للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَكِنْ تَجْرِي هَذِهِ التَّفْصِيلَاتُ فِيمَا إذَا لَمْ يَنْهَ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ عَنْ إعْطَاءِ الْمُسْتَعَارِ لِغَيْرِهِ. أَمَّا إذَا نَهَاهُ عَنْ إعْطَائِهِ لِغَيْرِهِ كَانَ النَّهْيُ مُعْتَبَرًا حَيْثُ لَا اعْتِبَارَ لِلدَّلَالَةِ فِي مُقَابَلَةِ التَّصْرِيحِ كَمَا جَاءَ فِي الْمَادَّةِ (١٣) فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ أَنْ يُعِيرَهُ لِآخَرَ لِيَسْتَعْمِلَهُ سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُسْتَعَارُ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمُسْتَعْمِلِينَ كَالدَّارِ أَمْ كَانَ مِمَّا يَخْتَلِفُ وَإِنْ فَعَلَ وَتَلِفَ كَانَ ضَامِنًا (الْبَحْرُ) .

مَثَلًا لَوْ قَالَ الْمُعِيرُ لِلْمُسْتَعِيرِ: أَعَرْتُك هَذَا الْفَرَسَ لِتَرْكَبَهُ أَنْتَ، وَفَعَلَ الْمُسْتَعِيرُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لِذَلِكَ الشَّخْصِ أَنْ يُرْكِبَ الْفَرَسَ خَادِمَهُ أَوْ شَخْصًا أَجْنَبِيًّا. فَلَوْ مَرِضَ الْفَرَسُ وَهَلَكَ كَانَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّ رُكُوبَ الْفَارِسِ الْمُتَمَرِّنِ لَيْسَ كَرُكُوبِ السُّوقِيِّ.

كَذَلِكَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ هُوَ وَيُرْكِبَ غَيْرَهُ مَعَهُ. يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْدِفَهُ وَإِنْ فَعَلَا وَتَلِفَ الْفَرَسُ يُنْظَرُ فَإِذَا كَانَ الْفَرَسُ يُطِيقُ حَمْلَهُمَا مَعًا ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ؛ لِأَنَّ التَّلَفَ نَاشِئٌ عَنْ رُكُوبِهِمَا مَعًا وَلَمَّا كَانَ رُكُوبُ أَحَدِهِمَا مَأْذُونًا فِيهِ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ لِأَجْلِهِ وَيَلْزَمُ ضَمَانُ نِصْفِ الْقِيمَةِ لِأَجْلِ رُكُوبِ الْآخَرِ (الْبَحْرُ) أَمَّا أَنَّهُ إذَا أَرْدَفَ صَبِيًّا فَيَجِبُ ضَمَانُ مِقْدَارِ ثِقَلِهِ وَلَا يَجِبُ ضَمَانُ النِّصْفِ اُنْظُرْ لَاحِقَةَ شَرْحِ الْمَادَّةِ (٦٥١) (تَكْمِلَةُ رَدِّ الْمُحْتَارِ) .

كَذَلِكَ لَوْ قَالَ أَحَدٌ لِآخَرَ: أَعَرْتُك هَذَا الثَّوْبَ لِتَلْبَسَهُ أَنْتَ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُلْبِسَهُ آخَرَ؛ لِأَنَّ بَيْنَ لُبْسِ التَّاجِرِ الثَّوْبَ وَبَيْنَ لُبْسِ الْقَصَّابَ وَالْقَنَّاءِ إيَّاهُ بَوْنٌ شَاسِعٌ. وَلِذَلِكَ فَالتَّعْيِينُ فِيهِ مُعْتَبَرٌ.

وَمِثَالُ الْمَجَلَّةِ هَذَا وَالْمِثَالُ الَّذِي ذُكِرَ فِي الشَّرْحِ أَمْثِلَةٌ عَلَى الْفِقْرَةِ الْأُولَى مِنْ هَذِهِ الْمَادَّةِ.

وَالْمَالُ الَّذِي لَا تَجُوزُ إعَارَتُهُ لِآخَرَ لَوْ أُعِيرَ وَتَلِفَ لَزِمَ الضَّمَانُ. فَلَوْ أَعَارَ الْمُسْتَعِيرُ الشَّيْءَ الَّذِي لَا تَجُوزُ إعَارَتُهُ لِآخَرَ بِلَا إذْنٍ وَتَلِفَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ الثَّانِي لَزِمَ الضَّمَانُ وَكَانَ الْمُعِيرُ مُخَيَّرًا. إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ الْأَوَّلُ وَفِي هَذِهِ الْحَالِ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ الْأَوَّلِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الثَّانِي. مَا لَمْ يَكُنْ تَلَفُهُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ الثَّانِي نَاشِئًا عَنْ تُعَدِّيهِ وَتَقْصِيرِهِ. وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْمُسْتَعِيرَ الثَّانِيَ. وَفِي هَذِهِ الْحَالِ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ الثَّانِي الرُّجُوعُ عَلَى الْأَوَّلِ. وَلَوْ كَانَ تَلَفُهُ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ. اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (٦٥٨) .

كَذَلِكَ لَوْ جَاءَ أَحَدٌ لِلْمُسْتَعِيرِ وَقَالَ لَهُ: قَدْ اسْتَعَرْت الدَّابَّةَ الْمُعَارَةَ لَك مِنْ صَاحِبِهَا وَأَمَرَنِي بِقَبْضِهَا مِنْك فَصَدَّقَهُ وَأَعْطَاهُ إيَّاهَا وَتَلِفَتْ فِي يَدِهِ، فَإِذَا أَنْكَرَ الْمُعِيرُ يَعْنِي صَاحِبَ الدَّابَّةِ أَمْرَهُ وَلَمْ يُثْبِتْ الْمُسْتَعِيرُ أَمْرَ الْمُعِيرِ يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ.

وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَيْسَ لِلْمُسْتَعِيرِ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَابِضِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ مَالِكًا الْمُسْتَعَارَ بِالضَّمَانِ فَيُفْهَمُ مِنْ إعْطَائِهِ إيَّاهُ أَنَّهُ أَعَارَ مَالَهُ.

وَالْعَارِيَّةُ بِمَا أَنَّهَا أَمَانَةٌ فَلَا ضَمَانَ فِيهَا فِي حَالِ تَلَفِهَا بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَقْصِيرٍ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٨١٣) .

أَمَّا إذَا أَعْطَاهَا لَهُ وَلَمْ يُصَدِّقْهُ أَوْ صَدَّقَهُ وَشَرَطَ الضَّمَانَ عَلَيْهِ ثُمَّ تَلِفَ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ الثَّانِي فَلِلْمُسْتَعِيرِ الْأَوَّلِ الرُّجُوعُ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ الثَّانِي بِمَا ضَمِنَ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٨٢٥) .

أَمَّا لَوْ قَالَ: أَعَرْتُك هَذِهِ الْحُجْرَةَ أَوْ هَذِهِ الدَّارَ لِتَسْكُنَهَا أَنْتَ. كَانَ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَسْكُنَهَا وَأَنْ يُسْكِنَ فِيهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>