للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْإِمَامَ مُحَمَّدًا لَمْ يَقُلْ بِكِفَايَةِ إثْبَاتِ يَدِ الْعُدْوَانِ فِي تَحَقُّقِ الْغَصْبِ كَمَا قَالَ بِذَلِكَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ قَالَ بِذَلِكَ لَلَزِمَ أَنْ يَقُولَ بِضَمَانِ زَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ وَإِنَّ مَا يَقُولُهُ الْإِمَامُ الْمَذْكُورُ هُوَ نَفْسُ مَا قَالَهُ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ مِنْ أَنَّ الْغَصْبَ يَتَحَقَّقُ بِوَصْفَيْنِ أَيْ بِإِزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ (الطَّحْطَاوِيُّ) . أَمَّا الْإِمَامُ زُفَرُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ أَيْ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى فَقَدْ قَالُوا كَالْإِمَامِ مُحَمَّدٍ بِضَمَانِ الْعَقَارِ بِسَبَبِ الْغَصْبِ (الْهِدَايَةُ) إلَّا أَنَّهُ يُوجَدُ بَيْنَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَبَيْنَ الْأَئِمَّةِ الْمُشَارِ إلَيْهِمْ اخْتِلَافٌ فِي السَّبَبِ فَقَدْ ذَهَبَ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ فِي غَصْبِ الْعَقَارِ إلَى الِاكْتِفَاءِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ فَقَطْ وَلَمْ يَرَ لُزُومًا لِإِزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ فِيهِ، أَمَّا الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فَيَرَى أَنَّهُ يَلْزَمُ فِي الْغَصْبِ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ مَعَ إثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ، إلَّا أَنَّ الِاسْتِيلَاءَ فِي الْعَقَارِ يَقُومُ مَقَامَ إزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ.

ثَمَرَةُ الِاخْتِلَافِ: تَظْهَرُ ثَمَرَةُ اخْتِلَافِ الشَّيْخَيْنِ مَعَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ وَالْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْآتِيَتَيْنِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: إذَا أَقَرَّ أَحَدٌ بِغَصْبِهِ دَارًا وَبَيْعِهِ إيَّاهَا وَتَسْلِيمِهَا لَهُ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي غَصْبَ بَائِعِهِ الدَّارَ وَلَمْ يُمْكِنْ الْمُقِرَّ لَهُ إثْبَاتُ كَوْنِ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ لَهُ فَلَا يَلْزَمُ الضَّمَانُ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ. يَعْنِي لَيْسَ عَلَى ذَلِكَ الشَّخْصِ إعْطَاءُ قِيمَةِ الدَّارِ الْمَذْكُورَةِ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ. لِأَنَّهُ لَمْ يُحَوِّلْ ذَلِكَ الشَّخْصُ تِلْكَ الدَّارَ أَوْ لَمْ يُغَيِّرْهَا وَلَمْ يَحْصُلْ التَّلَفُ هُنَا بِبَيْعِ الدَّارِ وَتَسْلِيمِهَا بَلْ حَصَلَ بِسَبَبِ عَجْزِ الْمَالِكِ عَنْ إثْبَاتِ مُدَّعَاهُ بِالْبَيِّنَةِ. أَلَا تَرَى لَوْ أَثْبَتَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ أَنَّ تِلْكَ الدَّارَ مِلْكُهُ حُكِمَ لَهُ وَاسْتَرَدَّ الدَّارَ مِنْ الْمُشْتَرِي. أَمَّا عِنْدَ الْإِمَامَيْنِ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ فَيَلْزَمُ الضَّمَانُ (الْهِدَايَةُ، الْعَيْنِيُّ، الْهِنْدِيَّةُ فِي الْبَابِ الرَّابِعَ عَشَرَ) . وَقَدْ رَجَّحَتْ الْمُتُونُ الْفِقْهِيَّةُ مَذْهَبَ الشَّيْخَيْنِ وَأُفْتِيَ فِي النَّتِيجَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: زَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْحَنَفِيَّةِ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ وَعِنْدَ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ مَضْمُونَةٌ اُنْظُرْ شَرْحَ الْمَادَّةِ (٨٨١) . وَيُسْتَثْنَى مِنْ مُسْتَثْنَيَاتٍ ضَابِطٌ (وَلَا يَكُونُ الْعَقَارُ مَضْمُونًا بِالْغَصْبِ) . ١ - إذَا كَانَ الْعَقَارُ الْمَغْصُوبُ وَقْفًا فَالْفَتْوَى عَلَى مَذْهَبِ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ بِلُزُومِ الضَّمَانِ بِالْغَصْبِ. وَعَقَارُ الْيَتِيمِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَالْوَقْفِ (الدُّرُّ الْمُنْتَقَى) .

فَعَلَيْهِ لَوْ غَصَبَ أَحَدٌ الْعَقَارَ الْمَوْقُوفَ وَتَلَفَ وَهُوَ فِي يَدِهِ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَزِمَ الضَّمَانُ، وَكَذَلِكَ الْعَقَارُ الَّذِي هُوَ مَالٌ لِيَتِيمٍ أَوْ مُعَدٌّ لِلِاسْتِغْلَالِ يَكُونُ مَضْمُونًا أَيْضًا بِالْغَصْبِ وَالتَّلَفِ (الْحَمَوِيُّ) . يَكُونُ الْعَقَارُ مَضْمُونًا فِي سِتِّ مَسَائِلَ:

١ - إذَا كَانَ الْعَقَارُ الْمَغْصُوبُ مَالَ وَقْفٍ يَكُونُ مَضْمُونًا وَلَوْ تَلَفَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ بِلَا تَعَدٍّ. وَإِذَا حُكِمَ عَلَى الْغَاصِبِ بِضَمَانِ الْقِيمَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَيَشْتَرِي بِهَذِهِ الْقِيمَةِ عَقَارًا غَيْرَهُ لِلْوَقْفِ وَيَكُونُ مَوْقُوفًا عَلَى وَجْهِ الْعَقَارِ الْأَوَّلِ (الطَّحْطَاوِيُّ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>