للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَفْتَدِي مِنْك بِمَالِي عَلَى أَنْ لَا تُسْلِمَ حَتَّى أَمْلِكَ أَمْرِي، أَوْ عَلَى أَنْ لَا يَكُونَ لَك عَلَيَّ رَجْعَةٌ فَفَعَلَ ثُمًّ أَسْلَمَ قَالَ إنْ افْتَدَتْ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَرَدَّ مَا أَخَذَ مِنْهَا وَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ إنْ أَسْلَمَ فِي عِدَّتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَوْ طَلَّقَهَا، وَهُوَ كَافِرٌ لَمْ يَلْزَمْهُ مِنْ طَلَاقِهِ شَيْءٌ فَجَعَلَهُ بِمَنْزِلَةِ طَلَاقِهِ. قَالَ: فَلَوْ كَانَتْ افْتَدَتْ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يُسْلِمْ أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا أَكَانَ يَكُونُ لَهُ الَّذِي افْتَدَتْ بِهِ مِنْهُ قَالَ لَا أَرَى لَهُ شَيْئًا وَأَرَى أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ هَذَا بَيِّنٌ؛ لِأَنَّ الْخُلْعَ طَلَاقٌ فَلَمَّا كَانَ طَلَاقُهُ بَاطِلًا غَيْرَ لَازِمٍ كَانَ خُلْعُهُ مَرْدُودًا غَيْرَ ثَابِتٍ اهـ.

قُلْت: وَإِنَّمَا قُلْتُ إنَّهُ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ هَذَا النَّوْعِ؛ لِأَنَّ ابْنَ رُشْدٍ إنَّمَا عَلَّلَ ذَلِكَ بِبُطْلَانِ الطَّلَاقِ.

(تَنْبِيهٌ) لَا يَتَأَتَّى هُنَا مَا ذَكَرْنَاهُ فِي النَّوْعِ الثَّانِي أَخْذًا مِنْ كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ الْمُلْتَزِمَ بِكَسْرِ الزَّايِ إذَا كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَاجِبٌ عَلَى الْمُلْتَزَمِ لَهُ ثُمَّ عَلَّقَ الِالْتِزَامَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ التَّرْغِيبَ فِي إتْيَانِهِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قُرْبَةٌ وَمَعْرُوفٌ وَالْمَعْرُوفُ يَلْزَمُ مَنْ الْتَزَمَهُ، وَهَذَا مَعْصِيَةٌ؛ لِأَنَّهُ إعَانَةٌ عَلَى مَعْصِيَةٍ وَتَرْغِيبٌ فِي فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ مَنْ الْتَزَمَهُ، وَلَوْ قَبَضَ الْمُلْتَزَمُ لَهُ الشَّيْءَ الْمُلْتَزَمَ بِهِ هَلْ يَرُدُّهُ عَلَى رَبِّهِ أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهِ يَأْتِي فِيهِ الْخِلَافُ الَّذِي فِي حُلْوَانِ الْكَاهِنِ وَمَا تَأْخُذُهُ الزَّانِيَةُ وَالْقَوَّادُ وَالْمُخَنَّثُ وَنَحْوُهُمْ هَلْ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَرُدُّوا مَا أَخَذُوهُ عَلَى مَنْ أَعْطَاهُمْ، أَوْ يَتَصَدَّقُوا بِهِ ذَكَرَ الْبُرْزُلِيُّ وَابْنُ نَاجِي وَالشَّيْخُ زَرُّوقٌ وَغَيْرُهُمْ فِي ذَلِكَ قَوْلَيْنِ، وَقَدْ ذَكَرْت كَلَامَهُمْ فِي شَرْحِ مَنَاسِكِ خَلِيلٍ.

قُلْت: وَالظَّاهِرُ مِنْ الْقَوْلَيْنِ التَّصَدُّقُ بِذَلِكَ وَعَدَمُ رَدِّهِ إلَى مَنْ أَخَذَهُ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَهُ فِي غَيْرِ حَقٍّ فَلَا يُرَدُّ لَهُ أَدَبًا وَلِذَلِكَ قَالُوا: إنَّهُ لَا يَنْفَعُ التَّحْلِيلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[النَّوْعُ الرَّابِعُ الِالْتِزَامُ الْمُعَلَّقُ عَلَى فِعْلِ الْجَائِزِ الَّذِي لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِأَحَدٍ]

ٍ كَقَوْلِهِ إنْ صَعِدْتَ هَذَا الْجَبَلَ فَلَكَ كَذَا، وَهُوَ أَيْضًا مِنْ بَابِ الْجَعْلِ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَمَلِ الْمَجْعُولِ فِيهِ مَنْفَعَةٌ، أَوْ لَا يُشْتَرَطُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا ابْنُ الْحَاجِبِ وَالشَّيْخُ خَلِيلٌ وَغَيْرُهُمَا قَالَ ابْنُ غَازِيٍّ وَظَاهِرُ كَلَامِ عِيَاضٍ فِي التَّنْبِيهَاتِ أَنَّ الْمَشْهُورَ اشْتِرَاطُ الْمَنْفَعَةِ لِلْجَاعِلِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِي تَعْرِيفِ الْجُعْلِ هُوَ أَنْ يَجْعَلَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَجْرًا مَعْلُومًا وَلَا يَنْقُدُهُ إيَّاهُ عَلَى عَمَلٍ يَعْمَلُهُ لَهُ مَعْلُومٍ، أَوْ مَجْهُولٍ مِمَّا فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْجَاعِلِ عَلَى خِلَافِ فِي هَذَا الْأَصْلِ عَلَى أَنَّهُ إنْ عَمِلَهُ كَانَ لَهُ الْجَعْلُ، وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ فَلَا شَيْءَ لَهُ مِمَّا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ لِلْجَاعِلِ إلَّا بَعْدَ تَمَامِهِ اهـ. وَعَلَى الْقَوْلِ بِاشْتِرَاطِ الْمَنْفَعَةِ اقْتَصَرَ ابْنُ يُونُسَ قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ مَنْ جَعَلَ لِرَجُلٍ جَعْلًا عَلَى أَنْ يَرْقَى إلَى مَوْضِعٍ مِنْ الْجَبَلِ سَمَّاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ الْجَعْلُ إلَّا فِيمَا يَنْتَفِعُ بِهِ الْجَاعِلُ يُرِيدُ أَنَّهُ مَنْ أَكَلَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ اهـ. كَلَامُ ابْنِ غَازِيٍّ

<<  <  ج: ص:  >  >>