للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الْعِبَارَاتِ أَنَّ وَاضِعَ عِلْمِ التَّوْحِيدِ الْإِمَامُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - هَلْ هُوَ صَحِيحٌ أَمْ لَا وَهَلْ الْإِمَامُ الْمَذْكُورُ مَالِكِيٌّ أَوْ شَافِعِيٌّ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ؛ ذَلِكَ غَيْرُ صَحِيحٍ بَلْ وَاضِعُهُ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ أَنْزَلَ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ آيَاتٍ كَثِيرَةً مُبَيِّنَةً لِلْعَقَائِدِ وَبَرَاهِينِهَا وَمِمَّنْ دَوَّنَ فِيهِ قَبْلَ الْإِمَامِ الْأَشْعَرِيِّ الْإِمَامُ مَالِكٌ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ الْعَلَّامَةُ الْيُوسِيُّ فِي قَانُونِهِ وَأَمَّا وَاضِعُهُ أَيْ عِلْمِ الْكَلَامِ فَقِيلَ هُوَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْأَشْعَرِيُّ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي دَوَّنَ هَذَا الْعِلْمَ وَهَذَّبَ مَطَالِبَهُ وَنَقَّحَ مَشَارِبَهُ فَهُوَ إمَامُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ غَيْرِ مُدَافِعٍ وَلَكِنْ عَدُّهُ وَاضِعًا غَيْرُ بَيِّنٍ فَإِنَّ هَذَا الْعِلْمَ كَانَ قَبْلَهُ وَكَانَتْ لَهُ عُلَمَاءُ يَخُوضُونَ فِيهِ كَالْقَلَانِسِيِّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ كِلَابٍ وَكَانُوا قَبْلَ الشَّيْخِ يُسَمَّوْنَ بِالْمُثْبِتَةِ لِإِثْبَاتِهِمْ مَا نَفَتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ وَأَيْضًا عِلْمُ الْكَلَامِ كَمَا مَرَّ صَادِقٌ بِقَوْلِ الْمُوَافِقِ وَالْمُخَالِفِ وَالشَّيْخُ كَانَ يَدْرُسُهُ عَلَى أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيِّ وَقِصَّتُهُ مَعْلُومَةٌ فَكَيْفَ يَكُونُ وَاضِعًا وَالْأَوْلَى أَنَّهُ عِلْمٌ قُرْآنِيٌّ لِأَنَّهُ مَبْسُوطٌ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى بِذِكْرِ الْعَقَائِدِ، وَذِكْرِ النُّبُوَّاتِ وَذِكْرِ السَّمْعِيَّاتِ وَذَلِكَ مَجْمُوعُهُ مَعَ ذِكْرِ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ تَعَالَى مِنْ حُدُوثِ الْعَالَمِ الْمُشَارِ إلَيْهِ بِخَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالنُّفُوسِ وَغَيْرِهَا وَالْإِشَارَةُ إلَى مَذَاهِبِ الْمُبْطِلِينَ كَالْمُثَلَّثَةِ وَالْمَثْنِيَّةِ والطبائعيين وَإِنْكَارُ هَذَا عَلَيْهِمْ.

وَالْجَوَابُ عَنْ شُبَهِ الْمُبْطِلِينَ الْمُنْكِرِينَ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إمْكَانًا أَوْ وُجُودًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: ١٠٤] وقَوْله تَعَالَى {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: ٧٩] وقَوْله تَعَالَى {الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا} [يس: ٨٠] وَذَكَرَ حُجَجَ إبْرَاهِيمَ وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إقْرَارًا لَهَا، وَحِكَمَ لُقْمَانَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَطُولُ وَتَكَلَّمَ فِيهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَإِبْطَالِهِ اعْتِقَادَ الْأَعْرَابِ فِي الْأَنْوَاءِ وَفِي الْعَدْوَى وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَلُمَّ جَرًّا وَهَذَا إذَا اُعْتُبِرَ الْكَلَامُ مَعْزُولًا عَنْ الْعِلْمِ الْإِلَهِيِّ وَأَمَّا إنْ اعْتَبَرُوا الْعِلْمَ الْإِلَهِيَّ وَأَنَّهُ هُوَ الْمَأْخُوذُ فِي الْمِلَّةِ بَعْدَ تَنْقِيحِهِ بِإِبْطَالِ الْبَاطِلِ وَتَصْحِيحٍ الصَّحِيحِ فَلَا إشْكَالَ أَنَّ وَضْعَهُ قَدِيمٌ انْتَهَى كَلَامُ الْيُوسِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -.

وَقَالَ شَيْخُ مَشَايِخِنَا الْعَلَّامَةُ الْأَمِيرُ قَالَ يَعْنِي الْيُوسِيَّ وَاشْتَهَرَ أَنَّهُ وَاضِعُ هَذَا الْفَنِّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ تَكَلَّمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فِيهِ وَابْنُهُ وَأَلَّفَ مَالِكٌ رِسَالَةً قَبْلَ أَنْ يُولَدَ الْأَشْعَرِيُّ نَعَمْ هُوَ اعْتَنَى بِهِ كَثِيرًا وَكَانَ يَعْنِي الْأَشْعَرِيَّ مَالِكِيًّا وَكَذَا نَقَلَ الْأُجْهُورِيُّ فِي شَرْحِ عَقِيدَتِهِ عَنْ عِيَاضٍ وَنَقَلَ عَنْ السُّبْكِيّ أَنَّهُ شَافِعِيٌّ انْتَهَى فَفِي كَوْنِهِ مَالِكِيًّا أَوْ شَافِعِيًّا خِلَافٌ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ قَالَ الْغُنَيْمِيُّ عَلَى شَرْحِ السُّنُوسِيُّ عَلَى الصُّغْرَى مَوْلِدُ الْأَشْعَرِيِّ سَنَةَ سَبْعِينَ وَقِيلَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ بِالْبَصْرَةِ وَتُوُفِّيَ سَنَةَ نَيِّفٍ وَثَلَاثِينَ وَثَلَثِمِائَةٍ بِبَغْدَادَ وَدُفِنَ بَيْنَ الْكَرْخِ وَالْبَصْرَةِ انْتَهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>