للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِذَلِكَ وَسَوَاءٌ وَضَعَتْ لِذَلِكَ شَيْئًا مِنْ صَدَاقِهَا أَمْ لَا وَلَا رُجُوعَ لَهَا عَلَيْهِ بِمَا وَضَعَتْهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ شَرَطَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الشُّرُوطَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَوَضَعَتْ عَنْهُ لِأَجْلِ ذَلِكَ بَعْضَ صَدَاقِهَا، فَإِنَّهُ إنْ خَالَفَ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِمَا وَضَعَتْهُ قَالَ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ الْأَوَّلِ مِنْ الْمُدَوَّنَةِ: وَمَنْ نَكَحَ امْرَأَةً عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَلَا يَتَسَرَّى وَلَا يُخْرِجَهَا مِنْ بَلَدِهَا جَازَ النِّكَاحُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ، وَإِنْ وَضَعَتْ عَنْهُ لِذَلِكَ مِنْ صَدَاقِهَا لَمْ تَرْجِعْ وَبِهِ وَبَطَلَ الشَّرْطُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَنْهُ عِتْقٌ، أَوْ طَلَاقٌ، وَلَوْ شَرَطَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الشُّرُوطَ بَعْدَ الْعَقْدِ وَوَضَعَتْ لِذَلِكَ بَعْضَ صَدَاقِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِمَا وَضَعَتْ لِذَلِكَ، وَإِنْ أَعْطَتْهُ مَالًا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَعَلَ فَهِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا، فَإِنْ تَزَوَّجَ وَقَعَ الطَّلَاقُ وَبَانَتْ مِنْهُ، وَلَمْ تَرْجِعْ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إذَا تَمَّ لَهَا شَرْطُهَا اهـ.

(تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) : إذَا أَعْطَتْهُ شَيْئًا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا، أَوْ لَا يَتَسَرَّى ثُمَّ فَعَلَ فَلَهَا الرُّجُوعُ عَلَيْهِ بِمَا أَعْطَتْهُ كَمَا تَرْجِعُ بِمَا أَسْقَطَتْهُ مِنْ صَدَاقِهَا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي الْمُدَوَّنَةِ إسْقَاطَ الصَّدَاقِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتَوَهَّمُ أَنَّ أَمْرَهُ ضَعِيفٌ فَنَبَّهَ بِالْأَخَفِّ عَلَى الْأَشَدِّ كَمَا أَشَارَ لِذَلِكَ فِي التَّوْضِيحِ.

(الثَّانِي) : ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّ الْعَقْدَ عَلَى ذَلِكَ جَائِزٌ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَمَنَعَهُ فِي السُّلَيْمَانِيّ مَا يُعْطِيهِ تَارَةً ثَمَنًا وَتَارَةً سَلَفًا قَالَ وَوَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّهُمَا دَخَلَا عَلَى الْوَفَاءِ بِالشَّرْطِ، وَإِنْ خَالَفَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَمْرٌ طَارِئٌ.

(الثَّالِثُ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ظَاهِرُ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَكَلَامِ غَيْرِهِ أَنَّ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ سَوَاءٌ خَالَفَ عَنْ قُرْبٍ، أَوْ بُعْدٍ تَحْقِيقًا لِلْعِوَضِيَّةِ وَقَالَهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَشَارَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ إلَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُفَرَّقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْقُرْبِ وَالْبَعْدِ كَمَا فَرَّقُوا إذَا أَرَادَ طَلَاقَهَا فَوَضَعَتْ عَنْهُ مِنْ صَدَاقِهَا، أَوْ سَأَلَهَا الْحَطِيطَةَ فَقَالَتْ أَخَافُ أَنْ تُطَلِّقَنِي فَقَالَ لَا أَفْعَلُ فَحَطَّتْ عَنْهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا، أَوْ أَعْطَتْ زَوْجَهَا مَالًا عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ ضَرَّتَهَا فَطَلَّقَهَا ثُمَّ أَرَادَ مُرَاجَعَتَهَا وَكَمَا لَوْ قَالُوا: إذَا سَأَلَ الْبَائِعُ الْمُشْتَرِيَ الْإِقَالَةَ فَقَالَ لَهُ الْمُشْتَرِي إنَّمَا مُرَادُك الْبَيْعُ لِغَيْرِي؛ لِأَنِّي اشْتَرَيْتهَا بِرُخْصٍ فَيَقُولُ الْبَائِعُ مَتَى بِعْتهَا فَهِيَ لَك بِالثَّمَنِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ إنْ بَاعَ عَقِبَ الْإِقَالَةِ، أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا فَلِلْمُبْتَاعِ شَرْطُهُ، وَإِنْ بَاعَ بَعْدَ الطُّولِ أَوْ لِحُدُوثِ سَبَبٍ اقْتَضَاهُ فَالْبَيْعُ مَاضٍ اهـ.

قُلْت: كَأَنَّهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - لَمْ يَقِفْ عَلَى نَصٍّ فِي رُجُوعِهَا إذَا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْبُعْدِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي النَّوْعِ الْخَامِسِ مِنْ الْبَابِ الثَّالِثِ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ إذَا أَعْطَتْهُ مَالًا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَنَّهَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ قَرُبَ تَزْوِيجُهُ، أَوْ بَعُدَ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ وَابْنِ فَتْحُونٍ وَغَيْرِهِمَا.

وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْطَتْهُ مَالًا عَلَى أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَقَبِلَ ذَلِكَ ثُمَّ طَلَّقَهَا فَيُفَصَّلُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ

<<  <  ج: ص:  >  >>