للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَوْ أَكْثَرَ وَلَمْ تَكُنْ الْوَدِيعَةُ تَسُوغُ قِسْمَتُهَا يَعْنِي أَنَّ تَقْسِيمَهَا غَيْرُ مُمْكِنٍ أَلْبَتَّةَ، كَمَا لَوْ كَانَتْ حَيَوَانًا أَوْ إذَا كَانَتْ تَسُوغُ قِسْمَتُهَا وَلَكِنَّهَا تَنْقُصُ قِيمَتُهَا عِنْدَ تَقْسِيمِهَا كَمَا لَوْ كَانَتْ ثَوْبًا. يَحْفَظُهَا أَحَدُهُمْ بِإِذْنِ الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْدَعَ الْمُودِعُ الْوَدِيعَةَ لِأَشْخَاصٍ أَكْثَرَ مِنْ وَاحِدٍ فَمَعَ عِلْمِهِ أَنَّهُمْ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى الْحِفْظِ لَيْلًا وَنَهَارًا يَكُونُ رَضِيَ بِإِثْبَاتِ يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ ٧٧٢) . وَالْمَادَّةَ (٧٩٠) وَلَا تُنَافِي هَذَا الْحُكْمَ؛ لِأَنَّهُ كَمَا سَيُذْكَرُ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ الْمَذْكُورَةِ قُيِّدَ (بِلَا إذْنٍ) وَهُوَ هُنَاكَ مُعْتَبَرٌ فَكَذَا هُنَا الْإِذْنُ مَوْجُودٌ دَلَالَةً أَوْ يَحْفَظُونَهَا بِالْمُنَاوَبَةِ أَيْ بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ وَتَكُونُ هَذِهِ الْمُهَايَأَةُ مُهَايَأَةً فِي الْحِفْظِ مِنْ حَيْثُ الزَّمَانِ (الْبَحْرُ تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .

الْفَرْقُ بَيْنَ الْفِقْرَتَيْنِ: نَظَرًا لِعَطْفِ هَذِهِ الْفِقْرَةِ عَلَى الْفِقْرَةِ الْأُولَى بِعِبَارَةِ (أَوْ) يُوجَدُ فَرْقٌ بَيْنَ الْفِقْرَتَيْنِ. وَظَاهِرُ الْفَرْقِ هُوَ: إذَا كَانَ الْمُسْتَوْدَعُ اثْنَيْنِ مَثَلًا فَلِلْوَاحِدِ مِنْهُمَا أَنْ يَحْفَظَ الْوَدِيعَةَ بِصُورَةٍ دَائِمَةٍ بِمُوجِبِ الْفِقْرَةِ الْأُولَى.

يَعْنِي أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْفِقْرَةِ الْأُولَى هُوَ الْحِفْظُ الدَّائِمِيُّ. وَفِي الْوَاقِعِ أَنَّ الْحَمَوِيُّ قَدْ اشْتَبَهَ فِي جَوَازِ هَذِهِ الصُّورَةِ وَقَالَ: إذَا قَرَّرَ الْمُسْتَوْدِعُونَ الْحِفْظَ بِطَرِيقِ الْمُهَايَأَةِ فِي الْمَالِ الَّذِي لَا تَصِحُّ قِسْمَتُهُ وَتَرَكَ أَحَدُهُمْ الْوَدِيعَةَ عِنْدَهُ مُدَّةً تَزِيدُ عَلَى نَوْبَتِهِ فَحُكْمُ هَذَا مُتَوَقِّفٌ عَلَى النَّظَرِ وَالتَّأَمُّلِ انْتَهَى. لَكِنَّ الْمَجَلَّةَ جَوَّزَتْ هَذِهِ الصُّورَةَ.

وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ يَعْنِي فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَحَالَةِ حِفْظِ أَحَدِهِمْ بِإِذْنِ الْآخَرِ بِصُورَةٍ دَائِمَةٍ وَحِفْظِهِمْ بِالْمُنَاوَبَةِ فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ إذَا هَلَكَتْ الْوَدِيعَةُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ لَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ يَعْنِي لَا عَلَى الْآخِذِ وَلَا عَلَى الدَّافِعِ. (رَاجِعْ الْمَادَّةَ ٩١) . وَأَمَّا إذَا هَلَكَتْ بِتَعَدٍّ أَوْ بِتَقْصِيرٍ يَضْمَنُ الْمُتَعَدِّي أَوْ الْمُقَصِّرُ بِمُوجِبِ الْمَادَّةِ (٧٨٧) . وَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ عَلَى الْآخَرِ. وَالْأَئِمَّةُ الْحَنَفِيَّةُ مُتَّفِقُونَ فِي حُكْمِ هَذِهِ الْفِقْرَةِ.

وَإِذَا كَانَتْ الْوَدِيعَةُ لَا تَصِحُّ قِسْمَتُهَا. كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْمِثْلِيَّاتِ السَّائِرَةِ يُقَسِّمُهَا الْمُسْتَوْدِعُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَحْفَظُ كُلٌّ مِنْهُمْ الْحِصَّةَ الَّتِي تُصِيبُهُ.

مَثَلًا إذَا أَوْدَعَ الْمُودِعُ ثَلَاثِينَ ذَهَبًا عِنْدَ شَخْصَيْنِ يَحْفَظُ كُلٌّ مِنْهُمَا خَمْسَةَ عَشْرَ ذَهَبًا وَإِذَا أَوْدَعَهَا عِنْدَ ثَلَاثَةِ أَشْخَاصٍ يَحْفَظُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَشْرَ ذَهَبَاتٍ.

وَلَيْسَ لِلْوَاحِدِ أَنْ يَدْفَعَ كَامِلَ حِصَّتِهِ أَوَجُزْءًا مِنْهَا إلَى الْمُسْتَوْدَعِ الْآخَرِ بِلَا إذْنِ الْمُودِعِ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ عِنْدَمَا أَوْدَعَ الْوَدِيعَةَ الَّتِي تَسُوغُ قِسْمَتُهَا لِأَشْخَاصٍ مُتَعَدِّدِينَ رَضِيَ بِحِفْظِ الْمُتَعَدِّدِ وَلَمْ يَرْضَ بِحِفْظِ الْبَعْضِ وَرِضَاهُ بِحِفْظِ الِاثْنَيْنِ مَثَلًا لَا يَسْتَلْزِمُ رِضَاهُ بِحِفْظِ الْوَاحِدِ (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .

وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَذْهَبُ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمُشَارُ إلَيْهِ هَذِهِ الْقَاعِدَةَ فِي حَقِّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَأَمْثَالِهَا: (إذَا جُعِلَ فِعْلُ الشَّخْصَيْنِ مُضَافًا إلَى شَيْءٍ قَابِلِ التَّجْزِيءِ يَتَنَاوَلُ الْبَعْضَ وَلَا يَتَنَاوَلُ الْكُلَّ وَبِنَاءً عَلَى هَذَا إذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ يَضْمَنُ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ لَمْ يَرْضَ بِهِ) ٠ وَهَذِهِ الْقَاعِدَةُ جَارِيَةٌ أَيْضًا فِي الْمَسَائِلِ الْآتِي ذِكْرُهَا كَمَا أَنَّ فِي الْمُرْتَهِنِ الْمُتَعَدِّدِ وَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>