للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي ذَلِكَ فَفِي بَعْضِهَا أَنَّهَا تَكُونُ لِمَنْ افْتَضَّهَا، وَفِي بَعْضِهَا لِمَنْ مَاتَتْ فِي عِصْمَتِهِ وَفِي بَعْضِهَا لِمَنْ كَانَ مُحْسِنًا لَهَا وَفِي بَعْضِهَا تُخَيَّرُ قَالَ الْعَارِفُ الشَّعْرَانِيُّ فِي مُخْتَصَرِ التَّذْكِرَةِ بَابُ إذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ بِكْرًا فِي الدُّنْيَا كَانَتْ زَوْجَتَهُ فِي الْآخِرَةِ، رَوَى مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّ الزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ كَانَ كَثِيرَ الضَّرْبِ لِزَوْجَتِهِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَضَرَبَهَا يَوْمًا حِينَ خَرَجَتْ بِغَيْرِ إذْنِهِ بَعْدَ أَنْ عَقَدَ شَعْرَهَا بِشَعْرِ ضَرَّتِهَا ضَرْبًا شَدِيدًا وَكَانَتْ الضَّرَّةُ أَحْسَنَ أَنْفًا مِنْهَا فَكَانَ الضَّرْبُ بِأَسْمَاءِ أَكْثَرَ فَشَكَتْ إلَى أَبِيهَا أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فَقَالَ لَهَا أَيْ بُنَيَّةَ اصْبِرِي فَإِنَّ الزُّبَيْرَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ زَوْجَكِ فِي الْجَنَّةِ قَالَ، وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا ابْتَكَرَ بِالْمَرْأَةِ تَزَوَّجَهَا فِي الْجَنَّةِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فَإِنْ كَانَتْ ذَاتَ أَزْوَاجٍ فَقَدْ وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهَا تُخَيَّرُ فِي الْأَزْوَاجِ فَأَيَّ زَوْجٍ اخْتَارَتْهُ كَانَتْ لَهُ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنَّ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قَالَ لِزَوْجَتِهِ إنْ سَرَّكِ أَنْ تَكُونِي زَوْجَتِي فِي الْجَنَّةِ إنْ جَمَعَنَا اللَّهُ فِيهَا فَلَا تَتَزَوَّجِي أَحَدًا مِنْ بَعْدِي فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا انْتَهَى.

وَخَطَبَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أُمَّ الدَّرْدَاءِ فَأَبَتْ وَقَالَتْ سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْمَرْأَةُ تَكُونُ لِآخِرِ أَزْوَاجِهَا فِي الْآخِرَةِ» فَلَا تَتَزَوَّجِي بَعْدِي.

وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ «أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمَرْأَةُ يَكُونُ لَهَا الزَّوْجَانِ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ يَمُوتُونَ فَيَجْتَمِعُونَ فِي الْجَنَّةِ لِأَيِّهِمَا تَكُونُ لِلْأَوَّلِ أَوْ لِلْآخِرِ، فَقَالَ: تَكُونُ لِأَحْسَنِهِمَا خُلُقًا كَانَ مَعَهَا فِي دَارِ الدُّنْيَا ثُمَّ قَالَ يَا أُمَّ حَبِيبَةَ ذَهَبَ حُسْنُ الْخُلُقِ بِخَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ» انْتَهَى.

وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ، وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.

وَجَمَعَ بَيْنَهَا بِأَنَّ حَدِيثَ أُمِّ حَبِيبَةَ فِيمَنْ طَلَّقُوهَا وَلَمْ تَمُتْ فِي عِصْمَةِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَتُخَيَّرُ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي وُقُوعِ عَلَقَةٍ لِكُلِّ وَاحِد مِنْهُمْ بِهَا مَعَ انْقِطَاعِهَا فَاتَّجَهَ التَّخْيِيرُ لِعَدَمِ الْمُرَجَّحِ فَتَخْتَارُ أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا، وَحَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - فِيمَنْ كَانَتْ فِي عِصْمَتِهِ أَوْ مَاتَ عَنْهَا وَلَمْ تَتَزَوَّجْ بَعْدَهُ لِأَنَّ عَلَقَتَهُ بِهَا لَمْ يَقْطَعْهَا شَيْءٌ، وَقَالَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ: يُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهَا لِمَنْ ابْتَكَرَهَا، وَمَاتَ عَنْهَا مِنْ الْأَزْوَاجِ حَيْثُ لَمْ يَرْجَحْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ الْآخَرَ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ وَلِلْآخَرِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إذَا طَلَّقَهَا الَّذِي ابْتَكَرَهَا وَلَمْ يَرْجَحْ وَاحِدٌ مِنْ الْبَاقِينَ عَلَى غَيْرِهِ مِنْهُمْ فِي حُسْنِ الْخُلُقِ وَلِأَحْسَنِهِمْ خُلُقًا حَيْثُ تَفَاوَتُوا فِي حُسْنِ الْخُلُقِ وَكُلُّ هَذَا مَا عَدَا أَزْوَاجَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اللَّاتِي مَاتَ عَنْهُنَّ فَإِنَّهُنَّ أَزْوَاجُهُ فِي الْجَنَّةِ بِلَا شَكٍّ انْتَهَى.

وَحَكَى بَعْضُهُمْ قَوْلًا رَابِعًا أَنَّهُ يُقْرَعُ بَيْنَهُمْ فِيهَا، وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَحِلُّ الْخِلَافِ مَا لَمْ تَمُتْ فِي عِصْمَةِ وَاحِدٍ فَإِنَّهَا لَهُ اتِّفَاقًا لِظَاهِرِ قَوْلِ الشَّيْخِ فِي الرِّسَالَةِ نِسَاءُ الْجَنَّةِ مَقْصُورَاتٌ عَلَى أَزْوَاجِهِنَّ لَا يَبْغِينَ بِهِمْ بَدَلًا أَفَادَهُ سَيِّدِي مُحَمَّدٌ الزَّرْقَانِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>