للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[الْكِتَابُ السَّابِعُ الْهِبَةُ]

الْحَمْدُ لِلَّهِ وَاهِبِ الْعَطَايَا مُعْطِي النِّعَمِ خَالِقِ الْبَرَايَا، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ مُبَلِّغِ الْهَدْيِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَخُلَفَائِهِ أَئِمَّةِ الدِّينِ الْمُجْتَبَى.

فِي حَقِّ الْهِبَةِ وَيَشْتَمِلُ عَلَى مُقَدِّمَةٍ وَبَابَيْنِ.

إنَّ ذِكْرَ مَبَاحِثِ الْهِبَةِ بَعْدَ الْعَارِيَّةِ هُوَ تَرَقٍّ مِنْ الْأَدْنَى إلَى الْأَعْلَى؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةَ هِيَ تَمْلِيكٌ لِلْمَنَافِعِ فَقَطْ فَهِيَ أَدْنَى، وَالْهِبَةُ هِيَ تَمْلِيكٌ لِلْعَيْنِ وَلِلْمَنْفَعَةِ مَعًا فَهِيَ أَعْلَى مِنْ الْعَارِيَّةِ، الْهِبَةُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ بِوَزْنِ فِعْلٍ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ مَأْخُوذٌ مِنْ وَهَبَ كَعِدَةٍ أَصْلُهَا وَعْدَةٌ مِنْ وَعَدَ فَكَانَتْ مِنْ الْمَصَادِرِ الَّتِي تُحْذَفُ أَوَائِلُهَا وَيُعَوَّضُ فِي آخِرِهَا بِالتَّاءِ (الْفَتْحُ، وَالْعَيْنِيُّ) مَشْرُوعِيَّةُ الْهِبَةِ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإجْمَاعِ الْأُمَّةِ مِنْ الْأَدِلَّةِ الْأَرْبَعَةِ فَقَدْ وَرَدَ فِي الْكِتَابِ الْكَرِيمِ {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [النساء: ٨٦] لِآخِرِ الْآيَةِ الْجَلِيلَةِ.

وَالْمَقْصُودُ مِنْ التَّحِيَّةِ هُوَ الْعَطِيَّةُ عَلَى الْأَظْهَرِ وَإِنْ قَالَ الْبَعْضُ بِأَنَّهُ يُقْصَدُ بِهَا السَّلَامُ (الْكِفَايَةُ) وَقَدْ وَرَدَ فِي السُّنَّةِ الشَّرِيفَةِ أَيْضًا «تَهَادَوْا تَحَابُّوا» (الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ) تَهَادَوْا بِفَتْحِ الدَّالِ وَسُكُونِ الْوَاوِ هِيَ صِيغَةُ الْخِطَابِ لِلْجَمَاعَةِ كَلَفْظَةِ (تَعَالَوْا) كَذَلِكَ كَلِمَةُ (تَحَابُّوا) بِالْبَاءِ الْمُشَدَّدَةِ الْمَضْمُومَةِ هِيَ صِيغَةُ خِطَابِ الْجَمَاعَةِ وَأَصْلُهَا (تَحَابُّونَ) فَسَقَطَتْ النُّونُ لِكَوْنِهَا جَوَابًا لِلْأَمْرِ (الْهِدَايَةُ وَالْعَيْنِيُّ) .

إجْمَاعُ الْأُمَّةِ: قَدْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْهِبَةِ (الْهِدَايَةُ) .

مَحَاسِنُ الْهِبَةِ: إنَّ لِلْهِبَةِ مَحَاسِنَ كَثِيرَةً فَكَمَا يَجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ تَعْلِيمُ وَلَدِهِ التَّوْحِيدَ وَالْإِيمَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَيْضًا تَعْلِيمُهُ الْجُودَ وَالْإِحْسَانَ؛ لِأَنَّ حُبَّ الدُّنْيَا هُوَ رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ وَسَيِّئَةٍ (الْبَحْرُ) وَقَدْ سَمَّى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَفْسَهُ بِالْوَهَّابِ إذْ وَرَدَ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ {الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ} [ص: ٩] وَيَكْفِي ذَلِكَ لِإِثْبَاتِ مَحَاسِنِ الْهِبَةِ (الْفَتْحُ) . إذَا بَاشَرَ الْإِنْسَانُ فِعْلَ الْهِبَةِ فَقَدْ اكْتَسَبَ أَشْرَفَ الصِّفَاتِ وَاسْتَعْمَلَ الْكَرَمَ وَأَزَالَ مِنْ نَفْسِهِ الشُّحَّ وَأَدْخَلَ السُّرُورَ إلَى قَلْبِ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَأَوْرَثَ الْمَوَدَّةَ وَالْمَحَبَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَأَزَالَ الْحَسَدَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْهُوبِ لَهُ وَتَصْدُقُ فِي حَقِّهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: ٩] فَحِينَئِذٍ يَكُونُ مِنْ الْمُفْلِحِينَ (الطَّحْطَاوِيُّ)

<<  <  ج: ص:  >  >>