للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَيْضًا بِمَا نَصُّهُ) مَا قَوْلُكُمْ فِي رَجُلٍ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ أَوْلَادًا ذُكُورًا وَإِنَاثًا فَوَضَعَ الذُّكُورُ أَيْدِيَهُمْ عَلَى التَّرِكَةِ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى مُدَّةِ الْحِيَازَةِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ يَتَصَرَّفُونَ فِيهَا بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ، وَالْحَالُ أَنَّ الْإِنَاثَ يَعْلَمْنَ بِالْبَيْعِ وَهُنَّ سَاكِتَاتٌ لَا يَتَكَلَّمْنَ فَهَلْ بَيْعُ الذُّكُورِ صَحِيحٌ مَاضٍ عَلَى الْإِنَاثِ، وَإِذَا قُلْتُمْ بِمُضِيِّهِ فَهَلْ لَهُنَّ نَصِيبُهُنَّ مِنْ الثَّمَنِ مُطْلَقًا طَالَتْ الْمُدَّةُ أَوْ قَصُرَتْ، وَهَلْ لَهُنَّ قَسْمُ بَاقِي التَّرِكَةِ مَعَ الذُّكُورِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ. (فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ تَصَرُّفُ الذُّكُورِ مِنْ الْوَرَثَةِ فِي التَّرِكَةِ مَعَ سُكُوتِ الْإِنَاثِ مِنْهُمْ مَسْأَلَةٌ مُهِمَّةٌ قَدْ عَمَّتْ بِهَا الْبَلْوَى فَاعْلَمْ وَفَّقَنَا اللَّهُ تَعَالَى وَإِيَّاكَ لِلسَّدَادِ، وَأَلْهَمَنَا الرَّشَادَ أَنَّ مِنْ أُصُولِ الْمَذْهَبِ الْعَادَةُ كَالشَّرْطِ، وَلِذَلِكَ نَزَّلُوا الْعَادَةَ مَنْزِلَةَ التَّصْرِيحِ بِالْوَكَالَةِ فِي بَابِ الضَّحِيَّةِ فَحَكَمُوا بِصِحَّةِ ذَبْحِهَا ضَحِيَّةً مِنْ قَرِيبِ الْمُضَحِّي الَّذِي عَادَتُهُ تَعَاطِي أُمُورِهِ كَمَا قَالَ سَيِّدِي خَلِيلٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي بَابِ الضَّحِيَّةِ وَصَحَّ إنَابَةٌ بِلَفْظٍ أَوْ بِعَادَةٍ كَقَرِيبٍ مَعَ أَنَّهُمْ شَدَّدُوا فِي الْعِبَادَاتِ أَكْثَرَ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ حَيْثُ أَلْحَقُوا الْجَاهِلَ فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ بِالْعَامِدِ، وَجَعَلُوا الْغَلَّةَ فِي الْمُعَامَلَاتِ لِذِي الشُّبْهَةِ عَذَرُوهُ بِجَهْلِهِ، وَنَصُّوا أَيْضًا عَلَى أَنَّ كَبِيرَ الْإِخْوَةِ الْقَاصِرِينَ إذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَصَرُّفِهِ لِإِخْوَتِهِ يَنْزِلُ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ إيصَاءِ الْأَبِ لَهُ، وَبِمُضِيِّ تَصَرُّفِهِ مَعَ التَّشْدِيدِ الزَّائِدِ فِي مَالِ الْيَتِيمِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ أَيْضًا بِأَنَّ الْإِنَاثَ لَا يُعَارِضْنَ الْإِخْوَةَ الذُّكُورَ فِي تَرِكَةِ أَبِيهِنَّ خُصُوصًا فِي بِلَادِ الْأَرْيَافِ، وَأَوْلَادُ مَشَايِخِ الْعَرَبِ، وَالنَّاسُ الْأَغْنِيَاءُ، وَالْبُيُوتُ الْكِبَارُ يَسْتَقْبِحُونَ ذَلِكَ غَايَةَ الِاسْتِقْبَاحِ، وَلَا يَحْصُلُ بَيْنَهُمْ مُشَاحَّةٌ بَلْ يَسْكُتُونَ، وَإِخْوَتُهُمْ يَتَصَرَّفُونَ فَالْوَاجِبُ أَنْ يُنْزَلُوا مَنْزِلَةَ الْوُكَلَاءِ لِلْإِنَاثِ، وَلَا يَكُونُوا حَائِزِينَ عَلَيْهِنَّ، وَلَا يَسْقُطُ حَقُّهُنَّ بِذَلِكَ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّ أَصْلَ الْمَالِ تَرِكَةٌ مُشْتَرَكَةٌ، كَيْفَ وَقَدْ قَالَ ابْنُ رُشْدٍ، وَغَيْرُهُ: وَالْحِيَازَةُ لَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ وَإِنَّمَا تَدُلُّ عَلَيْهِ وَتُقَوِّيه، وَلِذَلِكَ قَالُوا لَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ مِنْ الْحَائِزِ أَمَّا كَوْنُهُ يَأْتِي لِمَالٍ مَعْلُومٍ مَلَّكَهُ لِغَيْرِهِ ثُمَّ يَقُولُ هُوَ لِي بِحِيَازَتِي فَلَا، فَاَلَّذِي يَخْلُصُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ حِيَازَةَ الذُّكُورِ فِي الْفَرْعِ الْمَذْكُورِ إرْفَاقٌ وَإِمْتَاعٌ مِنْ الْإِنَاثِ، وَقَدْ نَصُّوا عَلَى أَنَّ الْحِيَازَةَ الْحَقِيقِيَّةَ لَا تَمْنَعُ مِنْ دَعْوَى الْإِرْفَاقِ بِإِسْكَانٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا فَلَا يَسْقُطُ حَقُّ الْإِنَاثِ، وَأَمَّا إنْ حَصَلَ مِنْهُمْ بَيْعٌ مَثَلًا مَعَ سُكُوتِ الْإِنَاثِ فَيُنْزَلُونَ مَنْزِلَةَ الْوُكَلَاءِ عَلَيْهِنَّ نَظَرًا لِلْعَادَةِ كَمَا عَرَفْت فَيَلْزَمُ الْبَيْعُ، وَلَهُنَّ نَصِيبُهُنَّ مِنْ الثَّمَنِ، وَلَهُنَّ قَسْمُ بَاقِي التَّرِكَةِ مَعَ الذُّكُورِ. نَعَمْ إذَا ادَّعَى الذُّكُورُ دَفْعَ الثَّمَنِ لِلْإِنَاثِ جَرَى عَلَى دَعْوَى الْوَكِيلِ الدَّفْعُ أَوْ ادَّعَوْا الْمُسَامَحَةَ يَثْبُتُونَهَا فَهَذِهِ أَحْكَامٌ أُخْرَى، وَأَمَّا إسْقَاطُ حَقِّ الْإِنَاثِ بِمُجَرَّدِ حِيَازَةِ الذُّكُورِ، وَتَصَرُّفِهِمْ فَلَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ أَفْتَيْت سَابِقًا بِعَدَمِ لُزُومِ الْبَيْعِ الْمَذْكُورِ لِلْإِنَاثِ إذَا كَانَ الْمَانِعُ لَهُنَّ مِنْ الْكَلَامِ لُحُوقَ الْعَارِ، وَخَوْفَ حُدُوثِ الْعَدَاوَةِ، وَتَرْكَ النُّصْرَةِ لَهُنَّ، وَلَعَلَّهَا لَا تُنَافِي فَتْوَى الْأُسْتَاذِ بِلُزُومِهِ لَهُنَّ لِحَمْلِهَا عَلَى سُكُوتِهِنَّ لِرِضَاهُنَّ، وَطِيبِ أَنْفُسِهِنَّ بِتَصَرُّفِ الذُّكُورِ لَا لِلْمَانِعِ الْمَذْكُورِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - بِمَا نَصُّهُ) مَا قَوْلُكُمْ فِي رَجُلٍ بَاعَ لِآخَرَ سِلْعَةً لِأَجَلٍ فَأَخَذَ الْمُشْتَرِي السِّلْعَةَ، وَبَاعَهَا لِآخَرَ، وَبَعْدَ مُضِيِّ الْأَجَلِ طَلَبَ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ ثَمَنَهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَادَّعَى أَنَّ السِّلْعَةَ خَسِرَتْ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَعْلَى أَصْنَافِ جِنْسِ السِّلْعَةِ، وَطَلَبَ مِنْ الْبَائِعِ الْأَوَّلِ أَنْ يَحُطَّ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ فَقَالَ الْبَائِعُ إنَّمَا وَقَعَ الْبَيْعُ عَلَى الْحَاضِرِ الْمَنْظُورِ لَا عَلَى أَعْلَى صِنْفِهَا، وَأَقَامَ كُلٌّ بَيِّنَةً عَلَى دَعْوَاهُ فَهَلْ تُقَدَّمُ بَيِّنَةُ الْبَائِعِ، وَهَلْ يَكُونُ الْمُشْتَرِي بِبَيْعِ السِّلْعَةِ بَعْدَ ظُهُورِ الْعَيْبِ لَهُ قَابِلًا لَهَا بِعَيْبِهَا بِالثَّمَنِ كُلِّهِ أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

(فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ سُكُوتُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ ظُهُورِ

<<  <  ج: ص:  >  >>