للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْإِكْرَاهُ لُغَةً إجْبَارُ الْإِنْسَانِ عَلَى شَيْءٍ لَا يُرِيدُهُ أَيْ: عَلَى مَا يَرَاهُ بِطَبْعِهِ مُسْتَكْرَهًا سَوَاءٌ أَكَانَ لَهُ قُدْرَةٌ عَلَى تَحْقِيقِ مَا هَدَّدَ بِهِ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَخَافَ الْفَاعِلُ وُقُوعَهُ أَمْ لَا وَسَوَاءٌ أَكَانَ الْفَاعِلُ مُمْتَنِعًا لِحَقِّ الشَّرْعِ أَوْ الْعَبْدِ أَمْ لَا (أَبُو السُّعُودِ) . وَشَرْعًا هُوَ إجْبَارُ أَحَدٍ عَلَى أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا بِغَيْرِ حَقٍّ مِنْ دُونِ رِضَاهُ أَيْ: بِالْإِخَافَةِ وَالتَّهْدِيدِ أَيْ: مَعَ إبْقَاءِ أَصْلِ الِاخْتِيَارِ وَيُقَالُ لَهُ الْمُكْرَهُ (بِفَتْحِ الرَّاءِ) وَيُقَالُ لِمَنْ أَجْبَرَ بِغَيْرِ حَقٍّ مُجْبِرٌ (بِكَسْرِ الْبَاءِ) وَلِذَلِكَ الْعَمَلُ مُكْرَهٌ عَلَيْهِ (بِفَتْحِ الرَّاءِ) وَلِلشَّيْءِ الْمُوجِبِ لِلْخَوْفِ أَيْ: الْمُوجِبِ لِخَوْفِ الْمُكْرَهِ وَالسَّالِبِ لِرِضَاهُ كَالْقَتْلِ وَالضَّرْبِ مُكْرَهٌ بِهِ (بِفَتْحِ الرَّاءِ) .

إيضَاحُ الْقُيُودِ ١ - عَمَلًا: الْعَمَلُ أَعَمُّ مِنْ اللَّفْظِ الَّذِي هُوَ عَمَلُ اللِّسَانِ وَمِنْ أَعْمَالِ سَائِرِ الْجَوَارِحِ فَكَمَا أَنَّهُ يَصْدُقُ عَلَى الْإِقْرَارِ الَّذِي هُوَ مِنْ الْأَلْفَاظِ فَإِنَّهُ يَشْمَلُ أَعْمَالَ سَائِرِ الْجَوَارِحِ كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ مَثَلًا (الدُّرَرُ) .

٢ - بِغَيْرِ حَقٍّ، هَذَا التَّعْبِيرُ احْتِرَازِيٌّ؛ لِأَنَّ الْإِجْبَارِيَّ الَّذِي بِحَقٍّ لَا يُعَدُّ إكْرَاهًا وَعَلَيْهِ فَالْإِجْبَارَاتُ الْآتِيَةُ لَيْسَتْ بِإِكْرَاهٍ وَإِلَيْكَهَا:

أَوَّلًا: إذَا امْتَنَعَ الْمَدِينُ عَنْ بَيْعِ مَالِهِ لِأَدَاءِ الدَّيْنِ فَلِلْقَاضِي أَنْ يُجْبِرَهُ عَلَيْهِ.

وَالْبَيْعُ الَّذِي يَقَعُ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْإِجْبَارِ لَا يُعَدُّ بَيْعًا بِإِكْرَاهٍ.

ثَانِيًا: إذَا بِيعَ الرَّهْنُ بِنَاءً عَلَى إجْبَارِ الْحَاكِمِ الرَّاهِنَ عَلَى بَيْعِهِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (٧٦١) نَفَذَ الْبَيْعُ الْمَذْكُورُ.

ثَالِثًا: إذَا أُجِّلَ الْعِنِّينُ إلَى الْمُدَّةِ الْمُعَيَّنَةِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْجِمَاعِ يُكْرِهُهُ الْحَاكِمُ عَلَى الْفُرْقَةِ وَبِمَا أَنَّ هَذَا الْإِكْرَاهُ بِحَقٍّ فَلَا يَكُونُ إكْرَاهًا بِالْمَعْنَى الْوَارِدِ فِي هَذِهِ الْمَادَّةِ.

بِدُونِ رِضَاهُ - بِمَا أَنَّ هَذَا نَفْيٌ لِلرِّضَا عَلَى الْإِطْلَاقِ يَشْمَلُ التَّعْرِيفَ الْمَذْكُورَ قِسْمَيْ الْإِكْرَاهِ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الرِّضَا كَمَا يَكُونُ فِي الْإِكْرَاهِ غَيْرِ الْمُلْجِئِ الَّذِي يَفُوتُ بِهِ الرِّضَا يَكُونُ أَيْضًا فِي الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ الْمُفْسِدِ لِلِاخْتِيَارِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ الرِّضَا مُعْتَبَرٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْإِكْرَاهِ وَأَصْلُ الِاخْتِيَارِ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ ثَابِتٌ لَكِنْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَفِي بَعْضِهَا لَا يُفْسِدُ (الزَّيْلَعِيّ) .

وَالرِّضَا، مُقَابِلُ الْإِكْرَاهِ، وَأَمَّا الِاخْتِيَارُ فَمُقَابِلُ الْجَبْرِ الِاخْتِيَارُ - هُوَ عِبَارَةٌ عَنْ إرَادَةِ أَحَدٍ طَرَفَيْنِ جَائِزَيْنِ لِأَمْرٍ مُتَرَدِّدٍ بَيْنَ الْوُجُودِ وَالْعَدَمِ وَمَقْدُورٍ فِعْلَهُ مِنْ الْفَاعِلِ بِتَرْجِيحِهِ أَحَدَهُمَا مَثَلًا: بَيْعُ مَالِ زَيْدٍ أَمْرٌ أَحَدُ جَانِبَيْهِ وُجُودٌ وَالْجَانِبُ الْآخَرُ عَدَمٌ وَالطَّرَفَانِ جَائِزَانِ فَإِذَا بَاعَ زَيْدٌ ذَلِكَ الْمَالَ مُرَجِّحًا طَرَفَ الْوُجُودِ يَكُونُ عَمَلُهُ هَذَا اخْتِيَارًا كَمَا أَنَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَنْ بَيْعِهِ يَكُونُ قَدْ رَجَّحَ طَرَفَ الْعَدَمِ وَكَانَ عَمَلُهُ هَذَا اخْتِيَارًا وَالْفَاعِلُ وَإِنْ كَانَ مُسْتَقِلًّا فِي قَصْدِهِ فَاخْتِيَارُهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا (قُهُسْتَانِيٌّ بِإِيضَاحٍ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>