للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونُ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ غَيْرَ جَامِعٍ لِإِفْرَادِهِ فَلِذَلِكَ يُنْتَفَضُ التَّعْرِيفُ الْمَذْكُورُ عَكْسًا بِالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ (الْفَتْحُ) ؛ لِأَنَّ الْقَوْلَ بِلَا عِوَضٍ هُوَ نَصٌّ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِوَضِ فَتَكُونُ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ نَقِيضَتَهُ.

ج: قَوْلُهُ أَيْضًا: بِلَا عِوَضٍ، مَعْنَاهُ بِلَا شَرْطِ الْعِوَضِ وَفِيهِ حَذْفُ الْمُضَافِ وَلَيْسَ لَفْظَةُ " بِلَا عِوَضٍ " بِمَعْنَى التَّمْلِيكِ بِشَرْطِ عَدَمِ الْعِوَضِ وَأَنْ يَكُنْ الْمَعْنَى الثَّانِي (أَيْ الْهِبَةُ بِشَرْطِ عَدَمِ الْعِوَضِ) مُنَافِيًا لِلْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ أَمَّا الْمَعْنَى الْأَوَّلُ أَيْ بِلَا شَرْطِ الْعِوَضِ لَيْسَ مُنَافِيًا لِذَلِكَ (الدُّرَرُ) وَتَفْصِيلُ ذَلِكَ أَنَّ الْمَاهِيَّةَ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ هِيَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ: (١) الْمَاهِيَّةُ بِشَرْطِ شَيْءٍ وَتُفَسَّرُ هُنَا بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَالْبَيْعُ مِنْ نَوْعِ هَذِهِ الْمَاهِيَّةِ.

(٢) مَاهِيَّةٌ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ وَتُفَسَّرُ هُنَا بِعَدَمِ شَرْطِ الْعِوَضِ وَالْهِبَةُ مِنْ نَوْعِ هَذِهِ الْمَاهِيَّةِ كَمَا سَيُوَضَّحُ ذَلِكَ قَرِيبًا.

(٣) الْمَاهِيَّةُ بِشَرْطِ لَا شَيْءَ وَتُفَسَّرُ هُنَا بِشَرْطِ عَدَمِ الْعِوَضِ، وَالْعَارِيَّةُ مِنْ نَوْعِ هَذِهِ الْمَاهِيَّةِ وَبِلَا عِوَضٍ الْوَارِدَةُ هُنَا هِيَ بِمَعْنَى الْمَاهِيَّةِ الثَّانِيَةِ أَيْ مَاهِيَّةٌ لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ وَلَيْسَتْ بِمَاهِيَّةٍ بِشَرْطِ لَا شَيْءَ وَلِذَلِكَ تَدْخُلُ الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ يَعْنِي أَنَّ مَاهِيَّةً بِشَرْطِ لَا شَيْءَ وَإِنْ كَانَتْ مُنَافِيَةً لِلْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ إلَّا أَنَّ مَاهِيَّةً لَا بِشَرْطِ شَيْءٍ لَمْ تَكُنْ مُبَايِنَةً لِلْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بَلْ بَيْنَهُمَا عُمُومٌ مُطْلَقٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْعُلُومِ الْعَقْلِيَّةِ أَنَّ مَاهِيَّةً بِلَا شَرْطِ شَيْءٍ هِيَ أَعَمُّ مِنْ مَاهِيَّةٍ بِشَرْطِ شَيْءٍ وَمَاهِيَّةٍ بِشَرْطِ لَا شَيْءَ (فَتْحُ الْقَدِيرِ) .

وَإِنْ يَكُنْ أَنَّ بَعْضَ الْفُقَهَاءِ كَالْحَمَوِيِّ قَدْ اعْتَرَضَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ قَائِلًا بِأَنَّ الْهِبَةَ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لَا تَجْتَمِعُ بِمَاهِيَّةِ الْهِبَةِ بِلَا عِوَضٍ بِسَبَبِ أَنَّ قَوْلَ: بِلَا عِوَضٍ، هُوَ نَصٌّ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِوَضِ فَلَا تَجْتَمِعُ نَقِيضَتُهَا الْهِبَةُ بِشَرْطِ الْعِوَضِ بِالْهِبَةِ بِلَا عِوَضٍ إلَّا أَنَّهُ قَدْ نَشَأَ الِاعْتِرَاضُ الْمَذْكُورُ مِنْ عَدَمِ تَدْقِيقِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا يَجِبُ إذْ أَنَّ تَعْبِيرَ بِلَا عِوَضٍ لَيْسَ نَصًّا عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ الْعِوَضِ كَمَا قَالَ، بَلْ هُوَ عَامٌّ وَعَلَى اشْتِرَاطِ الْعِوَضِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ وُجِدَ تَنَافٍ بِحَسَبِ الْمَفْهُومِ بَيْنَ الْمَشْرُوطِ بِالشَّيْءِ وَعَدَمِهِ فَلَا يُوجَدُ تَبَايُنٌ بَيْنَهُمَا بِحَسَبِ الصِّدْقِ فَلِذَلِكَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ هَذَا أَنَّ اللَّفْظَيْنِ وَاحِدٌ كَالْإِنْسَانِ فَهُوَ مَشْرُوطٌ بِالنُّطْقِ وَالْحَيَوَانُ غَيْرُ مَشْرُوطٍ بِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُوجَدُ تَنَافٍ بَيْنَ الشَّيْءِ الْمَشْرُوطِ وَبَيْنَ عَدَمِهِ (الْفَتْحُ وَأَبُو السُّعُودِ الْمِصْرِيُّ) .

إلَّا أَنَّهُ يَنْتِجُ مِنْ ذَلِكَ اعْتِرَاضٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ قَيْدَ بِلَا عِوَضٍ الْوَاقِعَ فِي تَعْرِيفِ الْهِبَةِ إذَا اُعْتُبِرَ بِمَعْنَى الْمَاهِيَّةِ بِلَا شَرْطٍ فَيَصْدُقُ حِينَئِذٍ تَعْرِيفُ الْهِبَةِ عَلَى الْبَيْعِ فَيَكُونُ هَذَا التَّعْرِيفُ مُنْتَقَضًا لِكَوْنِهِ لَيْسَ مَانِعًا لِأَغْيَارِهِ فَلَا يَنْدَفِعُ بِذَلِكَ الْمَحْذُورُ بَلْ يَشْتَدُّ وَعَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ يُنْتَقَضُ تَعْرِيفُ الْهِبَةِ طِرَادًا (فَتْحُ الْقَدِيرِ) .

إنَّ هَذَا الِاعْتِرَاضَ لَيْسَ وَارِدًا عَلَى جَوَابِ صَاحِبِ الدُّرَرِ؛ لِأَنَّ خُلَاصَةَ ذَلِكَ الْجَوَابِ هُوَ أَنَّ وُجُودَ الْعِوَضِ فِي الْهِبَةِ لَيْسَ أَمْرًا لَازِمًا فَإِذَا وُجِدَ الْعِوَضُ جَازَ كَالْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ وَإِذَا لَمْ يُوجَدْ الْعِوَضُ جَازَ أَيْضًا كَالْهِبَةِ بِلَا عِوَضٍ أَمَّا فِي الْبَيْعِ فَالْعِوَضُ أَمْرٌ لَازِمٌ وَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ مُطْلَقًا بِلَا عِوَضٍ أَيْ بِنَفْيِ الْعِوَضِ فَبَعْدَ أَنْ اعْتَرَضَ ابْنُ الْهُمَامِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَجَابَ عَلَى أَصْلِ السُّؤَالِ بِمَا يَأْتِي:

<<  <  ج: ص:  >  >>