للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْعَارِيَّةُ وَيَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ]

الْبَابُ الثَّالِثُ فِي الْعَارِيَّةِ:

وَيَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ قَدْ جِيءَ بِالْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ فِي كِتَابٍ وَاحِدٍ إذْ بَيْنَهُمَا اشْتِرَاكٌ مِنْ حَيْثُ إنَّهُمَا أَمَانَةٌ وَقَدْ أُخِّرَتْ الْعَارِيَّةُ عَنْ الْوَدِيعَةِ؛ لِأَنَّ فِي الْعَارِيَّةِ تَمْلِيكًا أَيْ تَمْلِيكَ النَّفْعِ وَإِيدَاعًا وَلَيْسَ فِي الْوَدِيعَةِ إلَّا الْإِيدَاعُ وَلَا يُوجَدُ فِيهَا تَمْلِيكٌ لِذَلِكَ كَانَتْ الْوَدِيعَةُ مُفْرَدَةً وَالْعَارِيَّةَ مُرَكَّبَةً.

وَعَلَيْهِ فَيُوجَدُ فِي هَذِهِ الْمُعَامَلَةِ تَرَقٍّ مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى فَأَوَّلُ الْغَيْثِ قَطْرَةٌ ثُمَّ يَنْهَمِرُ (الْبَحْرُ، وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .

أَدِلَّةُ مَشْرُوعِيَّةِ الْعَارِيَّةُ: مَشْرُوعِيَّةُ الْعَارِيَّةُ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ (الطَّحْطَاوِيُّ) وَقَدْ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْكَرِيمِ آيَةُ {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: ٧] وَقَدْ فُسِّرَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِ " وَيَمْنَعُونَ مَا يَتَعَاوَرُونَ ". وَمَعْنَى التَّعَاوُرِ التَّنَاوُبُ فِي الِانْتِفَاعِ.

وَعَلَيْهِ فَبِمَا أَنَّ الْعَارِيَّةُ هِيَ تَنَاوُبٌ فِي الِانْتِفَاعِ فَلَا تَجُوزُ الْإِعَارَةُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِدُونِ اسْتِهْلَاكِ الْعَيْنِ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ.

وَيُفْهَمُ مِنْ ذَمِّ اللَّهِ تَعَالَى مَنْعَ الْمَاعُونِ أَيْ ذَمِّهِ عَدَمَ الْإِعَارَةِ أَنَّ الْإِعَارَةَ مَحْمُودَةٌ.

وَمَحَاسِنُ الْإِعَارَةِ، هِيَ نِيَابَةٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي إجَابَةِ الْمُضْطَرِّ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ كَالْقَرْضِ لَا تَكُونُ إلَّا لِلْمُحْتَاجِ فَبِنَاءً عَلَيْهِ ثَوَابُ الصَّدَقَةِ الْحَسَنَةُ بِعَشْرَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: ١٦٠] فَثَوَابُ الْقَرْضِ الْحَسَنَةُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ يَعْنِي أَنَّ الْإِعَارَةَ تَكُونُ لِلْمُضْطَرِّ وَبِمَا أَنَّ الْمُعِيرَ بِإِعَارَتِهِ لِلْمُسْتَعِيرِ يَكُونُ قَدْ أَعَانَ الْمُضْطَرَّ فَيَكُونُ فِي إعَانَتِهِ هَذِهِ كَأَنَّهُ قَدْ نَابَ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ بِمَا أَنَّ فِعْلَ الْمُعِيرِ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا نِيَابَةَ فِي الْحَقِيقَةِ (الْبَحْرُ وَتَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .

(وَالسُّنَّةُ) «فِعْلُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ إذْ اسْتَعَارَ فَرَسًا مِنْ أَبِي طَلْحَةَ وَرَكِبَهُ» وَقَدْ اتَّفَقَتْ الْأُمَّةُ عَلَى جَوَازِ الْإِعَارَةِ إلَّا أَنَّ أَكْثَرَ الْعُلَمَاءِ قَدْ قَالُوا بِكَوْنِهَا مُسْتَحَبَّةً وَذَهَبَ الْبَعْضُ مِنْهُمْ إلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .

وَالْعَارِيَّةَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْعِينِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: نِسْبَةً إلَى الْعَارَةِ وَهِيَ اسْمٌ مِنْ الْإِعَارَةِ، يُقَالُ: أَعَرْته الشَّيْءَ إعَارَةً وَعَارَةً؛ لِأَنَّ الِاسْتِعَارَةَ صَادِرَةٌ مِنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ مُبَيَّنٌ آنِفًا وَالنَّبِيُّ كَانَ لَا يَرْتَكِبُ مَا يُوجِبُ الْعَارَ مِنْ الْأَفْعَالِ وَهُوَ فِي عُلُوِّ مَقَامِهِ أَرْفَعُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ الْأَفْعَالَ الَّتِي تُنْسَبُ إلَى الْعَارِ.

وَقِرَاءَةُ لَفْظِ الْعَارِيَّةُ مُخَفَّفًا جَائِزٌ أَيْضًا كَمَا ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ (الدُّرُّ الْمُخْتَارُ، وَرَدُّ الْمُحْتَارِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>