للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَيَّنَ الْجِهَادُ فِي مَوْضِعٍ لَمْ يَجُزْ فِيهِ الصُّلْحُ كَمَا لَوْ كَانَ الْعَدُوُّ طَالِبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ يَفْجَأُ مَوْضِعَهُمْ، وَهُوَ ضِعْفُ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ فَأَقَلُّ لَا شِدَّةَ وَعُدَّةَ عَلَى الْمَشْهُورِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ فَيَتَعَيَّنُ عَلَى مَنْ نَزَلَ بِهِمْ، وَمَنْ قَارَبَهُمْ دَفْعَهُمْ فِي الْحِينِ وَنَقَلَ اللَّخْمِيُّ عَنْ الدَّاوُدِيِّ فَرْضِيَّةَ الْجِهَادِ عَلَى مَنْ يَلِي الْعَدُوَّ وَيَسْقُطُ عَمَّنْ بَعُدَ عَنْهُ وَقَرَّرَهُ الْمَازِرِيُّ بِأَنَّهُ بَيَانٌ لِتَعَلُّقِ فَرْضِ الْكِفَايَةِ لِمَنْ حَضَرَ مَحَلَّ تَعَلُّقِهِ قَادِرًا عَلَيْهِ دُونَ مَنْ بَعُدَ عَنْهُ لِعُسْرِهِ، فَإِنْ عَصَى الْحَاضِرُ تَعَلَّقَ بِمَنْ يَلِيهِ وَحَاصِلُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ أَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ الَّذِي هُوَ حُكْمُ الْجِهَادِ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ مَا يُوجِبُهُ عَلَى الْأَعْيَانِ فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ.

وَفِي تَلْقِينِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ قَدْ يَتَعَيَّنُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ عَلَى مَنْ يَفْجَؤُهُمْ الْعَدُوُّ.

وَفِي نَوَازِلِ ابْنِ أَبِي زَيْدٍ عَنْ سَحْنُونَ إنْ نَزَلَ أَمْرٌ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْجَمِيعِ كَانَ عَلَيْهِمْ فَرْضًا

وَلَوْ سَبَى الْمُشْرِكُونَ النِّسَاءَ وَالذُّرِّيَّةَ وَالْأَمْوَالَ وَجَبَ اسْتِنْقَاذُهُمْ عَلَى مَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَخَافُوا عَلَى أَنْفُسهمْ، أَوْ عَلَى أَهْلِيهِمْ بِرُؤْيَةِ سُفُنٍ، أَوْ خَبَرٍ عَنْهَا فَكُلُّ مَا نُقِلَ فِي تَعَيُّنِ فَرْضِ الْجِهَادِ مَانِعٌ مِنْ الصُّلْحِ لِاسْتِلْزَامِهِ لِإِبْطَالِ فَرْضِ الْعَيْنِ الَّذِي هُوَ الْجِهَادُ الْمَطْلُوبُ فِيهِ الِاسْتِنْقَاذُ

وَفِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ مَالِكٌ أَوَاجِبٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ افْتِدَاءُ مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ قَالَ نَعَمْ أَلَيْسَ وَاجِبًا عَلَيْهِمْ أَنْ يُقَاتَلُوا حَتَّى يَسْتَنْقِذُوهُمْ قَالَ بَلَى قَالَ فَكَيْفَ لَا يَفْدُونَهُمْ بِأَمْوَالِهِمْ وَفِي مِثْلِ هَذَا أَعْنِي حَيْثُ يَتَعَيَّنُ الْجِهَادُ، حَكَى الْقَاضِي ابْنُ رُشْدٍ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ أَقْوَى مِنْ الذَّهَابِ إلَى حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ؛ لِأَنَّ الْجِهَادَ إنْ تَعَيَّنَ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ وَالْحَجُّ قَدْ قِيلَ فِيهِ إنَّهُ عَلَى التَّرَاخِي وَلَمَّا تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ بِمَا فِيهَا مِنْ النُّصُوصِ لِلْأَئِمَّةِ تَعَيَّنَ بِهَا أَنَّ الْجِهَادَ فَرْضُ عَيْنٍ فِي مَسْأَلَةِ السُّؤَالِ فَيُمْتَنَعُ فِيهِ الصُّلْحُ عَلَى كُلِّ حَالٍ لَا سِيَّمَا إنْ طَالَتْ مُدَّتُهُ، فَقَدْ عَادَتْ عَلَى الْعَدُوِّ أَهْلَكَهُ اللَّهُ مَصْلَحَتُهُ، وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ مَفْسَدَتُهُ، وَإِنْ تَخَيَّلْت فِيهِ مَصْلَحَةً فَهِيَ لِلْعَدُوِّ أَعْظَمُ مِنْ وُجُوهٍ مُكَمِّلَةٍ، فَإِنَّهُ يَتَحَصَّنُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ وَيُكْثِرُ مِنْ آلَاتِ الْحَرْبِ وَالْعُدَّةِ فَيَتَعَذَّرُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الِاسْتِنْقَاذُ وَيَصْعُبُ عَلَيْهِمْ تَحْصِيلُ الْمُرَادِ بَعْدَ تَيَسُّرِهِ لَوْ سَاعَدَ التَّوْفِيقُ وَلَكِنَّ الْمَوْلَى جَلَّ جَلَالُهُ الْمَسْئُولُ فِي هِدَايَتِهِ إلَى سَوَاءِ الطَّرِيقِ فَمَا وَقَعَ مِنْ الصُّلْحِ هُوَ مَفْسَدَةٌ عَلَى الْإِسْلَامِ فَلَا يَكُونُ لَهُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ إبْرَامٌ فَالصُّلْحُ الْمَذْكُورُ يَجِبُ نَقْضُهُ؛ لِأَنَّهُ بِمُقْتَضَى الشَّرْعِ غَيْرُ مُنْبَرِمٍ فَحُكْمُهُ غَيْرُ لَازِمٍ عِنْدَ كُلِّ مَنْ حَقَّقَ أُصُولَ الشَّرِيعَةِ قَالَ فِي التَّلْقِينِ وَلَا يَجُوزُ تَرْكُ الْجِهَادِ لِهُدْنَةٍ إلَّا مِنْ عُذْرٍ لَا يُقَالُ الصُّلْحُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ دَاخِلٌ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ.

وَالصُّلْحُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَكُونُ فِي الْغَالِبِ إلَّا مِنْ عُذْرٍ عَلَى أَنَّهُ حُكْمٌ اجْتِهَادِيٌّ مِنْ إمَامٍ فَلَا سَبِيلَ إلَى نَقْضِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ وَقَعَ ذَلِكَ عَقِبَ الدَّاهِيَةِ الدَّهْيَاءِ وَهِيَ انْتِهَازُ الْعَدُوِّ دَمَّرَهُ اللَّهُ الْفُرْصَةَ فِي بِلَادِ الْمَغْرِبِ مَعَ تَوَفُّرِ الْإِسْلَامِ وَالْعَدَدِ وَالْعَدُوُّ لَيْسَ لَهُ فِيهَا مَدَدٌ وَالْمُسْلِمُونَ لَا يَقْصِرُونَ عَنْ ضِعْفِ الْعَدُوِّ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ عَدُوُّهُمْ ضِعْفَهُمْ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الصُّلْحُ لِخَوْفِ اسْتِئْصَالِ الْكَافِرِينَ بَقِيَّةَ الْمُسْلِمِينَ.

وَإِمَّا لِلْخَوْفِ مِنْ الْمُحَارَبِينَ وَالْأَوَّلُ بَاطِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ الْفَرْضَ وَالثَّانِي كَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ مِنْ الْمُحَارِبِ بِالْفَرْضِ مَعَ إمْكَانِ انْقِسَامِ الْعَدَدِ وَاتِّصَالِ الْمُسْلِمِينَ بِحُصُولِ الْمَدَدِ فَالْوَاجِبُ الْقِتَالُ، وَإِنْ كَانَ الْعَدُوُّ ذَا جَلَدٍ وَمَعَهُ كَثْرَةُ الْعَدَدِ فَلَا يَدْخُلُ الصُّلْحُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْ كَلَامِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ وَحُكْمُ الْجِهَادِ يُنْتَقَضُ إذَا تُبَيِّنَ فِيهِ الْخَطَأُ كَمَا نُقِلَ عَنْ سَحْنُونَ وَطُولُ الْمُدَّةِ فِي الصُّلْحِ الْمَذْكُورِ خَطَأٌ فَيُنْتَقَضُ الصُّلْحُ وَذَلِكَ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ الْمَذْكُورَ فِيهِ تَرْكُ الْجِهَادِ الْمُتَعَيَّنِ وَتَرْكُ الْجِهَادِ لِيُسَكِّنَّهُ مُمْتَنِعٌ فَالصُّلْحُ الْمَذْكُورُ مُمْتَنَع وَكُلُّ مُمْتَنِع غَيْرُ لَازِمٍ وَالْجِهَادُ فِي الْمَوْضُوعِ الْمَذْكُورِ لَمْ يَزَلْ مُتَعَيَّنًا مِنْ زَمَنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>