للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(وَسُئِلَ) عَنْ رَجُلٍ اشْتَرَى بَقَرَةً فِي حَالِ عَزْمِهِ عَلَى السَّفَرِ بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ دَفَعَ بَعْضَهُ، وَأَمْهَلَهُ الْبَائِعُ بِالْبَاقِي ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ فَغَابَ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَلَمَّا حَضَرَ طَلَبَهُ الْبَائِعُ بِهِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ بَعْدَ تَوَجُّهِهِ بِيَوْمَيْنِ مَرِضَتْ الْبَقَرَةُ فَأَوْدَعَهَا عِنْدَ أَمِينٍ، وَلَمَّا رَجَعَ أَخْبَرَهُ بِمَوْتِهَا، وَادَّعَى أَنَّهَا كَانَتْ مَرِيضَةً عِنْدَ الْبَائِعِ مُرِيدًا عَدَمَ الدَّفْعِ فَقَالَ الْبَائِعُ بَقَرَتِي كَانَتْ نَاصِحَةً، وَبِعْتهَا لَك سَالِمَةً مِنْ الْمَرَضِ فَهَلْ يُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى دَفْعِ الْبَاقِي، وَلَا يَمِينَ عَلَى الْبَائِعِ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

(فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ إذَا اخْتَلَفَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي فِي الْعَيْبِ هَلْ حَدَثَ بَعْدَ الشِّرَاءِ أَوْ كَانَ قَدِيمًا عِنْدَ الْبَائِعِ لِظُهُورِهِ بِقُرْبِ الشِّرَاءِ، وَلَا بَيِّنَةَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْبَائِعِ فِي حُدُوثِهِ، وَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُ الْمُشْتَرِي حِينَئِذٍ دَفْعُ جَمِيعِ الثَّمَنِ، وَتِلْكَ مُصِيبَةٌ نَزَلَتْ بِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(وَسُئِلَ أَيْضًا) عَنْ رَجُلٍ مَلَكَ نَخْلًا فِي قَبَائِلَ شَتَّى فَادَّعَى آخَرُ أَنَّهُ اشْتَرَى مِنْهُ تِسْعَ نَخْلَاتٍ، وَأَنْكَرَ رَبُّ النَّخْلِ فَطَلَبَهُ عِنْدَ فَقِيهٍ فَطَلَبَ الْفَقِيهُ مِنْ الْمُدَّعِي بَيِّنَةً فَأَحْضَرَ رَجُلَيْنِ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَ لَهُ تِسْعَ نَخْلَاتٍ، وَلَمْ يُعَيِّنْهَا الشَّاهِدُ مِنْ أَيِّ قَبِيلَةٍ، وَسَأَلَهُ الْفَقِيهُ عَنْ قَدْرِ الثَّمَنِ فَذَكَرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهُ، وَشَهِدَ الثَّانِي كَذَلِكَ فَهَلْ لَا يُعْمَلُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ الَّتِي بَطَلَ بَعْضُهَا أَوْ كَيْفَ الْحَالُ أَفِيدُوا الْجَوَابَ.

(فَأَجَابَ بِمَا نَصُّهُ) الْحَمْدُ لِلَّهِ قَالَ فِي التَّبْصِرَةِ فَرْعٌ، وَمَنْ ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْهُ سِلْعَةً، وَأَنْكَرَ الْبَائِعُ وَشَهِدَتْ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةٌ لَمْ تُعَرِّفْ الثَّمَنَ فَالشَّهَادَةُ تَامَّةٌ عِنْدَ مَالِكٍ، وَيُقَالُ لِلْبَائِعِ قَدْ ثَبَتَ الْبَيْعُ فَبِكَمْ بِعْتهَا فَإِنْ سَمَّى ثَمَنًا اعْتَرَفَ بِهِ الْمُبْتَاعُ أَدَّاهُ، وَإِنْ ادَّعَى دُونَهُ تَحَالَفَا، وَرُدَّتْ، وَإِنْ تَمَادَى الْبَائِعُ عَلَى إنْكَارِ الْبَيْعِ سُئِلَ الْمُبْتَاعُ عَنْ الثَّمَنِ فَإِنْ سَمَّى مَا يُشْبِهُ حَلَفَ، وَدَفَعَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ اهـ.

وَعَدَمُ مَعْرِفَةِ الْبَيِّنَةِ أَعْيَانَ النَّخِيلِ لَا يُبْطِلُ الشَّهَادَةَ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ التَّبْصِرَةِ أَيْضًا، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ تَعْيِينُ النَّخْلَاتِ كَمَا يُسْتَفَادُ مِنْ كَلَامِ الْخَرَشِيِّ، وَحِينَئِذٍ فَيَسْأَلُ الْمُتَنَازِعَانِ عَنْ النَّخْلَاتِ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَمْرٍ عُمِلَ بِهِ، وَإِنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا نَخْلَاتٍ بِعَيْنِهَا، وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ غَيْرُ مُعَيَّنَاتٍ فَفِي الْخَرَشِيِّ أَنَّهُ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْجِنْسِ يَتَخَالَفَانِ، وَيَتَفَاسَخَانِ، وَرُدَّ عَلَيْهِ بِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ أَنَّهُ إنْ قَبَضَ الثَّمَنَ فَالْقَوْلُ قَوْلَ الْبَائِعِ بِيَمِينٍ، وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ الثَّمَنَ فَقِيلَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُشْتَرِي بِيَمِينٍ، وَقِيلَ يَتَحَالَفَانِ وَيُتَفَاسَخَانِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ مَتَى قِيلَ يَتَحَالَفَانِ فَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِهِمَا، وَيُقْضَى لِلْحَالِفِ عَلَى النَّاكِلِ، وَإِذَا قِيلَ الْقَوْلُ لِهَذَا بِيَمِينٍ فَعِنْدَ النُّكُولِ يُقْضَى لِلْآخَرِ إنْ حَلَفَ، وَنُكُولُهُمَا كَحَلِفِ الْمَبْدَأِ، وَلَا يَتَأَتَّى حَلِفُهُمَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

أَقُولُ قَوْلُهُ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ صِحَّةِ الْبَيْعِ تَعْيِينُ النَّخْلَاتِ إنْ أَرَادَ، وَالْحَالُ أَنَّهَا مِنْ قَبَائِلَ شَتَّى كَمَا هُوَ الْفَرْضُ فَمَمْنُوعٌ إذْ فِي عَدَمِ التَّعْيِينِ حِينَئِذٍ غَرَرٌ شَدِيدٌ، وَجَهَالَةٌ عَظِيمَةٌ يَقْتَضِيَانِ فَسَادَ الْبَيْعِ، وَهَذَا غَيْرُ مَوْضُوعِ كَلَامِ الْخَرَشِيِّ إذْ هُوَ فِي نَخْلَاتٍ مِنْ بُسْتَانٍ بَاعَهُ صَاحِبُهُ، وَاسْتَثْنَى مِنْهُ نَخْلَاتٍ ثُمَّ تَنَازَعَ مَعَ الْمُشْتَرِي فَقَالَ الْبَائِعُ: اسْتَثْنَيْت نَخْلَاتٍ غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ أَخْتَارُهَا، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ مُعَيَّنَةً، وَالْغَالِبُ تَقَارُبُ نَخَلَاتِهِ فَالْغَرَرُ فِيهِ يَسِيرٌ عَلَى أَنَّهُ لَا غَرَرَ فِيهِ لِلدُّخُولِ عَلَى اخْتِيَارِ الْأَجْوَدِ، وَهُوَ مَعْلُومٌ لَهُمَا كَمَا ذَكَرُوهُ فِي مَسْأَلَةِ جَعْلِ الصَّدَاقِ عَبْدًا تَخْتَارُهُ الزَّوْجَةُ مِنْ عَبِيدِ الزَّوْجِ، وَعِبَارَةُ الْخَرَشِيِّ أَوْ اخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ كَقَوْلِ الْبَائِعِ لِحَائِطِهِ شَرَطْت نَخْلَاتٍ اخْتَارَهَا غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ، وَقَالَ الْمُشْتَرِي بَلْ مُعَيَّنَةً فَإِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ يَتَحَالَفَانِ أَيْ يَحْلِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَفْيِ دَعْوَى صَاحِبِهِ مَعَ تَحْقِيقِ دَعْوَاهُ يَتَفَاسَخَانِ إنْ حَكَمَ بِهِ كَمَا يَأْتِي، وَيَبْدَأُ الْبَائِعُ بِالْيَمِينِ اهـ.

قَالَ الْعَدَوِيُّ قَوْلُهُ أَوْ اخْتَلَفَا فِي صِفَتِهِ فِي جَدِّ الْأُجْهُورِيِّ عَنْ الْمُدَوَّنَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>