للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَصَلَ الْقَبْضُ تَمَّتْ الْهِبَةُ وَإِنْ نَهَاهُ الْوَاهِبُ صَرَاحَةً قَبْلَ الْقَبْضِ سَقَطَ حُكْمُ الدَّلَالَةِ وَبَطَلَتْ الْهِبَةُ، فَلَوْ قَبَضَهُ كَانَ غَاصِبًا وَتَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْغَاصِبِ.

(رُجْحَانُ الصَّرَاحَةِ) وَرُجْحَانُ الصَّرَاحَةِ عَلَى الدَّلَالَةِ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ حُصُولِ مُعَارَضَةٍ بَيْنَ الصَّرَاحَةِ وَالدَّلَالَةِ قَبْلَ تَرَتُّبِ حُكْمٍ مُسْتَنِدٍ عَلَى الدَّلَالَةِ، أَمَّا بَعْدَ الْعَمَلِ بِالدَّلَالَةِ أَيْ بَعْدَ تَرَتُّبِ الْحُكْمِ وَجَرَيَانِهِ اسْتِنَادًا عَلَيْهَا، فَلَا اعْتِبَارَ لِلصَّرَاحَةِ.

مِثَالٌ: لَوْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ بِعْتُك هَذَا الْفَرَسَ فَعَلَى الثَّانِي أَنْ يَقْبَلَ فِي الْحَالِ، وَيَقُولُ: قَدْ اشْتَرَيْتُ بِدُونِ وُقُوعِ إعْرَاضٍ مِنْهُ حَتَّى يَصِحَّ الْعَقْدُ، وَعَلَى الْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي بَعْدَ حُصُولِ الْإِيجَابِ أَنْ يَقُولَ: بِعْتُ أَوْ اشْتَرَيْتُ قَبْلَ أَنْ يَشْتَغِلَ بِشُغْلٍ آخَرَ، فَإِذَا لَمْ يَقُلْ أَحَدُهُمَا ذَلِكَ بَعْدَ الْإِيجَابِ وَاشْتَغَلَ بِأَمْرٍ يَدُلُّ عَلَى الْإِعْرَاضِ فَيُصْبِحُ الْإِيجَابُ بَاطِلًا، فَلَوْ قَبِلَ الثَّانِي بَعْدَ الْإِعْرَاضِ عَنْ الْبَيْعِ لَا يَنْعَقِدُ مَعَ أَنَّ الْقَوْلَ وَقَعَ صَرَاحَةً، فَكَانَ مِنْ الْوَاجِبِ أَنْ يَنْعَقِدَ الْبَيْعُ، لَكِنَّ الْإِعْرَاضَ الدَّالَّ عَلَى عَدَمِ الرَّغْبَةِ حُكْمٌ أَبْطَلَ الْإِيجَابَ السَّابِقَ، فَالْقَبُولُ اللَّاحِقُ وَإِنْ كَانَ صَرِيحًا لَكِنَّهُ لَمْ يَجِدْ إيجَابًا صَحِيحًا، وَلِهَذَا فَقَدْ بَطَلَ أَيْضًا وَرُجْحَانُ الصَّرِيحِ عَلَى الدَّلَالَةِ يَكُونُ فِيمَا لَوْ تَعَارَضَا فَقَطْ.

كَذَلِكَ لَوْ بَاعَ شَخْصٌ مَالًا مِنْ آخَرَ فُضُولًا فَإِذَا طَالَبَ صَاحِبُ الْمَالِ الْمُشْتَرِيَ بِالثَّمَنِ يَكُونُ قَدْ أَجَازَ الْبَيْعَ دَلَالَةً، وَإِذَا صَرَّحَ صَاحِبُ الْمَالِ بَعْدَ ذَلِكَ بِعَدَمِ إجَازَةِ الْبَيْعِ لَا يُعْتَبَرُ تَصْرِيحُهُ وَيَكُونُ الْبَيْعُ صَحِيحًا، وَكَمَا أَنَّ الصَّرَاحَةَ تَكُونُ رَاجِحَةً عَلَى الدَّلَالَةِ كَمَا اتَّضَحَ تَكُونُ رَاجِحَةً عَلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ وَالْعَادَةَ مِنْ قَبِيلِ الدَّلَالَةِ.

مِثَالُ ذَلِكَ: إنَّ اللِّيرَةَ الْمَعْرُوفَةَ فِي فِلَسْطِينَ الْآنَ هِيَ الْجُنَيْهُ الْمِصْرِيُّ، فَلَوْ جَرَى عَقْدُ الْبَيْعِ بَيْنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي عَلَى لِيرَاتٍ فَرَنْسَاوِيَّةٍ مَثَلًا فَالْبَيْعُ يَنْعَقِدُ عَلَى لِيرَاتٍ فَرَنْسَاوِيَّةٍ، وَلَا تُحْمَلُ اللِّيرَةُ الَّتِي جَرَى الِاتِّفَاقُ عَلَيْهَا عَلَى اللِّيرَةِ الْمِصْرِيَّةِ، وَأَمَّا إذَا عُقِدَ الْبَيْعُ عَلَى لِيرَاتٍ بِلَا تَعْيِينِ نَوْعِهَا، فَيَنْصَرِفُ إلَى الْمُتَعَارَفِ، وَهُوَ اللِّيرَةُ الْمِصْرِيَّةُ

[ (الْمَادَّةُ ١٤) لَا مَسَاغَ لِلِاجْتِهَادِ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ]

(الْمَادَّةُ ١٤) :

لَا مَسَاغَ لِلِاجْتِهَادِ فِي مَوْرِدِ النَّصِّ يَعْنِي: أَنَّ كُلَّ مَسْأَلَةٍ وَرَدَ فِيهَا نَصٌّ مِنْ الشَّارِعِ لَا يَجُوزُ لِلْمُجْتَهِدِينَ أَنْ يَجْتَهِدُوا فِيهَا؛ لِأَنَّ جَوَازَ الِاجْتِهَادِ أَوْ الْقِيَاسِ فِي الْفُرُوعِ مِنْ الْأَحْكَامِ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ وُجُودِ نَصٍّ مِنْ الشَّارِعِ.

الِاجْتِهَادُ: لُغَةً هُوَ التَّكَلُّفُ بِبَذْلِ الْوُسْعِ، وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ هُوَ صَرْفُ وَبَذْلُ الطَّاقَةِ وَالْقُدْرَةِ أَيْ إجْهَادِ النَّفْسِ لِأَجْلِ الِاسْتِحْصَالِ عَلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ الْفَرْعِيِّ مِنْ دَلِيلِهِ الشَّرْعِيِّ بِحَيْثُ لَا يُسْتَطَاعُ بَذْلُ وُسْعٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ.

وَلِذَلِكَ قِيلَ إذَا صَحَّ حَدِيثٌ وَكَانَ حُكْمُ ذَلِكَ الْحَدِيثِ مُخَالِفًا لِمَذْهَبِ الْمُجْتَهِدِ يَجِبُ الْعَمَلُ بِذَلِكَ الْحَدِيثِ. وَإِنَّ الْمُقَلِّدَ لِأَحَدِ الْمَذَاهِبِ إذَا اتَّبَعَ حُكْمَ الْحَدِيثِ، فَلَا يَكُونُ خَالَفَ وَخَرَجَ عَنْ الْمَذْهَبِ الَّذِي يُقَلِّدُهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>