للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: لِلْعَارِيَّةِ ثَلَاثَةُ أَرْكَانٍ: أَوَّلُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ اللَّفْظِيَّانِ وَالْقَوْلِيَّانِ.

ثَانِيهَا كَوْنُ الْإِيجَابِ قَوْلِيًّا وَالْآخَرُ فِعْلِيًّا أَوْ بِالْعَكْسِ.

ثَالِثُهَا كَوْنُ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ فِعْلِيَّيْنِ وَالصُّورَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ فَقَطْ تَكُونُ تَعَاطِيًا أَمَّا الصُّورَةُ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ فَلَا تَكُونُ تَعَاطِيًا.

وَعَلَيْهِ فَكَمَا يَكُونُ قَبُولُ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ الْمُعِيرِ قَوْلًا يَكُونُ فِعْلًا أَيْضًا. كَأَنْ يَقُولَ الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ: قَدْ أَعَرْتُك مَالِي هَذَا فَيَقْبِضُ الْمُسْتَعِيرُ الْمُسْتَعَارَ، أَوْ يَقُولُ الْمُسْتَعِيرُ لِلْمُعِيرِ: قَدْ اسْتَعَرْت مِنْك هَذَا الْمَالَ يُسَلِّمُهُ الْمُعِيرُ لَهُ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ وَالْفِقْرَةُ الْأُولَى مِنْ مِثَالِ الْمَجَلَّةِ مِثَالٌ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ اللَّفْظِيَّيْنِ وَالْقَوْلِيَّيْنِ وَالْفِقْرَةُ الثَّانِيَةُ مِثَالٌ لِلْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ الْفِعْلِيَّيْنِ.

وَهَلْ يُوجَدُ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ مِثَالٌ لِلتَّعَاطِي؟ .

وَالتَّعَاطِي مِنْ بَابِ الْمُفَاعَلَةِ يَعْنِي مَأْخُوذٌ مِنْ الْمُعَاطَاةِ أَيْ التَّنَاوُلِ وَيَحْصُلُ بِإِعْطَائِهِ مِنْ طَرَفٍ وَقَبْضِهِ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ. فَبِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ أَوْجَبَ طَرَفٌ قَوْلًا وَقَبِلَ الْجَانِبُ الْآخَرُ فِعْلًا أَيْ بِالْقَبْضِ فَلَا يُعَدُّ ذَلِكَ تَعَاطِيًا. كَذَلِكَ يُفْهَمُ مِنْ الْمَادَّةِ (١٧٥) وَعَلَيْهِ فَلَيْسَتْ فِقْرَةُ (أَوْ قَبَضَهُ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا) مِثَالًا لِلتَّعَاطِي لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ فِي جُمْلَةِ (أَوْ قَالَ رَجُلٌ لِإِنْسَانٍ إلَخْ) الَّتِي تَلِيهَا مِثَالٌ لِلتَّعَاطِي.

وَتَدُلُّ عِبَارَةُ (فَأَعْطَاهُ الْآخَرُ إيَّاهُ أَيْضًا) الْوَارِدَةُ فِي الْمِثَالِ عَلَى الْإِعْطَاءِ مِنْ طَرَفٍ وَاحِدٍ وَيُعْتَبَرُ بَعْدَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنَّ لَفْظَ (وَقَبَضَ الْمُسْتَعِيرُ) مُقَدَّرٌ وَعَلَيْهِ فَتَنْعَقِدُ الْإِعَارَةُ بِالتَّعَاطِي بِإِعْطَاءِ الْمُعِيرِ الْمَالَ وَقَبْضِ الْمُسْتَعِيرِ ذَلِكَ الْمَالَ. وَلِذَلِكَ فَعِبَارَةُ " أَعْطِنِي هَذَا الْمَالَ عَارِيَّةً " الْوَارِدَةُ فِي الْمَجَلَّةُ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى كَوْنِ الْإِعْطَاءِ عَلَى سَبِيلِ الْعَارِيَّةُ؛ لِأَنَّ الْإِعْطَاءَ قَدْ يَكُونُ عَلَى سَبِيلِ الْهِبَةِ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ هِيَ الْأَعْلَى وَالْإِعَارَةُ هِيَ الْأَدْنَى فَمَا لَمْ يَكُنْ دَلِيلٌ الْأَعْلَى يُصْرَفُ إلَى الْأَدْنَى.

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: لَا تَنْعَقِدُ الْعَارِيَّةُ بِالْوَعْدِ.

بِنَاءً عَلَيْهِ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: أَعِرْنِي هَذِهِ الدَّابَّةَ لِلْغَدِ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبُ الدَّابَّةِ: أُعِيرُك إيَّاهَا غَدًا فَذَهَبَ إلَيْهِ فِي الْغَدِ وَأَخَذَ الدَّابَّةَ بِلَا إذْنٍ عُدَّ غَاصِبًا؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَمْ تَنْعَقِدْ وَإِنَّمَا كَانَتْ عِبَارَةً عَنْ وَعُدَّ مُجَرَّدٍ.

لَكِنْ لَوْ اسْتَعَارَ أَحَدٌ مِنْ آخَرَ دَابَّةً لِلْغَدِ وَأَعَارَهُ إيَّاهَا فَجَاءَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَأَخَذَ الدَّابَّةَ تَحْتَ الْإِعَارَةِ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَدْ انْعَقَدَتْ فِي هَذَا الْيَوْمِ لِلْغَدِ.

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: إنَّ جَهَالَةَ الْمَنَافِعِ الْمُمَلَّكَةِ لَا تُفْسِدُ الْإِعَارَةُ. وَعَلَى ذَلِكَ فَجَهَالَةُ الْمَنَافِعِ فِي الْإِعَارَةِ لَيْسَتْ بَاعِثَةً عَلَى النِّزَاعِ وَكُلُّ جَهَالَةٍ لَا تَبْعَثُ عَلَى النِّزَاعِ لَا تُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ. وَعَدَمُ صَيْرُورَةِ هَذِهِ الْحَالَةِ بَاعِثَةً عَلَى النِّزَاعِ نَاشِئٌ عَنْ كَوْنِ الْإِعَارَةِ عَقْدًا غَيْرَ لَازِمٍ فَلِلْمُعِيرِ فِي أَيِّ وَقْتٍ أَرَادَ فَسْخُ عَقْدِ الْإِعَارَةِ وَاسْتِرْدَادُ الْمُعَارِ إذَا لَمْ يَرْضَ بِاسْتِيفَاءِ الْمُسْتَعِيرِ لِلْمَنْفَعَةِ الَّذِي بَدَأَ بِالِانْتِفَاعِ مِنْهَا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَتْ عُقُودُ الْمُعَاوَضَةِ لَازِمَةً فَالْجَهَالَةُ فِيهَا بَاعِثَةٌ لِلنِّزَاعِ كَعَقْدَيْ الْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ (الزَّيْلَعِيّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>