للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ حُجِرَ عَلَى الصَّغِيرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ فَلِفِقْدَانِهِ الْعَقْلَ وَإِذَا كَانَ مُمَيِّزًا فَلِنُقْصَانِ عَقْلِهِ؛ إذْ يُوجَدُ احْتِمَالُ الْغَرَرِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ.

أَمَّا إذَا أَذِنَ وَلِيُّ الصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ لَهُ فَتَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ الَّتِي تَكُونُ بَيْنَ النَّفْعِ وَالضَّرَرِ بِتَرْجِيحِ جَانِبِ الْمَصْلَحَةِ.

وَقَدْ حُجِرَ الْمَجْنُونُ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ مُطْبِقًا فَهُوَ عَدِيمُ الْعَقْلِ.

كَالصَّغِيرِ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ أَمَّا إذَا كَانَ غَيْرَ مُطْبِقٍ فَهُوَ مَحْجُورٌ أَصْلًا فِي حَالِ جُنُونِهِ وَلَمْ يَبْقَ حَاجَةٌ لِحَجْرٍ خُصُوصِيٍّ؛ لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ حِينَئِذٍ غَيْرُ صَحِيحَةٍ بِلَا إذْنِ الْوَلِيِّ.

أَمَّا فِي حَالِ صَحْوِهِ وَإِفَاقَتِهِ فَهُوَ غَيْرُ مَحْجُورٍ أَصْلًا وَتَصِحُّ تَصَرُّفَاتُهُ.

وَيُفْهَمُ مِنْ التَّفْصِيلَاتِ الْآتِيَةِ أَنَّ الصَّغِيرَ الْمَحْجُورَ وَالْمَجْنُونَ غَيْرَ الْمُطْبِقِ يُؤْذَنُ بِفَكِّ الْحَجْرِ عَنْهُمَا، أَمَّا الصَّغِيرُ غَيْرُ الْمُمَيِّزِ وَالْمَجْنُونُ الْمُطْبِقُ فَلَا يُؤْذَنَا بِفَكِّ الْحَجْرِ (رَدُّ الْمُحْتَارِ)

[ (مَادَّةُ ٩٥٨) لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى السَّفِيهِ]

هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ الثَّانِي أَبِي يُوسُفَ، وَالْمَقْصُودُ مِنْ السَّفِيهِ هُنَا مَنْ يَبْلُغُ سِنَّ الرُّشْدِ غَيْرَ سَفِيهٍ فَيُصْبِحُ بَعْدَ ذَلِكَ سَفِيهًا.

أَمَّا مَنْ يَبْلُغُ سِنَّ الرُّشْدِ وَهُوَ سَفِيهٌ فَتُمْنَعُ عَنْهُ أَمْوَالُهُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الْخَامِسَةَ وَالْعِشْرِينَ مِنْ عُمْرِهِ أَيْ: أَنَّهُ لَا تُعْطَى إلَيْهِ أَمْوَالُهُ قَبْلَ ذَلِكَ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي الْمَادَّةِ (٩٨٢) .

وَلَكِنْ إذَا بَلَغَ الْخَامِسَةَ وَالْعِشْرِينَ فَيَجْرِي الِاخْتِلَافُ الْآتِي (أَبُو السُّعُودِ) وَقَوْلُ هَذِهِ الْمَادَّةِ " لِلْحَاكِمِ "، مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَى السَّفِيهِ لَيْسَتْ لِلْأَبِ وَلَا لِلْجَدِّ وَأَمْثَالِهِمَا بَلْ هِيَ لِلْحَاكِمِ فَقَطْ.

وَالسَّفِيهُ، بِمَا أَنَّهُ يَصْرِفُ مَالَهُ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهِ وَيُتْلِفُهُ فَقَدْ أُلْحِقَ بِالصَّبِيِّ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ عَلَى الصَّبِيِّ نَاشِئٌ عَنْ احْتِمَالِ صَرْفِهِ مَالَهُ فِي غَيْرِ مَوَاضِعِهِ وَقَدْ جَازَ الْحَجْرُ عَلَى السَّفِيهِ بِالنَّظَرِ إلَى مَنْفَعَتِهِ وَلِئَلَّا يُبْتَلَى بِالْفَقْرِ الَّذِي هُوَ الْمَوْتُ الْأَحْمَرُ بِإِتْلَافِهِ مَالَهُ (الْهِنْدِيَّةُ وَالطَّحْطَاوِيُّ) .

مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ: لَكِنَّ الْإِمَامَ أَبَا يُوسُفَ يَرَى أَنَّهُ يَقْتَضِي لِعَدِّ السَّفِيهِ مَحْجُورًا أَنْ يَحْجُرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ مَحْجُورًا بِلَا حَجْرِ الْقَاضِي؛ لِأَنَّ السَّفَهَ لَمَّا كَانَ غَيْرَ مَحْسُوسٍ فَإِنَّمَا يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِالِانْخِدَاعِ فِي التَّصَرُّفَاتِ؛ لِأَنَّ الِانْخِدَاعَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حِيلَةً قُصِدَ بِهَا اسْتِجْلَابُ الْقُلُوبِ كَمَا أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ إضَاعَةً لِلْمَالِ بِلَا مُوجِبٍ عَقْلِيٍّ بِدَاعِي السَّفَهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ حُكْمُ الشَّيْءِ الْمُحْتَمِلِ أَمْرَيْنِ أَوْ الْمُتَرَدِّدِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ بِالْقَضَاءِ.

وَيُوجَدُ أَيْضًا فِي حَجْرِ السَّفِيهِ (فَائِدَةٌ) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَحْصُلُ فِيهِ الْمُحَافَظَةُ عَلَى أَمْوَالِهِ (وَضَرَرٌ) بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مُسْتَلْزِمٌ أَنْ تَكُونَ تَصَرُّفَاتُهُ بَعْدَ الْحَجْرِ غَيْرَ صَحِيحَةٍ وَإِهْدَارُ أَقْوَالِهِ وَإِلْحَاقُهُ بِالْبَهَائِمِ.

وَتَرْجِيحُ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فِي مُحْتَمَلَاتٍ كَهَذِهِ عَلَى الْآخَرِ يَكُونُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ الَّذِي هُوَ مُجْبَرٌ عَلَى مُلَاحَظَةِ جِهَتَيْ الْمَنْفَعَةِ وَالْمَضَرَّةِ (الْهِنْدِيَّةُ، الْكِفَايَةُ) .

فَلِذَلِكَ إذَا صَارَ السَّفِيهُ مُسْتَحِقًّا الْحَجْرَ لَا يَكُونُ مَحْجُورًا بِنَفْسِهِ، فَإِذَا زَالَ السَّفَهُ وَاكْتَسَبَ صَلَاحًا فَلَا يَنْفَكُّ الْحَجْرُ عَنْهُ بِنَفْسِهِ بَلْ يَتَوَقَّفُ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ وَعَلَيْهِ فَتَصَرُّفَاتُ السَّفِيهِ قَبْلَ الْحَجْرِ صَحِيحَةٌ وَمُعْتَبَرَةٌ.

أَمَّا تَصَرُّفَاتُهُ بَعْدَ أَنْ اكْتَسَبَ صَلَاحًا بَعْدَ الْحَجْرِ وَقَبْلَ الْفَكِّ فِي حَالَةِ الْحَجْرِ عَلَيْهِ فَغَيْرُ صَحِيحَةٍ (رَدُّ الْمُحْتَارِ) .

وَعِنْدَ الْإِمَامِ مُحَمَّدٍ يَنْحَجِرُ السَّفِيهُ بِمُجَرَّدِ سَفَهِهِ بِلَا حَجْرِ الْحَاكِمِ وَلِذَلِكَ فَتَصَرُّفَاتُهُ بَعْدَ حُصُولِ

<<  <  ج: ص:  >  >>