنْ عَرَبِيٍّ مُلُوخِيَّةً نَاشِفَةً وَشَرِبُوا دُخَانَهَا وَقَالُوا هَذَا أَطْيَبُ مِمَّا شَرِبُوهُ قَبْلَهُ.

وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَ الْكُرَمَاءِ تَرَدَّدَتْ عَلَيْهِ السُّفَهَاءُ وَالظَّلَمَةُ وَكَلَّفُوهُ بِشِرَاءِ الدُّخَانِ وَأَفْنَى مَالَهُ فِيهِ ثُمَّ أَخَذَ وَرَقَ الْخَرْدَلِ وَأَمَرَ بَعْضَ أَتْبَاعِهِ بِبَوْلِهِ عَلَيْهِ وَجَفَّفَهُ وَقَدَّمَهُ لَهُمْ فَشَرِبُوهُ وَقَالُوا هَذَا دُخَانٌ أَصْلِيٌّ لِأَنَّ عَلَامَةَ عَدَمِ غِشِّ الدُّخَانِ شِدَّةُ نَتْنِ رِيحِهِ.

وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَ الْجُنْدِ تَوَلَّعَ بِشُرْبِ الدُّخَانِ وَلَازَمَهُ وَأَنْفَقَ فِيهِ مَالًا كَثِيرًا لِكَثْرَةِ الشَّارِبِينَ مَعَهُ فَأَخَذَ وَرَقَ الْبِرْسِيمِ الْيَابِسِ وَخَلَطَهُ بِزِبْلِ الْفَرَسِ وَقَدَّمَهُ لَهُمْ فَشَرِبُوهُ وَقَالُوا هَذَا خَيْرٌ مِمَّا شَرِبْنَا قَبْلَهُ وَأَلَذُّ وَأَنْشَطُ وَأَدْعَى لِلْبَاءَةِ وَأَكْمَلُ فِي الْإِنْعَاظِ وَأَكْثَرُوا مِنْ تَقْدِيمِ الدَّجَاجِ لَهُ ضِيَافَةً وَطَلَبُوا أَنْ يَزِيدَهُمْ مِنْ ذَلِكَ.

وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَ الْمَشْهُورِينَ بِالْمَالِ أَكْثَرَ النَّاسُ عَلَيْهِ فِي طَلَبِ الدُّخَانِ وَلَمْ تَسْمَحْ نَفْسُهُ بِشِرَائِهِ فَأَخَذَ وَرَقَ الْقُلْقَاسِ وَتَرَكَهُ حَتَّى تَعَفَّنَ وَنَضَحَهُ بِخَلٍّ وَجَفَّفَهُ وَقَدَّمَهُ لَهُمْ فَقَالُوا هَذَا مِنْ بُخْلِهِ لَمْ يَشْتَرِ إلَّا الدُّخَانَ الرَّدِيءَ فَاسْتَأْذَنَهُ بَعْضُ أَتْبَاعِهِ فِي فِعْلِ شَيْءٍ مِنْ عِنْدِهِ لِصِيَانَةِ عِرْضِهِ فَأَذِنَ لَهُ بِشَرْطِ أَنْ لَا يَدْخُلَ عَلَيْهِمْ مَا مَنَعَهُ الشَّرْعُ فَأَخَذَ تِبْنًا رَدِيءَ الرِّيحِ كَرِيهَ الطَّعْمِ تُسَمِّيهِ الْعَامَّةُ فُسَاءَ الْكِلَابِ وَعَفَّنَهُ وَجَفَّفَهُ وَقَدَّمَهُ لَهُمْ فَاسْتَعْمَلُوهُ وَأَثَّرَ فِيهِمْ تَأْثِيرًا شَدِيدًا وَتَسَامَعَ بِذَلِكَ النَّاسُ وَقَالُوا لَا دُخَانَ إلَّا دُخَانَ تَابِعِ فُلَانٍ الْبَخِيلِ جَعَلَ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - فِيهِ كَرَمًا عَظِيمًا مُضَادًّا لِبُخْلِ سَيِّدِهِ أَيْ شَخْصٌ تَسْمَحُ نَفْسُهُ أَنْ يَتَكَلَّفَ الدَّرَاهِمَ الْكَثِيرَةَ يَشْتَرِي بِهَا هَذَا الصِّنْفَ مِنْ الدُّخَانِ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى تَحْصِيلِهِ إلَّا الْمُلُوكُ.

وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَ الْمُلَازِمِينَ شُرْبَهُ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَكُلَّمَا لُقِّنَ الشَّهَادَةَ قَالَ: هَذَا دُخَانٌ جَيِّدٌ مَعْجُونٌ بِخَمْرٍ زِيدُونِي مِنْهُ حَتَّى مَاتَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ.

وَمِنْهَا أَنَّ يَهُودِيًّا لَمَّا رَأَى تَكَالُبَ النَّاسِ عَلَى الدُّخَانِ وَانْهِمَاكَهُمْ فِيهِ أَخَذَ وَرَقَ السِّلْقِ وَنَحْوِهِ الَّذِي تَعَفَّنَ عِنْدَ الْخُضَرِيِّينَ وَرَمَوْهُ عَلَى الْمَزَابِلِ وَجَفَّفَهُ وَبَالَ عَلَيْهِ وَجَفَّفَهُ وَقَدَّمَهُ لَهُمْ فَشَرِبُوهُ فَعَطَسُوا وَدَمَعَتْ عُيُونُهُمْ وَقَالُوا مِمَّنْ اشْتَرَيْت هَذَا الدُّخَانَ النَّفِيسَ الْمُخْرِجَ لِلرُّطُوبَاتِ الدِّمَاغِيَّةِ فَقَالَ إنَّمَا جَاءَنَا هَدِيَّةً بِلَا ثَمَنٍ فَقَالُوا مِثْلُ هَذَا يَحْتَاجُ لِدَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ.

وَمِنْهَا أَنَّ بَعْضَ مُسْتَعْمِلِيهِ مَرِضَ بِسَبَبِهِ وَحَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَصَحَا بُرْهَةً وَقَالَ: أَنْصَحُكُمْ أَنْ لَا تَشْرَبُوا الدُّخَانَ فَإِنَّهُ مَا قَتَلَنِي إلَّا هُوَ وَقَدْ ضَيَّعْت فِيهِ جُمْلَةً مِنْ الْمَالِ ثُمَّ غُشِيَ عَلَيْهِ فَقِيلَ بِحَضْرَتِهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ اُسْكُتُوا هَلْ هَذَا الدُّخَانُ قُبْرُصِيٌّ أَمْ مَغْرِبِيٌّ وَبِكَمْ الرِّطْلِ مِنْهُ وَهَلْ هُوَ مُطْبَقٌ بِخَمْرٍ وَشَحْمِ خِنْزِيرٍ أَمْ لَا وَكَرَّرَ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ إلَى أَنْ خَرَجَتْ رُوحُهُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ سُوءِ الْخَاتِمَةِ، وَلَعَلَّ اللَّهَ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - إنْ أَرَادَ بِالنَّاسِ فِتْنَةً أَنْ يَقْبِضَنَا غَيْرَ مَفْتُونِينَ وَأَنْ يَرْزُقَنَا حُسْنَ النِّيَّةِ وَيَجْعَلَنَا مِنْ الْمُخْلِصِينَ وَيَحْشُرَنَا فِي زُمْرَةِ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ وَيُجَنِّبَنَا الْفِتَنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>