للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذْنِ الْمُودِعِ ثُمَّ ضَاعَتْ أَوْ سُرِقَتْ أَوْ وُجِدَتْ مَخْلُوطَةً بِصُورَةٍ يَتَعَسَّرُ أَوْ يَمْتَنِعُ مَعَهَا تَمْيِيزُهَا يَصِيرُ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ الْخَالِطَ يُعَدُّ مُسْتَهْلِكًا الْوَدِيعَةَ لِسَبَبِ خَلْطِهِ إيَّاهَا (الْبَحْرُ) .

إيضَاحُ الْقُيُودِ:

١ - (ضَاعَتْ أَوْ سُرِقَتْ) . هَذَا التَّعْبِيرُ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا فَإِذَا وُجِدَ الْمَخْلُوطُ عَلَى الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الشَّرْحِ، عَيْنًا فَالضَّمَانُ لَازِمٌ أَيْضًا وَذُكِرَ ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوحِ فِي التَّنْوِيرِ وَشَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ.

وَهَذِهِ التَّعْبِيرَاتُ أَيْ تَعْبِيرَاتُ إذَا ضَاعَتْ أَوْ سُرِقَتْ لَيْسَتْ مَذْكُورَةً فِي الْمُتُونِ الْفِقْهِيَّةِ كَالْهِدَايَةِ وَالتَّنْوِيرِ وَالْمُلْتَقَى وَالْكَنْزِ كَمَا أَنَّ الْمَجَلَّةَ لَمْ تَذْكُرْهَا أَيْضًا فِي مِثَالِهَا الْآتِي.

٢ - (بِلَا إذْنِ) هَذَا الْقَيْدُ احْتِرَازِيٌّ وَالْمُحْتَرَزُ عَنْهُ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ ٧٨٩ الْآتِي بَيَانُهَا.

وَكَذَلِكَ إذَا خَلَطَ شَخْصٌ غَيْرُ الْمُسْتَوْدَعِ الدَّنَانِيرَ الْمَذْكُورَةَ يَعْنِي دَنَانِيرَ الْمُسْتَوْدَعِ أَوْ دَنَانِيرَ غَيْرِهِ مَعَ دَنَانِيرِ وَدِيعَةِ الْمُودِعِ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ بِلَا إذْنٍ يَضْمَنُ. وَسَوَاءٌ أَضَاعَتْ تِلْكَ الدَّنَانِيرُ أَمْ سُرِقَتْ أَمْ وُجِدَتْ مَخْلُوطَةً فَالْخَلْطُ الْمَذْكُورُ يُوجِبُ الضَّمَانَ وَيَنْقَطِعُ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ عَلَى مَا سَيُفَصَّلُ حَقُّ - الْمُودِعِ وَالْمُسْتَوْدَعِ مِنْ الْمَخْلُوطِ وَيَبْقَى الْمَخْلُوطُ الْمَذْكُورُ مَالًا لِلْمُخَالِطِ. وُجُوهُ الْخَلْطِ الْأَرْبَعَةِ وَأَحْكَامُهَا.

نَشْرَعُ فِي تَفْصِيلِ الْخَلْطِ عَلَى الْوَجْهِ الْآتِي. الْخَلْطُ يَكُونُ بِأَرْبَعَةِ وُجُوهٍ:

الْوَجْهُ الْأَوَّلُ - الْخَلْطُ بِطَرِيقِ الْمُجَاوَرَةِ مَعَ تَيَسُّرِ التَّمْيِيزِ.

يَعْنِي أَنْ يَكُونَ مُمْكِنًا تَفْرِيقُ الْمَالَيْنِ الْمَخْلُوطَيْنِ وَتَمْيِيزُهُمَا أَيْ إفْرَازُهُمَا وَفَصْلُهُمَا. كَخَلْطِ الْجَوْزِ مَعَ اللَّوْزِ أَوْ الذَّهَبِ مَعَ الْفِضَّةِ الْمَجِيدِيَّةِ أَوْ الْمَجِيدِيِّ التَّامِّ مَعَ قِطَعٍ: النِّصْفِ أَوْ الرُّبْعِ مِنْهُ أَوْ الدِّينَارِ الذَّهَبِ التَّامِّ مَعَ أَجْزَائِهِ كَالنِّصْفِ وَالرُّبْعِ أَوْ الذَّهَبِ الْعُثْمَانِيِّ مَعَ الذَّهَبِ الْإِنْكِلِيزِيِّ أَوْ الْفَرَنْسَاوِيِّ.

فَالْخَلْطُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ بِالْإِجْمَاعِ فَيُفَرَّقُ الْمَخْلُوطُ وَيُرَدُّ قِسْمُ الْوَدِيعَةِ مِنْهُ إلَى صَاحِبِهِ. وَإِذَا هَلَكَ الْمَخْلُوطُ قَبْلَ التَّفْرِيقِ يَهْلِكُ أَمَانَةً كَمَا كَانَ قَبْلَ الْخَلْطِ تَكْمِلَةُ (رَدِّ الْمُحْتَارِ) . وَأَشَارَتْ الْمَجَلَّةُ إلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِعِبَارَةِ (لَا يُمْكِنُ تَفْرِيقُهَا) .

الْوَجْهُ الثَّانِي - الْخَلْطُ بِطَرِيقِ الْمُجَاوَرَةِ مَعَ تَعَسُّرِ التَّمْيِيزِ. يَعْنِي أَنْ يَكُونَ تَفْرِيقُ الْمَالَيْنِ الْمَخْلُوطَيْنِ عَسِرًا.

كَخَلْطِ الْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ.

فَكَوْنُ هَذَا الْخَلْطِ مُوجِبًا لِلضَّمَانِ أَوْ غَيْرَ مُوجِبٍ مَسْأَلَةٌ مُخْتَلَفٌ فِيهَا. فَعِنْدَ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ وَرَجَّحَ هَذَا الْقَوْلَ فِي الدُّرِّ الْمُخْتَارِ وَالْهِدَايَةِ وَوَرَدَ فِي النِّهَايَةِ إيضَاحًا لِتَعَذُّرِ تَفْرِيقِ الْمَخْلُوطِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَيُعْتَبَرُ جَوَابًا لِمَا قِيلَ: إنَّ الْمَخْلُوطَ الْمَذْكُورَ حِينَمَا يُطْرَحُ فِي الْمَاءِ تَرْسُبُ الْحِنْطَةُ وَيَطْفُو الشَّعِيرُ فَيُمْكِنُ تَفْرِيقُهُمَا، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يُقْبَلُ الْمَخْلُوطُ وَيَنْقُصُ ثَمَنُهُ بِالْعَيْبِ الْحَاصِلِ مِنْ الْبَلَلِ وَبِمَا أَنَّهُ لَا تَخْلُو إعَادَةُ الْحِنْطَةِ مِنْ قَلِيلٍ مِنْ الشَّعِيرِ. وَالشَّعِيرِ مِنْ قَلِيلٍ مِنْ الْقَمْحِ. فَعَلَى هَذَا لَا يُمْكِنُ التَّفْرِيقُ وَبِنَاءً عَلَى ذَلِكَ شَرَحْت هَذِهِ الْمَادَّةَ مِنْ الْمَجَلَّةِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ. وَعِنْدَ الْبَعْضِ الْآخَرِ مِنْ الْفُقَهَاءِ مَنْ خَلَطَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَا يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ فِي الْمَخْلُوطِ وَيَكُونُ الْمَالِكُ مُخَيَّرًا كَمَا ذُكِرَ فِي قَوْلِ الْإِمَامَيْنِ فِي الْوَجْهِ الرَّابِعِ الْآتِي (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .

الْوَجْهُ الثَّالِثُ - الْخَلْطُ بِطَرِيقِ مَزْجِ جِنْسٍ بِجِنْسٍ آخَرَ.

وَهَذَا يَكُونُ بِخَلْطِ نَوْعٍ مِنْ الْمَائِعِ

<<  <  ج: ص:  >  >>