للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَحَكَمَ بِهِ فِي، وَقْعَةِ قُتُنْدَةَ، وَغَيْرِهَا، وَهُوَ مُقْتَضَى مَا رَوَاهُ أَشْهَبُ، وَابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ فَفِيهَا قَالَ أَشْهَبُ:

سُئِلَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عَنْ الْمَفْقُودِ فِي أَرْضِ الْإِسْلَامِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ، وَفِي أَرْضِ الْعَدُوِّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ كَمْ تَقْعُدُ امْرَأَتُهُ فَقَالَ: سَنَةً فَقِيلَ: لَهُ تَعْتَدُّ بَعْدَ السَّنَةِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، وَعَشْرًا فَقَالَ: نَعَمْ تَعْتَدُّ لَهُ، وَمَتَى يُضْرَبُ لَهُ أَجَلٌ سَنَةً مِنْ يَوْمِ فَقْدِهِ أَوْ مِنْ يَوْمِ يَضْرِبُ لَهُ السُّلْطَانُ قَالَ مِنْ يَوْمِ يَضْرِبُ لَهُ السُّلْطَانُ، وَيَنْظُرُ فِي أَمْرِهَا، وَوَجْهُ هَذَا الْقَوْلِ هُوَ تَرْجِيحُ الْغَالِبِ عَلَى الْأَصْلِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ رُئِيَ فِي الْمُعْتَرَكِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ فَلَمَّا ثَبَتَ ذَلِكَ، وَلَمْ تُعْلَمْ لَهُ حَيَاةٌ بِطُولِ الْأَجَلِ بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْهُ كَانَ الْغَالِبُ مِنْ أَمْرِهِ الْمَوْتَ فَرَجَحَ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ الْحَيَاةُ، وَحُكِمَ بِمَوْتِهِ، وَلَمْ يَتَبَعَّضْ فِيهِ الْحُكْمُ فَاعْتَدَّتْ زَوْجَتُهُ، وَوَرِثَهُ وَرَثَتُهُ، وَحُكْمُ هَذَا الْأَجَلِ السَّنَةِ حُكْمُ الْأَرْبَعَةِ الْأَعْوَامِ.

قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا سِوَى أَنَّ هَذَا سَنَةٌ، وَذَلِكَ أَرْبَعُ سِنِينَ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ يَوْمِ يَضْرِبُهُ السُّلْطَانُ، وَيَنْظُرُ فِي أَمْرِهِ، وَالْعِدَّةُ بَعْدَ انْقِضَائِهِ فَهُمَا سَوَاءٌ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ مِنْ إجْرَاءِ النَّفَقَةِ فِيهِ عَلَى الزَّوْجَةِ، وَغَيْرِهَا مِمَّنْ يَلْزَمُ الْمَفْقُودَ نَفَقَتَهُ، وَإِنْ مَاتَ مَنْ يَرِثُهُ فِي أَثْنَاءِ الْأَجَلِ فَلَا مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا، وَغَيْرَ ذَلِكَ فَإِذَا تَمَّتْ السَّنَةُ حُكِمَ بِمَوْتِهِ فَتَعْتَدُّ عِنْدَ ذَلِكَ زَوْجَتُهُ، وَتَرِثُهُ، وَرَثَتُهُ إذْ ذَاكَ، ثُمَّ قَالَ فَإِذَا تَمَّ هَذَا الْأَجَلُ، وَلَمْ يَثْبُتْ لِلْمَفْقُودِ حَيَاةٌ، وَلَا مَوْتٌ ثَمَّ الْحُكْمُ بِمَوْتِهِ فَتَعْتَدُّ زَوْجَتُهُ مِنْ بَعْدَ انْقِضَائِهِ، وَيَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْأَحْيَاءُ إذْ ذَاكَ، وَتَنْقَطِعُ النَّفَقَةُ عَنْ الزَّوْجَةِ، وَغَيْرِهَا مِمَّنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ، وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى تَجْدِيدِ حُكْمٍ مِثْلُ الْأَجَلِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الْمَفْقُودِ فِي غَيْرِ الْقِتَالِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَجَلُ فِي هَذَا سَنَةً؛ لِأَنَّ السَّنَةَ تُضْرَبُ فِي الشَّرْعِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ كَأَجَلِ الْمُعْتَرِضِ، وَعُهْدَةِ السَّنَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَهَذَا الْقَوْلُ عَلَى الْحُكْمِ بِالْغَالِبِ، وَتَرْجِيحِهِ عَلَى الْأَصْلِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَهُوَ مُقْتَضَى رِوَايَةِ أَشْهَبَ وَابْنِ نَافِعٍ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ الْآخَرُ، وَهُوَ مُقْتَضَى الرِّوَايَةِ الْمَذْكُورَةِ إلَّا أَنَّهُ حَكَمَ بِذَلِكَ فِي الزَّوْجَةِ فَقَطْ، وَبَقِيَ فِي الْمَالِ عَلَى الْأَصْلِ، وَهُوَ عَلَى غَيْرِ قِيَاسٍ، وَتَكَلَّمَ ابْنُ رُشْدٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرَجَّحَ فِي الشَّرْحِ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ، وَرَجَّحَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ هَذَا الْقَوْلَ بِأَنَّهُ يُحْكَمُ بِمَوْتِهِ بَعْدَ السَّنَةِ فِي الزَّوْجَةِ، وَالْمَالِ، وَحَمَلَ الرِّوَايَةَ عَنْ مَالِكٍ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمَوْضِعَيْنِ عَلَى مَا رَجَّحَهُ بِهِ فِيهِ، وَهِيَ مُحْتَمِلَةٌ لِلْوَجْهَيْنِ.

وَأَمَّا الْمَفْقُودُ فِي قِتَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْفِتَنِ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَهُمْ فَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ فِي الْمَذْهَبِ:

أَحَدُهَا أَنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْمَفْقُودِ فِي غَيْرِ الْمُعْتَرَكِ.

وَالثَّانِي أَنَّهُ يُؤَجَّلُ سَنَةً، ثُمَّ تَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ بَعْدَهَا، وَتَتَزَوَّجُ إنْ شَاءَتْ، وَيُوقَفُ مَالُهُ إلَى انْقِضَاءِ مُدَّةِ تَعْمِيرِهِ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ.

وَالثَّالِثُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ يَحْكُمُ بِمَوْتِهِ يَوْمَ الْقِتَالِ فَتَعْتَدُّ امْرَأَتُهُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَيَرِثُهُ وَرَثَتُهُ الْأَحْيَاءُ يَوْمئِذٍ مِنْ غَيْرِ ضَرْبِ أَجَلٍ.

قَالَ مَالِكٌ: وَيُتَلَوَّمُ لَهُ أَجَلٌ أَمَدٌ يَسِيرٌ بِقَدْرِ مَا يَنْصَرِفُ مَنْ هَرَبَ أَوْ مَنْ انْهَزَمَ، وَيُقْسَمُ مَالُهُ، وَتَتَزَوَّجُ امْرَأَتُهُ بَعْدَ الْعِدَّةِ إنْ شَاءَتْ، وَالتَّرَبُّصُ فِي ذَلِكَ بِالِاجْتِهَادِ، وَإِنْ ظَهَرَ أَنْ يُقْسَمَ الْمَالُ بَعْدَ انْفِصَالِ الصَّفَّيْنِ فَعَلَ إذَا عُرِفَ الْحَالُ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْأَجَلِ فِي ذَلِكَ فَائِدَةٌ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَى إذَا كَانَتْ الْمَعْرَكَةُ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَكُونَ التَّرَبُّصُ سَنَةً، وَالْعِدَّةُ دَاخِلَةٌ فِيهَا؛ إذْ هِيَ مِنْ يَوْمِ الْوَقِيعَةِ، وَإِنَّمَا هَذِهِ السَّنَةُ تَرَبُّصٌ لِلْفَحْصِ عَنْ حَالِهِ، وَلَيْسَتْ بِأَجَلٍ مَضْرُوبٍ.

وَفِي الْعُتْبِيَّةِ سُئِلَ سَحْنُونٌ عَنْ مَعْرَكَةٍ تَكُونُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فِي أَفْنِيَتِهِمْ فَيَقَعُ الْقَتْلُ بَيْنَهُمْ فَمَا تَقُولُ

<<  <  ج: ص:  >  >>