للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصَّدَاقِ فَلَعَلَّ عِنْدَهُمْ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَا تَقَعُ بِهِ الْفَتْوَى فَإِنْ لَمْ يَجِدْ عِنْدَهُمْ جَلَاءً فَيُحْتَمَلُ أَنْ تُحَرَّمَ عَلَيْهِ كَمَنْ جَعَلَ أَمْرَهَا بِيَدِهَا فَقَالَ الزَّوْجُ: أَرَدْت وَاحِدَةً، وَقَالَتْ الْمَرْأَةُ: بَلْ هِيَ الثَّلَاثُ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحْلِفَ الزَّوْجُ مَا أَرَادَ تَحْرِيمَهَا تَحْرِيمًا مُؤَبَّدًا، وَإِنَّمَا أَرَادَ تَطْيِيبَ نَفْسِهَا بِذَلِكَ، وَيَسْقُطُ الشَّرْطُ، وَأَفْتَى أَصْبَغُ، وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ تَزَوُّجُهَا، وَأَنَّ قَوْلَهُ ذَلِكَ كَذِبَةٌ مِنْهُ، وَبِطَرِيقِ أَنْ تَمْنَعَهُ مِنْ نِكَاحِ الْأُولَى فَلَا يَصِحُّ لَهُ.

وَقَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إذَا جَاءَ الرَّجُلُ إلَى الْعَاقِدِ فَقَالَ لَهُ: اُكْتُبْ لِي مُبَارَأَةً بِالثَّلَاثِ أَوْ بِوَاحِدَةٍ فَكَتَبَهَا، ثُمَّ أَمْسَكَهَا الْآمِرُ عِنْدَهُ، وَأَبَى أَنْ يُلْزِمَ نَفْسَهُ شَيْئًا مِنْ الطَّلَاقِ الَّذِي أَمَرَ بِكَتْبِهِ إنْ كَانَ أَمَرَ الْعَاقِدُ بِذَلِكَ، وَهُوَ مُجْمِعٌ عَلَى الطَّلَاقِ الَّذِي أَمَرَ بِكَتْبِهِ لَزِمَهُ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَأَقْصَى مَا عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّهُ مَا كَانَ عَازِمًا عَلَى الطَّلَاقِ حِينَ أَمَرَ بِكَتْبِهِ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا أَرَدْت بِكَتْبِهَا لِأُشَاوِرَ نَفْسِي كَمَا يُقَالُ فِي الْكِتَابِ، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: إنَّ أَمْرَهُ بِكَتْبِ الْمُبَارَأَةَ خِلَافُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَكَانَ جَوَابُهُ أَنَّ الْمُبَارَأَةَ قَدْ يَنْضَافُ إلَيْهَا الطَّلَاقُ، وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ لِلْعَاقِدِ: اُكْتُبْ لِي، وَمَسْأَلَةُ الْكِتَابِ لَمْ يَزِدْ عَلَى الْكِتَابِ اهـ.

[رَجُل حَلَفَ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا لَا يَزْنِي ثُمَّ وَقَعَ مِنْهُ]

(وَسُئِلَ) أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَمِيرُ عَنْ رَجُلٍ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ ثَلَاثًا لَا يَزْنِي، ثُمَّ وَقَعَ مِنْهُ، وَأَقَامَتْ زَوْجَتُهُ فِي بَيْتِهِ سَنَةً بَعْدَ ذَلِكَ فَجَعَلَ لَهُ شَافِعِيٌّ مُحَلِّلًا، وَطَلَّقَهَا الْمُحَلِّلُ، وَعَقَدَ لَهُ شَخْصٌ عَلَيْهَا، وَهِيَ فِي عِدَّةِ الْمُحَلِّلِ جَهْلًا، وَاسْتَرْسَلَ عَلَيْهَا مُدَّةً، ثُمَّ أَخْبَرَهُ الْعَاقِدُ أَنَّ الْعَقْدَ غَيْرُ صَحِيحٍ، وَأَنَّ وَطْأَهَا حَرَامٌ فَتَسَاهَلَ، وَاسْتَمَرَّ مَعَهَا حَتَّى وَلَدَتْ أَوْلَادًا فَهَلْ تُلْحَقُ بِهِ أَوْ لَا؟

(فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) يَدِينُ هَذَا الرَّجُلُ فَإِنْ قَالَ: اعْتَقَدْت صِحَّةَ الْمُرَاجَعَةِ الْأُولَى وَوَطِئْت مُعْتَقِدًا الْحِلَّ اعْتِمَادًا عَلَيْهَا، وَلَمْ أُصَدِّقْ الْخَبَرَ الثَّانِي وُكِّلَ إلَى دِينِهِ، وَكَانَ وَطْؤُهُ وَطْءَ شُبْهَةٍ وَلَحِقَتْ بِهِ الْأَوْلَادُ لِتَشَوُّفِ الشَّارِعِ لِلُحُوقِ النَّسَبِ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِأَنَّهُ وَطِئَ دَاخِلًا عَلَى الزِّنَا لَمْ تَلْحَقْ بِهِ، وَالْمَرْأَةُ لَا تَحِلُّ لَهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُ بِأَوَّلِ وَطْئِهِ بِالشُّبْهَةِ فِي الْعِدَّةِ تَأَبَّدَ تَحْرِيمُهَا عَلَيْهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَم.

(مَا قَوْلُكُمْ) فِي امْرَأَةٍ سَبَّتْ الْمِلَّةَ هَلْ تَرْتَدُّ، وَإِذَا قُلْتُمْ تَرْتَدُّ فَهَلْ تَطْلُقُ طَلَاقًا بَائِنًا أَوْ رَجْعِيًّا أَفِيدُوا الْجَوَابَ؟

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالصَّلَاةُ، وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ نَعَمْ ارْتَدَّتْ بِسَبَبِ سَبِّهَا الْمِلَّةَ؛ لِأَنَّ السَّبَّ أَشَدُّ مِنْ الِاسْتِخْفَافِ، وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّهُ رِدَّةٌ فَلْيَكُنْ السَّبُّ رِدَّةً بِالْأَوْلَى عَلَى أَنَّ الْمِلَّةَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ سَبَّهُ كُفْرٌ كَبَاقِي الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ كَمَا فِي نَوَازِلِ الْبُرْزُلِيِّ، وَنَصُّهُ: وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ جَحَدَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَدْ حَلَّ ضَرْبُ عُنُقِهِ، وَكَذَا جَحْدُ التَّوْرَاةِ، وَالْإِنْجِيلِ، وَكُتُبِ اللَّهِ الْمُنَزَّلَةِ أَوْ كَفَرَ بِهَا أَوْ لَعَنَهَا أَوْ سَبَّهَا أَوْ اسْتَخَفَّ بِهَا فَهُوَ كَافِرٌ اهـ.

وَطَلُقَتْ مِنْ زَوْجِهَا طَلَاقًا بَائِنًا عَلَى الْمَشْهُورِ إلَّا أَنْ تَتَعَمَّدَ الرِّدَّةَ لِذَلِكَ فَلَا تَطْلُقُ، وَتُعَامَلُ بِنَقِيضِ قَصْدِهَا.

وَقِيلَ: رَجْعِيًّا، وَقِيلَ فَسْخٌ لَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ طَلْقَةً، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ تَرْجِعُ لَهُ بِعَوْدِهَا لِلْإِسْلَامِ، وَهُوَ فُسْحَةٌ كَذَا فِي الْمَجْمُوعِ، وَضَوْءِ الشُّمُوعِ، وَفِي شَرْحِ الْبَدْرِ الْقَرَافِيُّ عَلَى خَلِيلٍ فِي بَابِ الرِّدَّةِ عَنْ الشَّارِح فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ إذَا قَالَ تَارِكُ الصَّلَاةِ لِمَنْ قَالَ لَهُ: صَلِّ: إذَا دَخَلْت الْجَنَّةَ فَأَغْلِقْ الْبَابَ خَلْفَك فَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي الدِّينِ فَقَدْ ارْتَدَّ اتِّفَاقًا، وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ صَلَاةَ الْقَائِلِ لَا تَأْثِيرَ لَهَا لِكَوْنِهَا لَمْ تَنْهَهُ عَنْ الْفَحْشَاءِ، وَالْمُنْكَرِ فَفِي رِدَّتِهِ قَوْلَانِ.

وَفِي الْأُجْهُورِيِّ عَنْ الْإِحْيَاءِ مَنْ قَالَ فِي الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ فَشْرٌ أَوْ فَشْرُ رَجُلٍ جَرَى عَلَى حُكْمِ سَبِّ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - اهـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>