للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَادَّعَاهُ الزَّوْجُ فَلَيْسَ لَهُ عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ لِإِقْرَارِهِمَا بِالْخَلْوَةِ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي الْبَيَانِ فَإِنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَادَّعَتْ أَنَّهُ مِنْهُ وَأَقَرَّ هُوَ بِهِ فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِهِ، وَتَكُونُ لَهُ الرَّجْعَةُ وَيَلْزَمُهُ الصَّدَاقُ كَامِلًا، وَلَا يُتَّهَم أَنَّهُ أَقَرَّ بِالْوَلَدِ لِتَكُونَ لَهُ الرَّجْعَةُ؛ لِأَنَّ إلْحَاقَ النَّسَبِ يَرْفَعُ التُّهْمَةَ فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَ الْوَطْءِ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ فَلَهُ الرَّجْعَةُ عَلَيْهَا إذَا وَافَقَتْهُ عَلَى الْوَطْءِ، وَالْعِدَّةُ لَازِمَةٌ لَهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا طَلْقَةً وَاحِدَةً مَلَّكَهَا بِهَا أَمْرَ نَفْسِهَا دُونَهُ فَهُوَ مَكْرُوهٌ؛ لِأَنَّهُ عَلَى خِلَافِ السُّنَّة، وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ، فَقِيلَ: إنَّهُ يَكُونُ طُلَقَةً رَجْعِيَّةً كَمَنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً لَا رَجْعَةَ لِي عَلَيْك فِيهَا وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ وَمُطَرِّفٍ

وَالثَّانِي: أَنَّهَا تَكُونُ أَلْبَتَّةَ كَمَنْ قَالَ: أَنْت طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنَةً فَإِنَّهَا ثَلَاثٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، وَابْنِ حَبِيبٍ

وَالثَّالِثُ أَنَّهَا طُلَقَةٌ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَحَكَاهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - وَبِهِ الْقَضَاءُ وَكَانَ ابْنُ عَتَّابٍ يُفْتِي بِأَنَّ مَنْ بَارَأَ زَوْجَتَهُ هَذِهِ الْمُبَارَأَةَ، ثُمَّ طَلَّقَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْعِدَّةِ أَنَّ الطَّلَاقَ يُرْتَدَفُ عَلَيْهِ اسْتِحْسَانًا، وَمُرَاعَاةً لِقَوْلِ مَنْ يَرَاهُ طَلْقَةً رَجْعِيَّةً فَإِنْ طَلَّقَهَا، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَفِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ.

وَالثَّانِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ ذَكَرَ ذَلِكَ ابْنُ رُشْدٍ فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ.

[رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَقَالَ لَهَا أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ]

(وَسُئِلَ) - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ رَجُلٍ تَشَاجَرَ مَعَ زَوْجَتِهِ فَقَالَ لَهَا: أَنْت طَالِقٌ ثَلَاثًا، وَلَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَأَجَابَ إذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْت فَقَدْ بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ، وَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهَا إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ اهـ.

وَالطَّلَاقُ قَبْلَ الْبِنَاءِ كُلُّهُ بَائِنٌ، وَقَعَ عَلَى إسْقَاطٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَأَمَّا الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ فَإِنْ أَوْقَعَهُ طَلْقَةً بَعْدَ أُخْرَى مُفَرَّقًا فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ بِإِجْمَاعٍ، وَإِنْ جَمَعَ الثَّلَاثَ فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَاخْتُلِفَ فِي هَذَا الطَّلَاقِ الَّذِي أَوْقَعَهُ ثَلَاثًا فِي كَلِمَةٍ فَقِيلَ: إنَّهُ يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - إنَّمَا ذَكَرَ الثَّلَاثَ مُفَرَّقًا فَلَا يَصِحُّ إيقَاعُهُ إلَّا كَذَلِكَ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ الصَّدْرِ الْأَوَّلِ، وَقَالَ بِهِ أَهْلُ الظَّاهِرِ، وَطَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ، وَأَخَذَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ شُيُوخِ قُرْطُبَةَ ابْنُ زِنْبَاعٍ وَابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَأَصْبَغُ بْنُ الْحُبَابِ، وَغَيْرُهُمْ مِنْ الْأَنْدَلُسِيِّينَ، وَقِيلَ: يَلْزَمُهُ الثَّلَاثُ فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ، وَجُلُّ الْعُلَمَاءِ

(وَسُئِلَ) ابْنُ رُشْدٍ عَنْ، وَثِيقَةٍ بِرَجْعَةٍ مِنْ الطَّلَاقِ الْمَذْكُورِ دُونَ زَوْجٍ.

فَقَالَ: هُوَ رَجُلٌ جَاهِلٌ ضَعِيفُ الدِّينِ فَعَلَ مَا لَا يَسُوغُ لَهُ بِإِجْمَاعٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إذْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ فَيَسُوغُ لَهُ مُخَالَفَةُ مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ تَقْلِيدُ الْعُلَمَاءِ فِي وَقْتِهِ، وَلَا يَسُوغُ لَهُ أَنْ يُخَالِفَهُمْ بِرَأْيِهِ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِ أُدِّبَ، وَكَانَتْ جُرْحَةً فِيهِ تُسْقِطُ إمَامَتَهُ، وَشَهَادَتَهُ اهـ مِنْ ابْنِ سَلْمُونٍ.

[يَرُدُّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا وَيَتَحَيَّلُ فِي جَعْلِهِ وَاحِدَةً]

، وَفِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ سُئِلَ ابْنُ رُشْدٍ عَمَّنْ يَرُدُّ الْمُطَلَّقَةَ ثَلَاثًا، وَيَتَحَيَّلُ فِي جَعْلِهِ وَاحِدَةً، وَرُبَّمَا، وَجَدَ خَطَّهُ بِرَدِّهَا عَلَى وَاحِدَةٍ بِوِلَايَةِ الْخَالِ، وَالْكَاتِبُ لَا يَجْهَلُ هَذَا الْقَدْرَ، وَهَلْ يُؤَدَّبُ الْخَالُ، وَالشُّهُودُ فِي ذَلِكَ، وَمَا تَقُولُ فِيمَنْ سَأَلَهُ عَدْلٌ عَنْ زَوْجَتِهِ فَقَالَ: لَا تَحِلُّ لِي قَالَ: لَهُ لِمَ ذَلِكَ قَالَ: لِأَنِّي طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا، وَشَهِدَ عَلَيْهِ آخَرُ مَقْبُولٌ أَنَّهُ قَالَ لِهَذِهِ " الزَّوْجَةِ " الْأَيْمَانُ تَلْزَمُهُ إنْ كُنْت لِي بِزَوْجَةٍ أَبَدًا هَلْ تُلَفَّقُ الشَّهَادَتَانِ أَمْ لَا، وَمَا أُدِّبَ مَنْ فَعَلَ هَذَا إنْ لَمْ يُعْذَرْ بِجَهْلٍ؟

فَأَجَابَ بِأَنَّ كَوْنَ الْمُطَلَّقَةِ ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ إلَّا بَعْدَ زَوْجٍ مِمَّا أَجْمَعَ عَلَيْهِ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَالْكَاتِبُ بِرَدِّ الْمُطَلَّقَةِ، وَالْمُفْتِي بِذَلِكَ جَاهِلٌ قَلِيلُ الْمَعْرِفَةِ ضَعِيفُ

<<  <  ج: ص:  >  >>