للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْفَصْلُ الثَّانِي فِي حَقِّ هِبَةِ الْمَرِيضِ]

وَالْمُرَادُ مِنْ الْمَرِيضِ هُنَا.

هُوَ الْمَرِيضُ مَرَضَ الْمَوْتِ الْمُعَرَّفُ فِي الْمَادَّةِ (١٥٩٥) .

الْمَرَضُ، هُوَ حَالَةٌ لِلْبَدَنِ يَزُولُ بِهَا اعْتِدَالُ الطَّبِيعَةِ (ابْنُ مَلَكٍ شَرْحُ الْمَنَارِ) إنَّ تَصَرُّفَاتِ الْمَرِيضِ لَيْسَتْ كَتَصَرُّفَاتِ الصَّحِيحِ بَلْ يُوجَدُ فِي تَصَرُّفَاتِهِ بَعْضُ تَقْيِيدَاتٍ وَقَدْ ذُكِرَتْ فِي حَقِّ الْمَرِيضِ بَعْضُ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّحِيحَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ مَالَهُ وَيَهَبَهُ لِمَنْ شَاءَ بِالثَّمَنِ الَّذِي يُرِيدُ وَأَنْ يُقِرَّ بِكُلِّ شَيْءٍ لِمَنْ أَرَادَ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرِيضِ ذَلِكَ. فَقَدْ بُيِّنَتْ أَحْكَامُ بَيْعِ الْمَرِيضِ فِي الْمَادَّةِ (٣٩٣) وَمَا يَتْلُوهَا مِنْ الْمَوَادِّ وَإِجَارَةُ الْمَرِيضِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٤٤٤) وَكَفَالَةُ الْمَرِيضِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٦٢٨) وَرَهْنُ الْمَرِيضِ فِي شَرْحِ الْمَادَّةِ (٧٠٨) وَهِبَةُ الْمَرِيضِ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ أَيْضًا فِي الْمَادَّةِ (١٥٩٥) وَمَا يَتْلُوهَا مِنْ الْمَوَادِّ.

الْمَرَضُ بِمَا أَنَّهُ سَبَبُ الْمَوْتِ الَّذِي هُوَ الْعَجْزُ الْخَالِصُ فَيُوجِبُ ذَلِكَ تَعَلُّقَ حَقِّ الْوَارِثِ وَالْغَرِيمِ بِمَالِ الْمَرِيضِ. فَعَلَيْهِ قَدْ جُعِلَ الْمَرَضُ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا بِالْمَوْتِ أَحَدُ أَسْبَابِ الْحَجْرِ صِيَانَةً لِحُقُوقِ هَؤُلَاءِ. وَهَذَا الْحَجْرُ يَكُونُ بِالْقَدْرِ الَّذِي يُمْكِنُ بِهِ صِيَانَةُ هَذَا الْحَقِّ. وَهُوَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْوَارِثِ عِبَارَةٌ عَنْ ثُلُثَيْ الْمَالِ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْغَرِيمِ عِبَارَةٌ عَنْ مِقْدَارِ الدَّيْنِ.

وَإِذَا كَانَ الْمَرَضُ مُتَّصِلًا بِالْمَوْتِ كَانَ الْمَوْتُ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ مُسْتَنِدًا إلَى ذَلِكَ الْمَرَضِ.

وَالسَّبَبُ فِي اسْتِنَادِ الْمَوْتِ لِذَلِكَ الْمَرَضِ هُوَ:

أَنَّ الْمَرِيضَ الْمُتَّصِلَ بِالْمَوْتِ مَوْصُوفٌ بِالْأَمَانَةِ مِنْ أَوَّلِهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْمَرَضِ مُوجِبٌ لِلْأَلَمِ أَمَّا الْمَوْتُ فَيَحْصُلُ مِنْ تَرَادُفِ الْأَلَمِ وَتَعَقُّبِهِ عَلَيْهِ فَالْمَوْتُ مُضَافٌ إلَى كُلِّ الْآلَامِ. وَلَيْسَ مُضَافًا لِلْأَلَمِ الْأَخِيرِ وَيَتَفَرَّعُ عَنْ كَوْنِهِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْمَرَضُ مُتَّصِلًا بِالْمَوْتِ لِيَكُونَ مِنْ أَسْبَابِ الْحَجْرِ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ وَهِيَ: كُلُّ تَصَرُّفٍ مُحْتَمِلٌ لِلْفَسْخِ كَالْهِبَةِ وَالْمُحَابَاةِ (اُنْظُرْ الْمَادَّةَ ٣٩٤) وَيَكُونُ تَصَرُّفُ الْمَرِيضِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَالِ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ سَبَبِيَّةَ الْمَرَضِ لِلْحَجْرِ مَشْكُوكٌ فِيهِ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِالْمَوْتِ فَلِذَلِكَ كَانَ الْحَجْرُ مَشْكُوكًا فِيهِ أَيْضًا فَلَا يَثْبُتُ وَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ فَوَاتُ حَقِّ الْغَرِيمِ أَوْ حَقِّ الْوَارِثِ؛ لِأَنَّهُ إذَا اتَّصَلَ الْمَرَضُ بِالْمَوْتِ وَأَفْضَى إلَيْهِ يُحْفَظُ حَقُّهُمَا بِنَقْضِ التَّصَرُّفِ الْمَذْكُورِ (ابْنُ مَلَكٍ، شَرْحُ الْمَنَارِ) .

[ (الْمَادَّةُ ٨٧٧) وَهَبَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ لِأَحَدٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَسَلَّمَهَا]

(الْمَادَّةُ ٨٧٧) - (إذَا وَهَبَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ لِأَحَدٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَسَلَّمَهَا تَصِحُّ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ لَيْسَ لِأَمِينِ بَيْتِ الْمَالِ الْمُدَاخَلَةُ فِي تَرِكَتِهِ) .

إذَا وَهَبَ مَنْ لَا وَارِثَ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ جَمِيعَ أَمْوَالِهِ لِأَحَدٍ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَسَلَّمَهَا صَحَّ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>