للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَبُو عِمْرَانَ وَابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَمَّنْ تَزَوَّجَ بِكْرًا مِنْ أَبُوهَا بِمِائَتَيْ دِينَارٍ وَالْعَادَةُ الْجَارِيَةُ أَنَّهُ إذْ بَذَلَ الزَّوْجُ هَذَا الْعَدَدَ أَنْ يُعْطِيَهُ الْأَبُ مِائَةً وَخَمْسِينَ ثُمَّ مَاتَ الْأَبُ وَلَمْ يَدْفَعْ لِلزَّوْجِ شَيْئًا قَبْلَ الْبِنَاءِ ثُمَّ دَخَلَ بِهَا ثُمَّ فَارَقَهَا فَطَلَبَتْ مِنْهُ الْمِائَتَيْنِ فَطَلَبَ الْمِائَةَ وَالْخَمْسِينَ لِأَجْلِ الْعَادَةِ وَعَلَيْهَا انْعَقَدَ النِّكَاحُ فَهَلْ يَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ الْمِائَتَانِ وَهَلْ يَتْبَعُ تَرِكَةَ الْأَبِ بِالْمِائَةِ وَالْخَمْسِينَ؟

جَوَابُهَا إذَا كَانَتْ سُنَّةُ الْبَلَدِ لَا يَكْتُبُ الزَّوْجُ مِائَتَيْنِ إلَّا عَلَى إعْطَاءِ الْأَبِ مِائَةً وَخَمْسِينَ تَكُونُ مِلْكًا لِلزَّوْجِ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ عَيْنًا أَوْ عَرَضَا بِهَا فَهُوَ فَاسِدٌ يُفْسَخُ قَبْلُ وَيَثْبُتُ بَعْدَهُ بِصَدَاقِ الْمِثْلِ، وَإِنْ كَانَ إنَّمَا يُعْطِيه الْأَبُ لِتَجْهِيزِ ابْنَتِهِ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَلِلزَّوْجِ الْقِيَامُ بِذَلِكَ وَأَمَّا مَسْأَلَتُك فَقَدْ مَاتَ أَبُو الزَّوْجَةِ وَرَضِيَ بِالْبِنَاءِ بِهَا فَلَا قِيَامَ لَهُ بَعْدُ وَتَلْزَمُهُ الْمِائَتَانِ جَمِيعُ صَدَاقِهَا اهـ. فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ بِمَوْتِ أَبِي الزَّوْجَةِ بَطَلَ الْتِزَامُهُ وَيَبْقَى الْخِيَارُ لِلزَّوْجِ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى النِّكَاحِ بِالصَّدَاقِ الْمَذْكُورِ أَوْ يَرْجِعَ عَنْهُ إلَّا أَنْ يَدْخُلَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِذَلِكَ فَيَلْزَمُهُ الصَّدَاقُ، وَلَا كَلَامَ لَهُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

[تَزَوَّجَتْ وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِي بَيْتٍ لَهَا فَسَكَنَ الزَّوْجُ مَعَهَا]

(فَرْعٌ) وَمِنْ ذَلِكَ مَنْ تَزَوَّجَتْ وَهِيَ سَاكِنَةٌ فِي بَيْتٍ لَهَا فَسَكَنَ الزَّوْجُ مَعَهَا فَلَا كِرَاءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهَا سَاكِنَةٌ بِالْكِرَاءِ أَوْ تَقُولُ لَهُ إمَّا أَدَّيْت أَوْ خَرَجْت. قَالَ اللَّخْمِيُّ: لِأَنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ أَنَّ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْمُكَارَمَةِ، وَإِنْ سَكَنَ بِهَا فِي مَسْكَنٍ لِأَبِيهَا أَوْ أُمِّهَا كَانَ كَمَسْكَنِهَا لَا شَيْءَ لَهُمَا عَنْ مُدَّةٍ كَانَتْ فِي الْعِصْمَةِ وَأَمَّا الْأَخُ وَالْعَمُّ فَالْأَمْرُ فِيهِمَا مُشْكِلٌ فَيَحْلِفُ وَيَسْتَحِقُّ إلَّا أَنْ تَطُولَ الْمُدَّةُ وَالسُّنُونَ وَهُوَ لَا يَتَكَلَّمُ عَلَى شَيْءٍ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَمِثْلُهُ إذَا سَكَنَ عِنْدَ أَبَوَيْهِ ثُمَّ طَلَبَا الْكِرَاءَ فَلَا شَيْءَ لَهُمَا وَذَلِكَ لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ إنْ لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى الْمُكَارَمَةِ.

وَاخْتُلِفَ إذَا طَلَّقَهَا الزَّوْجُ فَطَلَبَتْهُ بِالْكِرَاءِ فِي مُدَّةِ الْعِدَّةِ فَقَالَ ابْنُ الْقَطَّانِ وَالْأَصِيلِيُّ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ وَذَهَبَ ابْنُ عَتَّابٍ وَاللَّخْمِيُّ إلَى اللُّزُومِ؛ لِأَنَّ الْمُكَارَمَةَ قَدْ زَالَتْ بِالطَّلَاقِ وَذَكَرَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ فِي مُخْتَصَرِهِ الْقَوْلَيْنِ. قُلْت وَالظَّاهِرُ اللُّزُومُ؛ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ بَاقِيَةً فِي الْعِصْمَةِ وَطَلَبَتْ مِنْهُ الْكِرَاءَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ لَكَانَ لَهَا ذَلِكَ وَنَقَلَ الْمُتَيْطِيُّ أَنَّهُ الْأَقْيَسُ فَتَأَمَّلْهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ.

[الِالْتِزَامُ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ]

(فَرْعٌ) وَقَدْ يَكُونُ الِالْتِزَامُ بِالْكَلَامِ النَّفْسِيِّ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي نَوَازِلِهِ فِيمَنْ عَزَلَ لِمِسْكِينٍ مُعَيَّنٍ شَيْئًا وَبَتَلَهُ لَهُ بِقَوْلٍ أَوْ نِيَّةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ وَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ إنْ فَعَلَ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَالُ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ جَعَلَ لَهُ تَفْرِقَتَهُ. قَالَ وَلَوْ نَوَى أَنْ يُعْطِيَهُ وَلَمْ يَبْتِلْهُ لَهُ بِقَوْلٍ، وَلَا نِيَّةٍ كُرِهَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَهُ إلَى غَيْرِهِ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. قُلْت وَمَعْنَى بَتَلَهُ لَهُ أَيْ جَعَلَهُ لَهُ مِنْ الْآنِ.

[فَصْلٌ فِيمَنْ الْتَزَمَ لِحَمْلٍ بِشَيْءٍ]

(فَصْلٌ) تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُلْتَزَمَ لَهُ مَنْ يَصِحُّ أَنْ يَمْلِكَ فَيَصِحَّ الِالْتِزَامُ لِلْحَمْلِ وَلِمَنْ سَيُوجَدُ كَمَا تَصِحُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>