للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّعِينُ لَعَنَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَهَلَكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْهُ " أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ "، وَالثَّانِي فِرْعَوْنُ الْخَسِيسُ قَالَ " أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى "، وَفِي ذَلِكَ أَقَاوِيلُ وَأَحَادِيثُ فَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ «وَلَيَأْتِيَنَّ زَمَانٌ عَلَى النَّاسِ يَتَعَلَّمُونَ الْقُرْآنَ وَيَقْرَؤُنَهُ ثُمَّ يَقُولُونَ قَدْ قَرَأْنَا وَعَلِمْنَا فَمَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنَّا فَهَلْ فِي أُولَئِكَ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَمَنْ أُولَئِكَ قَالَ: أُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ» وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ قَالَ إنِّي عَالِمٌ فَهُوَ جَاهِلٌ» اهـ. وَإِيَّاكُمْ وَالتَّجَارُؤَ عَلَى الْفَتْوَى فَإِنَّ شَأْنَ الشَّرِيعَةِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى عَظِيمٌ، وَهُوَ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، وَلَا أَحَدٌ أَغْيَرُ مِنْ اللَّهِ، وَعَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ الْعَامِلِينَ أَنَّهُ قَالَ: «عَرَضْت فَتْوَايَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَاتَبَنِي عَلَى قَيْدٍ أَخْلَلْت بِهِ فَتَرَكْت الْفَتْوَى مِنْ ذَلِكَ» وَتَأَسُّوا بِإِمَامِ الْأَئِمَّةِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - فِي إكْثَارِهِ مِنْ " لَا أَدْرِي " حَتَّى قَالَ بَعْضُ تَلَامِذَتِهِ لَوْ شِئْت أَنْ أَمْلَأَ أَلْوَاحِي مِنْ قَوْلِهِ لَا أَدْرِي لَفَعَلْت. وَأَتَاهُ سَائِلٌ وَأَقَامَ عِنْدَهُ زَمَنًا طَوِيلًا وَهُوَ يَقُولُ لَهُ لَا أَدْرِي، فَقَالَ لَهُ: إنِّي آتِيك مِنْ مَسَافَةِ شَهْرٍ ضَارِبًا كَبِدَ بَعِيرِي لِأَسْأَلَك عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَإِذَا عُدْت إلَى قَوْمِي فَقَالُوا: مَاذَا قَالَ لَك مَالِكٌ فَأَيُّ شَيْءٍ أَقُولُ لَهُمْ؟ فَقَالَ لَهُ: قُلْ لَهُمْ قَالَ لِي لَا أَدْرِي. وَلَا تَحِلُّ الْفَتْوَى إلَّا مِمَّنْ يَرَاهُ الْعُلَمَاءُ أَهْلًا لَهَا، وَيَرَى مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ أَيْضًا، وَحَيْثُ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَلْيَقْتَصِرْ عَلَى قَدْرِ الضَّرُورَةِ، وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ الصَّالِحُ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ مَعَ أَهْلِيَّتِهِمْ يَتَطَارَحُونَ ثَلَاثًا الْإِمَامَةَ وَالْفَتْوَى وَالْوَدِيعَةَ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَالْهِدَايَةُ إلَى سَوَاءِ الطَّرِيقِ.

[وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ وَهِيَ حَامِلٌ وَمَاتَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا]

(مَا قَوْلُكُمْ) فِيمَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهَا عِدَّةُ وَفَاةٍ أَوْ طَلَاقٍ، وَهِيَ حَامِلٌ، وَمَاتَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا، وَاسْتَمَرَّ فِيهَا أَوْ نَزَلَ بَعْضُهُ، وَبَقِيَ بَعْضُهُ فَهَلْ يَتَوَقَّفُ خُرُوجُهَا مِنْ الْعِدَّةِ عَلَى وَضْعِهِ أَوْ وَضْعِ بَاقِيه، وَلَوْ طَالَ الزَّمَنُ أَوْ تَخَرَّجَ مِنْهَا بِمُجَرَّدِ مَوْتِهِ وَاسْتِمْرَارِهِ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ؟ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

فَأَجَبْت بِمَا نَصُّهُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ:

أَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى وَهِيَ مَوْتُهُ وَاسْتِمْرَارُهُ فِي بَطْنِهَا فَفِيهَا خِلَافٌ فَقَدْ نَقَلَ الْمَشَذَّالِيُّ وَابْنُ سَلْمُونٍ أَنَّهُ إذَا مَاتَ فِي بَطْنِهَا فَلَا تَخْرُجُ مِنْ الْعِدَّةِ، وَذَكَرَ الزَّرْقَانِيُّ أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ لِبَعْضِهِمْ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِمَوْتِهِ كَذَا فِي الشَّبْرَخِيتِيِّ، وَفِي عَبْدِ الْبَاقِي عَقِبَ قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ: وَعِدَّةُ الْحَامِلِ وَضْعُ حَمْلِهَا كُلِّهِ أَيْ وَلَوْ مَاتَ قَالَهُ ابْنُ سَلْمُونٍ عَنْ ابْنِ فَرْحُونٍ، وَتَسْقُطُ النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا لِلْحَمْلِ، وَقَدْ مَاتَ وَوَقَعَ لِبَعْضِهِمْ أَنَّ الْعِدَّةَ تَنْقَضِي بِمَوْتِهِ اهـ.

وَفِي الْبُرْزُلِيِّ وَتَقَدَّمَ لِلشَّعْبِيِّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عِيسَى أَفْتَى فِي مُطَلَّقَةٍ طَلَاقًا بَائِنًا أَنَّ النَّفَقَةَ لَهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا مَا دَامَ الْوَلَدُ حَيًّا فَإِذَا مَاتَ فِي بَطْنِهَا سَقَطَتْ نَفَقَتُهَا وَوَقَعَتْ، وَحَكَمَ فِيهَا الْقَاضِي ابْنُ الْخَرَّازِ بِالنَّفَقَةِ، وَأَفْتَى بِهِ جَمِيعُ الْفُقَهَاءِ حَتَّى طَالَ عَلَى زَوْجِهَا الْإِنْفَاقُ فَاسْتَشَارَنِي فِي ذَلِكَ فَأَفْتَيْته بِالسُّقُوطِ إذَا أَقَرَّتْ الْمَرْأَةُ بِذَلِكَ لِأَنَّ بَطْنَهَا صَارَ مَدْفِنًا لَهُ، وَإِنَّمَا النَّفَقَةُ لَهَا لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا فَلَوْ تَرَكَتْ غِذَاءَهَا مَاتَ فَإِذَا اعْتَرَفَتْ بِأَنَّهُ مَاتَ فَقَدْ صَارَ لَا غِذَاءَ لَهُ، وَإِنَّمَا صَارَ دَاءً فِي بَطْنِهَا تَحْتَاجُ إلَى دَفْعِهِ عَنْهَا بِالدَّوَاءِ، وَقَبْلَ مَوْتِهِ حَيَاتُهُ مُتَّصِلَةٌ بِحَيَاتِهَا، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي الَّذِي يُطَلِّقُ زَوْجَتَهُ حَامِلًا هَلْ لَهَا نَفَقَةٌ أَمْ لَا فَقَالَ مَالِكٌ لَهَا النَّفَقَةُ فَإِذَا مَاتَ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا.

قُلْت: ظَاهِرُ هَذَا إذَا ثَبَتَتْ حَيَاتُهُ لَحِقَ بِهِ، وَإِنْ طَالَتْ السُّنُونَ، وَعَلَيْهِ لَهَا السُّكْنَى، وَيَحْرُمُ عَلَيْهَا النِّكَاحُ، وَقِيلَ: إذَا جَاوَزَ السَّبْعَ سِنِينَ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ رِيحٌ وَتَزَوُّجٌ، وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا أَبَدًا مَا دَامَ التَّحْرِيكُ، وَعَلَيْهِ يَأْتِي الْحُكْمُ فِي وُجُوبِ سُكْنَاهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>